من "تعهداتي" إلى "طموحي":التراجع الهادئ

ثلاثاء, 2024/06/04 - 22:18
بقلم د. الشيخ أحمد البان

اللغة ماكرة وكاشفة، تقول ما نعتقد أننا خبأناه خلف اللسان، الانتقال من "التعهد" إلى "الطموح" هبوط في الالتزام، بل إلغاء له، وإن بدا لفظ الطموح محلقا، وذلك أول مكر اللغة.

"تعهداتي" تحمل قوة العزم من المتعهِّد (الرئيس)، وحيوية الانتظار من المتعهَّد له (الشعب)، تحقق تفاعلا يفرض على المتعهِّد أن يبقى "يقظا"، لأن هناك من ينتظر الوفاء، أما "طموحي" فهو لفظ يحيل إلى تهويمات ذاتية فقط، إنه يلغي ذلك التفاعل، يلغي الطرف الآخر ويترك الرهان شخصيا، بين الإنسان وذاته، ليس هناك من ينتظر شيئا ليتحقق سوى صاحب الطموح.

الطموح مجرد همة ذاتية، تحتاج عوامل أخرى كي تصبح شيئا مذكورا، تقطع علينا الانتظار، والأخطر أنها تميت فينا حس المحاسبة، هل يمكن أن أحاسب شخصا على عدم تحقيق طموحاته، إنها قضية شخصية، نجاحاتها وخيباتها تجربة ذاتية.

لا يمكن أن أبرئ كتاب برنامج الرئيس من عمدية التعبير، فضعف دلالة "طموحي" لغويا وقانونيا أوضح من الشمس، ومن بينهم لغويون وقانونيون، لا يمكن أن أبرئهم من العمدية، وكأني بأحدهم يقول لخلف الرئيس الحالي متحاذقا: "أنا من اقترح الشعار للهزء".

"طموحي" شعار يتضمن اعترافا بفشل "تعهداتي"، هذا المضمر الذي أظهرته اللغة، كشف لغوي عن قناعة أرادت الدعاية السياسية إخفاءها، لكن اللغة لا تعرف الزيف، لقد قالت كل شيء.

"طموحي"! يقول لنا إن الرئيس لا يعدنا بشيء، وأن علينا أن لا نحاسبه في مأموريته الثانية، لأنه لم يتعهد بشيء، هذا جيد من ناحية الصدق مع النفس، لكنه سيء انتخابيا، هو إذن اعتراف ضمني آخر بأن العملية كلها عبثية، ولذلك لا تستحق عصر الذهن لاستخراج شعار معقول.

الطموح والأحلام ينتميان لحقل واحد، يثير جملة مفردات سياقية بتعبير اللسانيين: النوم-النعاس-الكسل-التسويف إلخ، ولا ينتميان لواقع فيه الجوع والمرض والفقر والبطالة والجريمة والفساد المالي والسياسي، إنه شعار غير جاد.

هذا طموحه، فما طموحاتكم!