التحدي والانجاز الرئيس وتدشين حائط للتعليم الضائع والمنكوب ؟!

سبت, 2016/03/19 - 22:33
بقلم: د. محمد المختار دية الشنقيطي

في خطوة غير مفاجئة الرئيس يدشن في ملح حائطا سيكون في المستقبل مشروعاً لبناء إعدادية في حي السعادة، المحروم من السعادة حرمانه من اسمه (ملح) أفقر أحياء العاصمة وأكثرها حاجة للأمن والتعليم والصحة وباقي الخدمات؟

 

من المعلوم أن التعليم هو مفتاح الحضارة والعمران وأساس التطور للبلدان  وبناء الإنسان،قال تعالى مخاطبا نبيه – صلى الله عليه وسلم، في توجيه من السماء للأهل الأرض، تبيانا لكل شيء وتفصيلا لمكانة العلم والتعلم،:{ اقرأ بسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم}.

 وقال:{ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.

 وقال:{ ذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء}.

وهكذا اعتمدت أغلب الأمم والشعوب في تقدمها وتطورها وازدهارها العمراني والتكنولوجي على الاستثمار في التعليم، فالتعليم هو الأساس في تطور الحضارة وبناء الإنسان ورقي الأمم والتعليم هو أساس كل العلوم والمعارف المرتبطة بالقيم والأخلاق وبناء الإنسان، ذلك ما ينطق به الوحي وتصدقه تجارب الأمم الواعية والباحثة عن التقدم والنهوض . 
والمعروف اليوم لدى الهيئات العلمية والمنظمات الدولية والعلماء والباحثين أن قياس أي بلد من البلدان، من حيث التمدن والتحضر يكمن في إيجاد تعليم فاعل ومتفاعل وواع ومتطور، وقياس يمكن من معرفة مدى تطور وتحضر البلد وذلك عن طريق معاينة نظام التعليم المطبق فيها من حيث البني الأساسية ونوع المناهج التي تدرس في المدارس والجامعات ونسب المشاركين فيها ونوعية التكوين والأهل للقائمين على عمليات التربية والتعليم والتكوين.

 ولعل من الأمثلة الشاهدة على إمكانية النهوض بعد السقوط  نهوض اليابان وصعودها للقمة في سلم التطور العلمي والتقني والمعرفي بعد الإنتكاسة التي أصابتها، والفضل في ذلك يعود إلى تركيزهم على التعليم في بلادهم من حيث تطويره والزج بأكبر عدد من الأفراد فيه لأنه يمثل السبيل لإنتاج الموارد البشرية ذات المهارة العالية كالمهندسين والأطباء والقانونيين والعباقرة في بعض الأحيان والذين يقع على عاتقهم بناء البلد وتطوير إمكانياته واستثمار طاقاته بالشكل الذي يجعل البلد في مصاف الدول المتقدمة .

ومن هنا يضع تدشين السيد رئيس الجمهورية لذلك الحائط الذي يؤمل أن تشيد فيه إعدادية لطلاب أفقر أحياء العاصمة نواكشوط - وهي بالمناسبة مهددة بالبيع لزحف السوق عليها - تساؤلات عن حقيقة ومكانة التعليم في اهتمامات وسياسات رئيس الدولة وحكومته العاجزة، وخاصة بعد انتهاء السنة التي خصصها هو للتعليم،أو لبيع مدارسه ومؤسساته وتضيع هويته وتخلف مقرراته كإنجاز تحقق للتعليم على مستوى بنيته وتأهيل طاقمه في مأموريته الأولى والثانية ؟!

فلقد انتهت سنة التعليم ودون أن يتحقق أي انجاز ملموس على مستوى المناهج  والمقررات الدراسة من حيث الانجاز والترتيب والتطوير، وفيما يتعلق بالتكوين والتدريب والتأهيل وتنمية قدرات ومهارات المدرسين فلم ينجز شيء بما يفيد في الرفع من أداء المؤسسة التربوية، ومقررات الدراسة فيها؟!

 وكذلك لم يتحقق أي انجاز على مستوى التحسين من حال وواقع الأسرة التعليمية بشكل عام كزيادة المهارات والفاعلية في الأداء وتطوير نـظم التدريس وتزويد المؤسسات بالوسائل العصرية الحديثة المطلوبة وكذا تقييم المناهج التربوية المنبثقة من الذات الحضارية والمستجيبة لحاجات وتطلعات المجتمع .

وكذلك اعتماد سياسات ومقاربات إصلاحية ناجعة وفعالة بما يتلاءم مع التطور الحاصل في نُظم التعليم بالعالم وخاصة منه القريب منا والمجاور لنا، والمفترض أن نكون متنافسين معه ؟

وكذلك إحداث تغيير جذري لواقع التعليم بالبلد يكون كفيلا بتحقيق الأهداف المرجوة واستغلال الطاقات باستثمار فعال في العنصر البشري الذي هو قائد مسيرة التنمية والبناء؛ وبالتالي يكون للعناية بتطوير التعليم والاستغلال الأمثل للطاقات البشرية نتائج فعلية عملية ومستقبلية إيجابية.

 والمعروف من واقع تعليمنا أنه متخلف وفاشل ويعاني من مشاكل بنيوية حادة دفعته إلى التخلف والعجز والضياع، فلا بنية تحتية ولا تخطيط ولا مناهج ولا مقررات حية فاعلة وواعية ولا طاقم مكون علمياً ومهيأ تربويا وماديا للتكوين والعطاء والبناء.

 فعلى مستوى التعليم الأساسي والثانوي فالطاقم التربوي فاشل ويعاني من ضعف في التكوين وتدني في المستوى العلمي والأداء التربوي فخرج لنا أجيالاً لا تحسن القراءة ولا الكتابة،أحرى الإنتاج والإبداع والعطاء، وعلى المستوى الجامعي فالتكوين أقل ايجابية وأضعف بناء وأقل إنتاجا، وذلك ما يصدقه عدم وجود البحوث والدراسات والتي تعبر عن حيوية التعليم وفاعليته، وأغلب طاقم مؤسساتنا التعليمية العليا يعاني  ومشكوك أصلاً في مستوياته الأكاديمية وشهاداته العلمية وحتى المؤسسات التكوينية المانحة لتلك الشهادات مقدوح فيها ومشكوك فبعضها لا يعترف بشهاداته حتى أهله كمعهد جامعة الدول العربية في القاهرة وبعض المعاهد الغربية المسيحية .

والمخيف حقاً والمحزن أن التعليم عندنا ومنذ عقدين ونصف يتهاوى وينهار فلا محدد له ولا معيار، وهو في الأصل لا هوية له ولا نموذج يراد للمعلم أو المدرس أن يصل بالمتعلم  إليه، والأسوأ من ذلك أنه لا المعلم ولا المدرس يمتلك الأهلية ولا القابلية ولا الوسائل للوصول إلى الهدف بتخريج ذلك النموذج المثال، والذي لا وجود لمواصفاته في منظومتنا التربوية والتعليمية، فكل ما فيها من تحديد ووصف"للنموذج المثال" هو قولها "المواطن الصالح" ودون تحديد لمعنى الصلاح، فقد تكون العرقية والفئوية والقبلية والمحسوبية والتنكر لقيم الدين والأخلاق من معنى الصلاح عند قوم، وعكس ذلك هو الصلاح عند قوم آخرين، ويبقى التعليم والمواطن عندئذ الضحية واللقمة السائغة بين شركاء متشاكسين، فاللبرالية والماركسية والتقاليد الفاسدة فلسفات و لكل واحدة منها أتباع ورواد يستقون وينشئون ويعلمون على أساس تلك المناهج والفلسفات المختلفة والمتشاكسة ؟

فالباحث في مقرراتنا الدراسية ومنظومتها التربوية لا يجد فيها جواباً كافيا على تحديد ذلك النموذج المثال الذي يجب أن تعمل منظومتنا التعليمية والتربوية إلى الوصول إليه وتنشئة الناشئة وتكوين المكون على أساس الوصول إليه.

 فكل ما سيجده من تحديد لذلك المثال النموذج في منظومتنا التربوية التي لا ذاتية لها ولا هوية هو قولها: (المواطن الصالح)، وبدون معرفة وتحديد قواعد وضوابط الصلاح والمواطنة؟

ولا بأي اعتبار ومقياس يعرف الصلاح من الفساد ولا حتى المواطن، أهو المادي أو المعنوي، أو المؤمن أو الملحد، وما الذاتية والهوية الحضارية الخاصة لذلك المواطن؟!

 أهو المسلم ثقافة ولغة وهوى وقيماً و أخلاقاً؟!

 أو هو الغربي ثقافة ولغة وهوى وقيماً وأخلاقاً ؟!

كل هذا لا تجد له تحديدا ولا جواباً في منظومتنا التربوية والتعليمية، ولهذا تتالت الخيبات وتداعت الإخفاقات في كل محاولات ما سمي بالإصلاح التعليمي والتقويم التربوي، وتوسيع الشقة بين مكونات المجتمع واستفحال الفوارق المجتمعية لغة واقتصادا وثقافة، فجاءتنا هذه الأجيال التي لا قواسم مشتركة بينها لا في  الهوية ولا في اللغة ولا في الثقافة ولا في وسائل العيش ومقومات الحياة فأصبح الوطن ضائعاً ومهددا ؟! سيدي الرئيس هذا هو الوطن وتلك هي أبرز حصيلة للتعليم بعد سنة التعليم التي خصصها رئيس الجمهورية للتعليم ... يتابع .