
يعكف با صمبا على تطريز قطعة قماش فاخر فيبدع بالإبرة والخيط تشكيلات جميلة تستخدم كصدريات للملابس التقليدية ..حرفة تمرن عليها منذ طفولته لكنه اليوم ومع التقدم في العمر وظروف الإعاقة الحركية التي يعاني منها أصبحت تأخذ منه أكثر مما تعطي، وغدت شاقة مجهدة لا يرى فيها أي إبداع أو تميز ولولا ما تدرعليه من دخل زهيد لكان أزهد الناس فيها بعدما هده الفقر وأقعدته الإعاقة في أحد أحياء الترحيل بالرياض.
على مدخل مسكنه والذي هو مجموعة من أكواخ الخشب والصفيح تتراص عشرات البراميل الصفراء شاهدة على معاناة مزمنة مع العطش وغياب أي مقوم الحياة في هذا الجزء القصي من أحياء نواكشوط ..
في الجانب المقابل من الشارع والمخصص لمرحلي "كبة الوراف " كان أحد الأطفال يعمل سائسا لعربة حمار يعمل جاهدا ليتخذ له موقفا أمام أحد البيوت المجاورة ، فالأطفال هم أكثر العاملين على عربات الحمير هنا سواء تلك التي المحملة ببراميل المياه أو تلك المستخدمة لنقل الأمتعة والأغراض ..
يتحدث سكان الحي عن غلاء أسعار المياه لوعورة الأرض وقلة عدد الحنفيات العمومية التي توزع المياه على باعة البراميل ورغم أجواء الشتاء فإن سعر البراميل لا يقل عن 300أوقية.
واقع صعب استدعى تدخل بعض الهيئات الخيرية لتنظيم حملات سقاية موسمية في هذه الأحياء النائية.
يقول با دمبا إنه كان من أوائل النازحين إلى الترحيل 16 بالرياض هربا من برك المياه الآسنة في السبخة لكنه وبعد أكثر من عقد من الزمن لا زال دون مأوى ولا يجد أي مورد للرز ق غير ما يجني من التطريز والحياكة وهو مبلغ بسيط لا يسد سوى أقل من ربع احتياجات عائلته وكان الأولى أن تهتم الدولة والهيئات غير الحكومية المعنية بأمثاله من المعوقين والذين لا يريدون سوى منحهم قروضا ميسرة ليطوروا حرفهم ويزيدوا من إنتاجهم وبالتالي فهو لا يفهم تنكر هذه الهيئات له ولأمثاله ولا يفسر التخلي عنهم إلا نوعا من القتل البطيء لهم والتهميش والاقصاء خاصة في ظل ما يطبع توزيع المساعدات الشحيحة التي تصل الحي من زبونية ومحاباة وغياب للعدالة على حد تعبيره.
قطع دمبا –كما يقول –كل علاقة له بالجمعيات العاملة في مجال الإعاقة والتي لا يراها سوى مشاريع مفتوحة لإثراء أصحابها على حساب من أنشئت لخدمتهم ،ومع ذلك لا زالت في جيبه آخر بطاقة انتساب تذكره بانتسابه يوما ما إلى إحدى هذه الهيئات التي يكيل لها الاتهامات والشتائم..
في أحياء الترحيل ينظر للتعاونيات كطوق نجاة وملاذ لا مفر منه لرفد ميزانيات الأسر المعدمة بدخل زهيد رغم قلته إلا أنه أفضل من الاستسلام لظروف الفقر والتردي المعيشي، وتظل دكاكين بيع المواد الغذائية الأكثر حضورا فعلى كل واجهة دكان أو منزل عنوان تعاونية أو رابطة تقول الناجية بنت إبراهيم إن التعاونيات هي أقصر طريق للحصول على الدعم وتقديم مساهمة النساء في إعالة أسرهن في الأحياء الفقيرة حيث تجمع المرأة بين مسؤولياتها في الرعاية والتربية والإعاشة وتوزع وقتها بين هذه المهام الجسيمة.
وكما يشكو المعوقون من محسوبية وزبونية الهيئات الداعمة تطرح بنت إبراهيم مشكل غياب أي معايير واضحة لاستفادة التعاونيات النسوية من مخصصات الدعم الحكومي خاصة في ذكرى عيد المرأة الثامن من مارس.
أما الجمعيات غير الحكومية فلا أثر لها في هذه الأحياء.
مرحلو كبة الوارف –وحسب سكان الحي –كانوا أوفر حظا من غيرهم عندما حصلوا على مساكن للإيواء ولا زالوا يحظون باهتمام خاص من هيئات الإغاثة مما ساهم في تطوير تعاونيات المرحلات بالمقارنة مع غيرهن حيث تفتقر إلى أبسط الضرورات كمكان للعرض فلا يجد بعضهن غير خزانة متهالكة أو طاولات مهترئة.
على الشوارع المتعرجة والمتربة في الترحيل ليس من النادر منظر نسوة ينتظرن لساعات أي وسيلة للنقل فيلجأن للجلوس أحيانا أو يواصلن السير للوصول إلى أقرب شارع عمومي غير مهجور.
في المقابل يقطع أطفال بعض الأحياء مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم التي تشكو الاكتظاظ وضعف الرقابة في الوقت الذي يأخذ فيه المتسربون من التعليم طريقهم إلى أعمال شاقة كبيع براميل المياه أو توزيع خبز الحطب أوكعتالين على عربة حمار.
مما يعرض الكثيرين منهم لمخاطر اجتماعية وصحية كالانحراف وسوء التغذية والتردي المعيشي.
وفي مسح لوزارة الصحة ممول من طرف اليونسيف للعام 2015 فإن معدل سوء التغذية المزمن وصل في موريتانيا إلى عتبة 21% وهي وضعية خطيرة وفق معايير منظمة الصحة العالمية.
وبلغ مؤشر سوء التغذية المزمن 4.8% بينما كان حوالي 3.4% في نفس الفترة من العام الماضي.