
على ضفاف مستنقع آسن وبحيرة مالحة يطل مبنى مخروطي الشكل: إنه مخزن متهالك للأعلاف وإلى جانبه مخازن للمواد الاستهلاكية في تجاور غريب يعكس حجم الإهمال واللامبالاة في قلب عاصمة الصحراء .
المخزن المنكوب منذ أشهر بحرائق متواصلة في محتوياته من الأعلاف أصبح اليوم قبلة الكثيرين من سكان نواكشوط والذين لم يصدقوا "لغز" الحرائق المتواصلة في هذا المخزن والتي لم يكن سببها سوى نوعيات من الأعلاف القابلة للاشتعال بسبب رداءة التخزين وتردي الجودة.
لكن المخزن اليوم أصبح عنوان :"أزمة متجددة" لوقوعه على مقربة من مخزن للسكر والمواد الاستهلاكية في الوقت الذي تدعي فيه كل الجهات عدم مسؤولياتها نحو الموضوع ..
مندوب السراج زار المخزن وعاد بالتقرير التالي :
الحريق اللغز
رابطت سيارات الإطفاء عند المخزن المحترق من سبتمبر الماضي منذ قرابة شهرين؛ وكانت النيران تندلع في المخزن ما إن يتم إخمادها إلى أن آل الأمر إلى استحالة السيطرة عليها وحدا بمؤجر المخزن وهو شركة الإيراد والتصدير (سونمكس) إلى إفراغه من محتوياته على رأي "آخر الدواء الكي " وجرى التخلص من هذه الشحنة الخطرة بإلقائها على مقربة من الشاطئ عند الكلم 28 على الطريق الرابط بين نواكشوط و روصو _حسب المختار ولد أحمد وهو شقيق رب أسرة مجاورة للمخزن طالما عانت كغيرها من سكان الحي من أدخنته السامة الكريهة والتي تغلف الأفق بغلالة سوداء داكنة لا زالت بصماتها بادية في المكان ومحيطه.
وحسب ولد أحمد فإن حرائق الأعلاف طبيعية وهي ناجمة عن الإهمال والتقادم في مخازن سيئة التهوية وتفتقد أبسط مقومات التخزين الآمن مما أدى إلى تفاعل مكوناتها بهذا الشكل الغريب الذي لا يخطر على بال خاصة وأن السكان اعتقدوا في البداية وجود من يتعمد إشعال النيران في المخزن المهجور.
و يبقى الحراس وجيران المكان هم الأكثر تضررا حتى الآن من مخلفات الحرائق رغم القضاء على مصدرها وهو الأعلاف التالفة لكن الجميع يتساءل عن مصير هذه الأعلاف في حال مالم تكشف النيران والدخان عدم صلاحيتها ؟ وهل كانت ستباع بالأسواق في أوقات الجفاف لتكون التأثيرات أخطر والخسائر أفدح؟ يعلق أحد الحراس وهو يغالب السعال بسبب ما قال إنه آثار الدخان السام الذي تنفسه على مدى أشهر دون أن يجري أي تحقيق في الحادثة ولا عن الأضرار البشرية والبيئية التي نجمت عنها.
مخازن "خربة "
في عين المكان ورغم آثار المأساة التي لم تستطع صهاريج الإطفاء ولا جرافات مفوضية الأمن الغذائي طمس معالمها، لا يزال العمل جاريا في تشغيل مخازن مجاورة محتوياتها هذه المرة ليست العلف بل السكر، مما جعل الكثيرين يستنكرون وجود مخزن "ماتريكس" للسكر على بعد أمتار قليلة عن المخزن المحترق بل لا يكاد يفصلهما سوى جدار إسمنتي.
في الحي المجاور حالة استياء من تأخر السلطات في السيطرة على الحرائق والتي تسببت أدخنتها المتصاعدة وعلى مدى أشهر في مشاكل صحية للكبار قبل الصغار خاصة أمراض الحساسية والربو فيما قررت أسر ترك منازلها والبحث عن مسكن في مكان آخر من العاصمة بسبب هذه الكارثة.
لكن المشكل يبدو طفيفا إذا ما تصورنا وجود مدارس ومنشآت صحية في مهب دخان المخزن المهجور فعلى بعد أمتار يوجد مستشفى "جاه" للأمراض العقلية والعصبية والذي أصبح يحمل اسم مركز التخصصات الطبية كما توجد مدرسة ابتدائية وإعدادية تضمان أزيد من 1500 تلميذ تقول بيدل بنت خطري التي تعمل مراقبة في الإعدادية المجاورة وتسكن في نفس الحي.
طريق الألف ميل
ومع ذلك والقول لسيد محمد ولد سيديا المشرف على مخزن السكر فإن الطريق إلى مخازن الأغذية والأعلاف في نواكشوط ليست سالكة ولا محفوفة بالورود فالشحنة الموردة تأخذ طريقها أولا إلى الميناء حيث تفرغ في شاحنات وأحيانا تنقل في الحاويات إلى هذه المخازن التي تؤجر بمبالغ طائلة حسب سعة المخزن وقربه من مركز المدينة لكن دون أي مراعاة لشروط التخزين السليم ولا لمتطلبات المنتج المخزن سواء أكانت الاستهلاك الحيواني أم الآدمي .
وتكون نهاية المطاف هي المستهلك سواء أكان في نواكشوط أم الداخل وأحيانا يشحن المنتج إلى دول مجاورة كمالي أو السنغال.
وعن فترة التخزين يقول ولد سيديا "إنها حسب رواج السلعة والطلب عليها"، وأحيانا تكون المخازن هي الوسيلة المثلى لرفع سعر السلعة في السوق وخلق أزمات طلب فيها فلا تنزل للبيع إلا بعد ارتفاع الطلب وغلاء الثمن وهو ما يصدق عليه تعريف الاحتكار المحظور شرعا.
فالمخازن ليست فقط مكانا لإيداع السلع والبضائع بل وسيلة لرفع سعرها والمضاربة فيها ومن هنا كانت أسعار تأجيرها في تصاعد مستمر عاما بعد آخر بفعل غياب الرقابة وتنامي اللجوء إلى الاحتكار والمضاربة في ظل تراجع القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الضرائب والرسوم الجمركية عاما بعد آخر.
لذا يقترح فرض ضرائب تصاعدية على المخازن حتى لا تمكث السلع والبضائع فيها وقتا طويلا مما يرفع الأسعار ويخلق أزمات تموين.
وعن مخزن السكر يقول ولد سيديا "إنه يستقبل حوالي 20 طنا من هذه المادة كل شهر".
في مكان آخر من نواكشوط كانت الشكوى من محتويات مخزن الأعلاف حيث جرى نقل شحنات منها إلى دار النعيم رغم روائحها الكريهة وحالة التلف لكنه طوق النجاة الأخير لرجل الأعمال صاحب الشحنة والذي لا يريد أن يضع كل البيض في سلة واحدة ولا أن يخسر كل مخزونه من الأعلاف حتى ولو كان ذلك على حساب صحة الإنسان بل والحيوان والبيئة يعلق أحد سكان الحي المنكوب.


