فُتوحُ الإسلامِ : اسطمبولُ الخلافةِ/ الشيخ محمدن يحظيه

أربعاء, 2024/05/22 - 00:10
الشيخ محمدن يحظيه من داخل أحد المساجد التاريخية في مدينة اسطنبول التركية

راودني هاجس سلبيٌّ ان لا أدون عن ذاكرة الحضارة الإسلامية وعاصمة الخلافةِ (اسطمبول) التي زرتُها لمدةٍ وجيزة حضرتُ فيها (مؤتمر النصرة) الذي انعقد توسيعا لجهود الإغاثة وتنويعا لمجالات الإسناد ولم يَخلُ من لحظات مكاشفة بهول التنكيل وعموم التتبير الذي ينتهجه الغزاةُ وأعوانُهم خيّب الله سعيهم وأبطل كيدهم إنه قوي شديد العقاب 
...
للسلبية ألفُ مبررٍ ومن ذلك أن التدوين عن تاريخِ وحكايةِ اسطمبول وخلافةِ العثمانيين ، فيه نوْعُ انبهارٍ واعتدادٍ بسفر جرى في ظرف مُحدد لمهمة تمثيل محددة ، والناسُ كلَّ يوم يسافرون وقلّما يتحدثون أو يكتبون عما روأه من فنون الحضارات وعجائب المعالم .
بيْدَ أن لبعض المدن خصوصيةً تجعل تجاهل تاريخها والتصامُم عن حديثها للزوار  ومناجاتها للأجيال مُفصحة عن عهد وضّاء ومجد سامق وذكْرٍ جميل ، ضَربا من سوء الأدب ونمَطا من الجلافة لا يرضاه ذو وجدان حَيٍّ وضميرٍ ينبض بملاحم الفتوح ومآثر الإسلام وأهله .

وفي خصوص فتح اسطمبول وهي القسطنطينية ورد عند أكثرِ المحدثين والمؤرخين الحديثُ المشهورُ الذي 
رواه الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتُفتَحنّ القسطنطينيةُ ولنعم الأميرُ أميرها ولنعم الجيشُ ذلك الجيش". قال عنه الذهبي في التلخيص: صحيح.
▪︎ وقد فتحت القسطنطينية سنة [سبع وخمسين وثمانمائة] ، على يد السلطان العثماني التركماني محمد الفاتح (وسُمي الفاتحَ لفتحه القسطنطينية) ولم تزل القسطنطينية في أيدي العثمانيين ، حتى انفرط عقد الخلافة الإسلامية بالكيد والمكر ومخططات الاستعمار التي انتهت بإلغاء الخلافة الإسلامية عام (  1924 ) 

▪︎ كانت يوميات المؤتمر مشحونة ولم أتخلف بحمد الله عن أي جلسة من جلساته ولكن كان الأحبةُ الكرام الذين تضافر لاهتمامهم بالوفد عدةُ مقتضيات ؛ أهمها أن الوفد جاء لتلبية طلبٍ وجّهته الجهاتُ المؤتمنة على نصرة المرابطين الممتحين بهذه الحرب الضروس
ومعلوم ما لهذه القضية من احترام واعتبار وقدسية لدى الموريتانيين جميعا ، قمة وقاعدة : شعبا وحكومة ..
ومن مقتضيات هذا الاهتمام ما توارثته الجالية الموريتانية في كل البلدان من الكرم والمروءة وهو ما حاز فيه المقيمون في تركيا طلبة وتجارا قصب السبق ؛ فقد غمرونا بجميل الرعاية وكريم الإقامة وضمن ما أضافوا من عِبءٍ على الذهاب والإياب في جلسات المؤتمر ، حسنُ استغلال الوقت ما بين واجبات المؤتمر وترتيبات السفر بما أمكن من الوقوف على معالم المدينة وتطورها العمراني ومساجدها الشامخة ذات المآذن الفارعة التي تترآى على  جنَبتَي الطرُق والجسور مؤذنة بأن لهذا العمران رسالةً ولهذه الحضارة روحا  يسري في النفوس ويمتد بامتداد الزمان والمكان 
• تذكرت يوم أمس وأنا أنظر إلى نموذج من تلك المآذن الصاعدة في جوِّ السماء خُطبة الطيب أردغان قبل أشهر من فوز حزب العدالة والتنمية سنة 2002
والتي حوكم بسببها وهي بالترجمة لمضمونها الأدبي : ( منائرُنا حِرابُنا ) وهو إيحاء بالغ الدلالة في أن الدين عامل قوة وليس مِشجبا للخمول والذلة .
تماما كما حضرني وأنا أقدم جوازي عند قمرة الشرطة في مطار اسطنبول يوم قدومنا - لسيدة محجبة هادئة تسترق النظر إلى ملامح وجهي وأنا استرق النظر إلى ملامح قصة (مروة قوقجي) قبل عقدين من الزمن.
•البارحةَ اضطجعتُ على نحو ظاهره البداوةُ وباطنه التأمل في النمط المعماري لمسجد محمد الفاتح رحمه الله ، إذ طلعتْ أسماء الخلفاء الرشدين مُشرقة في تربيع قبة المسجد وجنباتها فانطلقت أقرأ الأسماء مقرونة بالترضي : أبو بكر رضي الله عنه ، عمر رضي الله عنه ، عثمان رضي الله عنه ، علي رضي الله عنه ،
وجرى حوار بيني وبين نفسي : هل حقا نحن أهلَ السنة مهددون ؟وهل حقا المَدُّ الشيعي قد اتى على كل شيء وحرّف كل شيء؟
أليست هذه المعالمُ والمساجد شاهدة على أن للصحابة في نفوس الأمة تقديرا بالغا وتزكيةً مستحقة بثناء الله وثناء رسوله عليهم وأنهم كلهم عدول خِيَرةٌ .
ألا يبدو الانهزام النفسي لدينا مُخيفا ومُستمرِئا على الدوام لجَلد الذات

• وعلى أسوار القسطنطينية عند محراب مسجد أيا صوفيا قلت لإخوتي هل يمكن لمن أنحله بكاء الأندلس أن يتسلى قليلا بفتح القسطنطينية على اعتبار أن الجسد الواحد في مُدافعته للغزاة خسر معركة الأندلس وربح معركة القسطنطينية ؛ استراحةَ مُحارب لا استكانة متمالئ او مُفرط 
▪︎ يوم أمس احتجت لخدمة فخاطبتُ أحد المارة ؛ قال لي من أي دولة أنت ؟ قلت من موريتانيا ، قال : وما موريتانيا ؟. ثم أردف كالمُضرِب عن ذلك وقال : مسلم ؟ فهمتُ مقصوده وأجبته على الفور: نعم مسلمٌ ؛
فتمعر وجهه وأشار بيده أن ليس هكذا يكون الجواب. ذُهلت! ما الذي يريدني أن اقول ؟
اعطاني الفرصة مجددا فأعدت نفس الصيغة ربما بتعبيرٍ وملامحِ وجهٍ اعتياديةٍ .
رفعَ هو صوته كالمستعين به على الإفهام وإرسال رسالته الحانية الشامخة : انطقها هكذا : " الحمد لله مسلمٌ "
واتخذ سبيله في أمواج الناس سَربًا وتركني وأنا اكرر "كِتبتي" التي تعلّمتُها من حفيد الفاتحين : 
" الحمد لله مُسلمٌ"
"الحمد لله مُسلم"
" الحمد لله مُسلم "  .