الاستئذان: مناقشة في أحكامه

اثنين, 2017/02/20 - 17:32
بقلم الإمام سعدن ولد جدو

الاستئذان لغة : الاستعلام بلا خلاف من ذلك قوله تعالى : {وأذن في الناس بالحج} وقوله وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر.  وكذا  الآذان  للصلاة وغير ذلك كثير في الكتاب , وما يدور على ألسن الشعراء  والأحاديث العابرة كله يدور في اتجاه واحد.

أما سبب وجوبه : ففيه أن امرأة من الأنصار قالت يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليه لا والد ولا ولد  فيأتي الرجل من أهلي فيدخل ولا يزال الرجل يدخل وأنا على تلك الحالة فكيف أصنع يا رسول الله  , فنزل قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } وسواء كان هذا هو سبب نزول آيات الاستئذان أو غيرها كما ذكر بعض المفسرين فإن الاستئذان واجب بالكتاب قال تعالى : {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا}  والإجماع على وجوبه.

   أ ماهية الاستئذان  فعندما نرجع إلى النصوص الواردة في شأنه نجد أنه يتكون من شطرين :

 شطر جاء في القرآن وهو قوله تعالى " {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها}

وشطر جاء في السنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم (أأدخل)

 وهذه التركيبة هي ما أمر صلى الله عليه وسلم أن تعلم للناس فأمر الجارية أن تعلم المستأذن  فيقول " السلام عليكم أأدخل " فهاتان العبارتان هما ما يطلق عليه اسم الاستئذان في مصطلح الشرعي .

 ونلاحظ خلو مكان الآية حتى تستأنسوا الواردة في الشطر القرآني وذلك لكونها جاءت بمعنى الشرط وماهية الاستئذان هي تلك العبارات الواردة فقط .

 فهما هماتان المطلوبتان من المستأذن قولهما قال تعالى | {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) أي يقولوا هاتين الكلمتين المركبتين من الكتاب والسنة (السلام عليكم  أأدخل)    

وإذا ما تدبرنا الأدلة الواردة في شأن الاستئذان ندرك بكل وضوح أن له شروط وجوب وشروط صحة و شروط إجزاء وهذه الشروط هي التي سيتمحور حولها الحديث .

 

شرط الوجوب

قال تعالى : {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فاليستأذنوا} إذا فالبلوغ هو شرط في وجوب الاستئذان وعليه فلا يجب على غير المكلف إلا في مسائل تدخل في تكوين الناشئة لتربيتهم على حسن السلوك والأخلاق واحترام الخصوصيات الدقيقة ومراعاة مشاعر الغير فألزم الذين لم يبلغوا الحلم بالاستئذان في الأوقات الثلاثة قال تعالى : { من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء } فبين سبحانه وتعالى العلة من ذلك قال {ثلاث عورات}أي خلوات كما قال بعض المفسرين فهي بذلك أوقات مخصصة لسبر أغوار الثنائيات الخاصة ونشر الحصاد اليومي ومراجعات الحسابات وتصويب ما هو منها صواب وما هو خطأ.

 وإلزام الصبيان في هذه السن بالاستئذان شبيه بأمرهم بالصلاة في تلك السن والعامل الموحد هو تهيئتهم لإتقان واجب ينتظرهم والتقيد بأحكامه وسلوكه وأخلاقه .

شرط الصحة

( قال تعالى يأيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا )

فكلمة : تستأنسوا ) يمكن تفسير ها على وجهين   كل وجه منهما يعالج مسألة مطروحة في وقتها قبل أن تتحدد ملامحها كشرط يبحث عن رؤية ذاته مستقلة كمادة تتكون من سلوك وأخلاق خارجا عن ماهية الاستئذان الذي هو كلمات منطوقة محددة الكم مضبوطة العبارات وهذه الأوجه هي كالتالي

الوجه الأول من تفسير كلمة (تستأنسوا)

من هذا الوجه تعني تشخيص الوضعية السائدة في المجتمع الجاهلي والتي مازلت تمد جذورها داخل الوسط الإسلامي قبل نزول آيات الاستئذان وقد استعمل القرآن  عبارة  : تستأنسوا) ككلمة علمية ينطبق مدلولها على واقع معين معاش. ففي ذلك الوقت كان الزائر مسلما أو غير مسلم يدخل بصفة مباغتة  على أهل البيت  فلا يشعرون إلا وهو بين أيديهم وربما وجدهم في حالة تخص السيادة على الذات التي تحتاج لإقامة معنها الصحيح  بسط النفوذ على المنزل وتحصينه من كلما من شأنه تعكير صفو جو الخلوات المأذونة أو التشويش على البرامج المعدة  اجتماعية أو اقتصاديا أ وفعاليات النشاطات  المقامة فجاءت كلمة: تستأنسوا) تهويلا لما عليه الحالة الإنسانية في هذا المجال وتنبيها للإنسان من أجل أن يلقى نظرة بعين العقل خارجا عن فضائه ليدرك  وجه التطابق والتشابه بين ما ينتهجه الإنسان في هذا الصدد وما عليه الوحوش في مغاراتها وكفوفها وكيف يقتحم بعضهم على بعض دون سابق انذار أو نظام يتقيد به وهكذا شخص القرآن هذه الوضعية السائدة بأنها عمل غير إنساني وأطلق عليه علميا كلمة (تستأنسوا).

الوجه الثاني:من تفسير   أوجه كلمة   (تستأنسوا)

وهي هنا تهدف إلى تحديد مفهوم الإنسانية في الشرع فعندما شخص القرآن الوضعية السائدة في ذلك الوقت انتقلت العبارة  بعد أن أدت الغرض منها لتلعب دورا آخر وهو  تحديد مفهوم معنى الإنسانية.

 فقد منح الله الإنسان عقلا راجحا يستطيع بواسطته فهم معنى العبارة الموجهة إليه في قوله تعالى: حتى تستأنسوا. والتجاوب معها بالشكل المطلوب ويتخذ القرار المناسب من أجل الارتقاء بنفسه عن مستوى الوحشية فجاءت الكلمة   كأمر مخاطب به الإنسان وتوجيها له ليتعلم ما يلي:

1 ـ الأحكام الواردة في شأن حق الغير وحرياته العامة  وأملاكه  الخاصة فقد أعطى    الإسلام الإنسان الحق في

أ ـ حق التملك

ب ـ إلزام الغير بالاعتراف لكل فرد بممتلكاته الخاصة

ج ـ احترام هذه الممتلكات

هـ ـ قصر حق التصرف على المالك

2 ـ تعلم القيم الإنسانية

 أ ـ تعلم الأخلاق الفاضلة

ب ـ  التحلي بالسلوك القويم والقيم الرفيعة  

وباكتمال هذه الرزمة من الأحكام والأخلاق المميزة يتحدد معنى ما هي الإنسانية المطلوبو في هذا الصدد بشقيها العلمي والأخلاقي القادر على رسم الحدود الفاصلة المحددة للملكية الخاصة وإنتاج الفرد المكون سلوكا وأخلاقا. الذي حدته الكلمة :  تستأنسوا . كشرط في صحة التقدم إلى الاستئذان على الغير.

لأن البيوت هي مستودع  كرامة الأنسان والحصن الذي يحتمي داخله والحاضنة الفعلية لممتلكاته الشخصية  وفيه يدير شؤون حياته العامة.  فأراد الشرع أخذ ضمانات تكفل للشخص بسط نفوذه على حيزه الملكي بطلب الإذن منه  وإلزام المستأذن بتقبل النتيجة بما فيها احتمال الرفض الذي خص بآية تحسم الأمر قال تعالى وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا.

3 شرط الإجزاء

استأذن أحدهم على النبي صلى الله عليه وسلم وقال في استئذانه: السلام عليكم أألج؟، وقال صلى الله عليه، وسلم لجارية أخرجي إليه فعلميه كيف يستأذن  فقالت له قل: السلام عليكم أأدخل، وعلى  هذا فلا يجزئ في الأستاذان إلا كلمة: أأدخل،  ولو كان يجزئ غيرها لأجزئ ذلك المستأذن قوله : أألج ، فكما لا يجزئ في تكبيرة الإحرام إلا  لفظ الله أكبر كذلك لا يجزئ في الاستاذان إلا لفظ أأدخل ولو أجزء غيره من المرادفات أو الألفاظ الدالة عليها لأجز ذلك المستأذن قوله أألج لأنها تؤدي نفس المعنى وتحقق نفس الغرض.

وهكذا أودع القرآن في الأستاذان هذه المنظومة التشريعية الهائلة في شأن  تعريف مفهوم ما هو معني الإنسانية في الإسلام وكيف هي  الملكية الخاصة فيه   والآليات العملية التي تمكن المالك من بسط نفوذه وسيادته على كافة ممتلكاته الخاصة وما أضاف إلى ذلك من تعاليم تهدف إلى تأهيل الفرد  وتكوينه على السلوك المتحضر والعمل على ترسيخ روح المسؤولية واحترام الغير وما يختص به من شؤونه الذاتية.