في أبجديّات التقديم الإعلامي (المرئي)، تعدّ إيماءة الرأس بالموافقة سلوكا سمِجا وتصرّفا خاطئا؛ لأنّها تعطي المتلقّيّ انطباعا سلبيا عن المحاوِر، وتُظهِر الأخير مجرّدَ "تابع" للضّيف/ المحاوَر، كلُّ دوره إخلاء متّسعَ الوقت ونشرُ البساط النفسيّ له، ليمرِّر أفكارَه ويَعرِض مواقفه دون تدخّل منهجيّ ولا مساءلة موضوعيّة.. وتتّسع دائرة السماجة -والسّذاجة- حين يتعلّق الأمر بموضوع سياسيّ -أو جديد خبَريّ- يتردّد صداه ملء الساحة ويبلُغ تفاعلُه الآفاق..!
.. وإذا كان الإعلام الرسميّ قد استمرأ هذا السلوك واعتاد تلك الشّائنة، فإن صدورَها من مقدّم -أو مذيع- على شاشة قناة مستقلّة مَثلَبَة مِن خوارم المِهْنيّة التي لا يُستساغ التلبُّس بها..
وقد حضرَت هذه الخاطرةُ في ذهني -عَرَضا- وأنا أسترجِع موقف الصّحابة -رضي الله عنهم- حين عجِبوا للرجل الذي أقبل على النّبيّ -ﷺ- فأخذ يسأله ويصدِّقه!.. ولا جرم أنّ وجه التعجّب ليس تصديق الصادق المصدوق فيما يُخبر به؛ بل مَصدر ذلك العَجَب أن يُبديّ السائل -مِن حيث المبدأ- إجازة الإجابة على استفهامٍ هو مَن طَرحَه؛ لأنّ ذلك غير متوقَّع منه، وليس مناسبا لسياق التلقّي!..
وقد زال العجَب بمعرفة السّبَب، لمّا علِم الصّحابة -رضي الله عنهم- أنّ الذي طلع عليهِم ليس رجلا مِن النّاس؛ بل مَلَك كريم جاء يعلّمهم دينَهم، بعدما تمثّل لهم بشرًا سويّا..!
وبالعودة إلى إيماءة الرأس وهزِّه بالموافقة (ولا سيما في إعلامنا الوطني الرّسميّ والحُرّ).. قد يبدر ذلك التصرّف السّطحي في غير "موضع نَهي"؛ فيخفّ مستوى فداحتِه، وذلك في مواطن التأثّر العاطفيّ الصّرف، والموقف الوطنيّّ الخالص، في السّرد الاسترسالي -بعيدا عن ثنائية "سين/جيم".. فأمّا أن يهزّ مدير الحوار الإعلاميّ -أو مُجري المقابلة الصِّحافية- رأسَه بالإيجاب عند تمرير ذي الموقع المرموق -أو صاحبِ المنصب الحسّاس- رأيَه الأوحد، ويفرض وجهة نظره، فتلك آبِدة إعلامية وجريرة صِحافية، ليس أعظم منها إلّا تسليم المقدِّم بصحّة قول "الضّيف" عندما يُمرّر الأخير إجابة ملأى بالمغالَطة الصّارخة والتناقض الصُّراح!