في الجزء الثاني من مقابلته مع شبكة السراج الدكتور محمد المختار الدمين مدير مركز الجزيرة للدراسات :
ــ الانتصار الاستراتيجي لحماس أنها استطاعت أن تبادر بالمعركة وأن تديرها لاحقا حتى النهاية بكفاءة الجيوش النظامية
ــ عملية طوفان الأقصى أعادت توجيه البوصلة، وأوقفت التطبيع، وأظهرت أن إسرائيل نمر من ورق، وأنها مجرد قاعدة متقدمة لأمريكا
ــ المحكية الإسرائيلية عبر التاريخ لم تتعرض إلى التشكيك مثلما تتعرض له الآن، والمحكية الفلسطينية لم تصل إلى أسماع العالم كما وصلت الآن
ــ كان لا بد من تعرية العدو وحلفه الاستراتيجي الإقليمي والدولي، وذلك لا يكون إلا بتعظيم خسائره، وإرغامه على دفع كلفة عالية
ــ لأول مرة في التاريخ تعتبر القضية الفلسطينية قضية انتخابات داخلية في أمريكا
ــ إيران استثمرت جيدا في دعم المقاومة الفلسطينية، واستفادت المقاومة في المقابل من إيران.
ــ تركيا فوجئت بعملية 7 أكتوبر، وموقفها كان خاذلا، أومتخاذلا، وهي تدفع ضريبة ذلك الآن
يتحدث الدكتور محمد المختار الدمين في الجزء الثاني من مقابلته مع شبكة السراج للمكاسب الاستراتيجية التي حققتها المقاومة في عملية 7 من أكتوبر، وهل كانت المقاومة تقدر أن رد الفعل الإسرائيلي سيكون بهذا الحجم من القتل والتدمير؟ ومدى تأثير توسع الحرب إقليميا على الأحداث في غزة، وإسهامات "محور المقاومة" وتأثيرها في موازين القوى، فضلا عن الموقف التركي الذي كان محل انتقاد من قبل نشطاء ومدافعين عن القضية الفلسطينية.
عملية 7 من أكتوبر هل حققت مكاسب استرايجية أم كارثة على حماس والفلسطينيين؟
طوفان السابع من أكتوبر كان نصرا استراتيجيا للمقاومة الفلسطينية، وحقق النتائج المرجوة من أول يوم، إذا كان هدف المقاومة لفت الانتباه إلى ما يجري في الأقصى من تدنيس، ومحاولات التقسيم الزماني والمكاني، لإيقاف هذا المشروع أو تأخيره، ولفت انتباه الرأي العام إليه، بالإضافة إلى قضية الأسرى العالقة منذ زمن، وعودة القضية الفلسطينية إلى الطاولة من جديد أمام المجتمع الدولي، فإن هذه المعطيات قد تحققت بجدارة.
ولا بد من لفت الانتباه إلى أن هذه أول حرب تقع في أرض الـ 48 منذ أن أقيمت إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وهذا ما دق جرس الإنذار لدى الإسرائيليين، أن اللحظة بدأت تقترب من النهاية، وذلك ما تحدث عنه الإسرائيليون أنفسهم، في ما يسمونه بـ "لعنة العقد الثامن"، وهذا ما يتماشى مع توقعات الشيخ أحمد ياسين رحمه الله بزوال إسرائيل، فهذا جيل النصر للفلسطينيين ويقابله جيل الهزيمة للكيان.
يقول المؤرخ الصهيوني "أفيش ليند" متحدثا عن الطوفان: "إن المسمار الأول قد دق في نعش الصهيونية"، ويقول قادة حماس إن السؤال الآن هو عما بعد إسرائيل، وتقول استطلاعات الرأي إن غالبية الشباب الأمريكي ما بين (١٦-٢٤ سنة) يرون أن لا حل غير تفكيك إسرائيل.
المحكية الإسرائيلية عبر التاريخ، لم تتعرض إلى التشكيك مثلما تتعرض له الآن، والمحكية الفلسطينية لم تصل إلى أسماع العالم كما وصلت الآن، والفعل المقاوم وصل إلى مرحلة لم يصل إليها من قبل، ولا يمكن لهذه المرحلة أن ترجع إلى الوراء (التصنيع العسكري- المبادأة بالحرب - التحكم في إدارة الحرب عسكريا وإعلاميا) .
المقاومة أدت أداء عسكريا لا يوجد أحسن منه ولا أكفأ، وما زالت باقية وما زالت تقاوم وما زالت مستمرة، والسؤال بالنسبة لنتنياهو متى ينزل من الشجرة؟ وليس متى تعلن المقاومة الهزيمة، فالقضية محسومة.
والمعركة الآن بالنسبة لبايدن ولنتنياهو معركة انتخابية بالأساس، فأي تراجع يعني خسارة نتنياهو سياسيا، بالتالي خسارة الأغلبية وانتخابات مبكرة(...)، واستمرار الحرب بالنسبة لبايدن سيؤدي إلى خسائر على مستوى مجريات الانتخابات الأمريكية وهو لا يريد ذلك.
لأول مرة في التاريخ تعتبر القضية الفلسطينية قضية انتخابات داخلية في أمريكا، وبالمجمل عند ما يكون المطروح الآن بالنسبة لإسرائيل "تبيض السجون"، فهذا شيء ما كان يتوقعه أحد، رغم التكلفة الباهظة إلا أن القرار بإطلاق سراح المعتقلين قرار استراتيجي، لأن بقاء من يقاوم في السجن هو رسالة لمن هم خارج السجون ألا يقاوموا، بالتالي لا يمكن للمقاومة الفلسطينية عبر التاريخ أن تسمح بالأسر الدائم.
هل كانت المقاومة تُقدر أن رد الفعل الإسرائيلي سيكون بهذا الحجم؟
كان لا بد من تعرية العدو وحلفه الاستراتيجي، وذلك لا يكون إلا بتعظيم خسائره، وإرغامه على دفع كلفة عالية، فمن يظن أن المقاومة ستنتصر برد الفعل ضد المحتل، والاكتفاء بإثبات وجودها واهم، فالانتصار الاستراتيجي لحماس أنها استطاعت أن تبادر بالمعركة وأن تديرها لاحقا حتى النهاية بكفاءة الجيوش النظامية، والآن تلاحظون تصريحات أمريكية وإسرائيلية، مثل قول بلينكن "إن موضوع القضاء على حماس وهم".
ومن يتحدثون عن خيار غير الطوفان نسوا خسائر الثورة الجزائرية والمقاومة الفيتامية، فقد أثبت التاريخ أن المحتل يقتل والمقاومة تقتل، لكنها تحقق النصر بقدر ما تدفع من تكلفة في الأرواح.
ألم تظهر الحرب على غزة أن إيران وحلفاءها وحدهم الداعمون عمليا للمقاومة ؟
كان من دواعي هذه الحرب تخلي العرب والمسلمين عن القضية الفلسطينية، وغيابها حتى في العناوين التقليدية (اجتماعات جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي... إلخ) حتى المواطن العربي والمسلم انكفأ على نفسه، واهتم بالأوضاع الداخلية، إذ لم يعد يؤثر فيه ما يحدث في فلسطين، بالتالي أعادت عملية طوفان الأقصى توجيه البوصلة، وأوقفت التطبيع، وأظهرت أن إسرائيل نمر من ورق، لا قيمة له ولا يمكنه أن يواجه في المنطقة مواجهة حقيقية، وأظهرت أن إسرائيل قاعدة متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية لا أكثر ولا أقل، اتضح ذلك جليا من خلال الغطاء السياسي والدعم العسكري المباشر، وقد أظهرت هذه الحرب أيضا حجم التخاذل العربي والإسلامي.
لا يخفى على أحد أن محور المقاومة محور موجود، لكن لكل طرف فيه استقلالية قراراه، وفق ظروفه الخاصة، وهذا ما يجيب على استفسار لماذا يخوض حزب الله حربا لا تخوضها حماس؟ والعكس صحيح، ولا شك أن إيران استثمرت جيدا في دعم المقاومة الفلسطينية والمقاومة بالمقابل استفادت من علاقاتها مع إيران.
قد يشكك البعض في تماسك حلف المقاومة اليوم، انطلاقا من تفاصيل تعامله مع معركة طوفان الأقصى، والحقيقة أن محور المقاومة ليس كيانا واحدا، ينطلق من نفس القيادة ونفس التوجهات، بل لكل طرف منه حساباته الداخلية، لكن ردة الفعل واستمرار المعارك، يدلان على نسق معقول جدا من التنسيق السياسي والعسكري والأمني بين مختلف الأطراف.
ولعل أبرز ما في المشهد الآن إدارة الحوثيين للمعركة الإقليمية، من خلال باب المندب، فما حذرت منه أمريكا مع بداية الحرب من تحولها إلى حرب إقليمية صار واقعا مشاهدا، هذا إضافة إلى بعض الردود الطفيفة التي تأتي من العراق وأحيانا من سوريا، لكن المشهد بشكل عام مقبول في إدارة الملف، والأهم في ذلك كله أنه كشف الحلفاء الإقليميين لإسرائيل.
كثيرون لم يفهموا موقف تركيا من الحرب على غزة الذي بدا ـ وفق هؤلاءـ ضعيفا ومتخاذلا ما رأيك ؟
طوفان الأقصى فاجأ الجميع، أصدقاء وأعداء، حلفاء وغير حلفاء، ومن فاجأه تركيا التي لم تستطع إدارة الموقف بشكل يناسب حجمها، وعلاقتها بالقضية والإقليم، وهي تتعامل مع الأحداث ببرودة، ولم يكن موقفها على مستوى الأحداث، ولدى تركيا نقاط كثيرة كان يمكن أن تستغلها بما فيها العلاقة مع الناتو ومع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وروسيا... إلخ.
لكن الحسابات التركية كانت كالحسابات العربية تماما، ظنا منها أن العملية ستكون عابرة وأن إسرائيل ستحسمها بسرعة، ولا داعي للمغامرة بالموقف السياسي، هذه حسابات الدبلوماسية التقليدية عربية كانت أو تركية، والمنطق السياسي التركي خضع لها، فالموقف التركي كان خاذلا للقضية، أومتخاذلا، وتركيا تدفع ضريبة ذلك الآن لأن الرأي العام الذي كان يعتبرها أنموذجا، سيراجع حساباته على الأقل بالنسبة للمواقف الكلية للإقليم والقضايا الإسلامية.