عندما يكون الزبون ضحية! / اشريف محمد يحيى

اثنين, 2024/07/15 - 15:32

.. زعموا أنّ صيدلانيا فتح متجر بيع أدوية، وجعله مقابلا لمحلّ حلّاق مبتدئ؛ جديدٍ على المهنة.. وكان الصّيدلانيّ يستفيد من وجود "زبناء مشترَكين" لم يكونوا من زوار "محلّه التجاري"، وفي أوّل أيام عطلته الأسبوعية "الويكيند"، بعث ابنَه إلى الحلاق بالرسالة الشفهية التالية:

 

  أبي يقرئك السّلام، ويقول لك: لا تجرح زبونا اليوم، فالصّيدلية مغلقة! 

 

   جوار الصيدلية والمَحلقة -في الطّرفة- يذكّرني جوارا -في الواقع- بين العيادات الطّبّية ومطاعم الوجبات السريعة في الحيّ السكنيّ الذي أقطنه.. وبين هذا الجوار الواقعيّ والجوار الذي في الطّرفة علاقة موضوعيّة؛ حيث يربط خبراء الغذاء الصّحّيّ بين مُخرَج مطاعم الوجبات السريعة وبين قوائم المتابَعة الطّبّيّة في المستشفيات المتخصّصة، ليس على مستوى "مشاكل المعدة" فقطّ؛ بل فيما يتعلّق بأمراض القلب والأوعية الدّموية.. إذ لا تصنّف الأكلات السريعة "طعاما صِحيّا"، وعنوان المجازفة في هذا المجال: إدمان تلك الوجبات الجاهزة، واعتمادها فقرة ثابتة على مسطرة الغذاء اليوميّ!.

 

      وعلى مِنوال حكمة "لو أنصف الناس لاستراح القاضي"، يمكن أن نقول:

 

 لو طبخ الناس في بيوتهم طعاما صحّيا لقلّت نسبة مراجعة أطباء المعدة، والقلب، والأسنان، والجهاز الهضمي، والتنفّسي، والعصبيّ المركزي..

 

     وقد استوقفني -مرّة- تجاوُر العيادات والمطاعم، فدخلت في حوار -مع نفسي- في الموضوع، وما أخرجني من غرفة النقاش الذاتي المغلَق إلّا استحضار نظريّة جشِعة تعدّ الأشخاص الأصحّاء عِبئا على الاقتصاد، و"زائدة بشرية"؛ لكونهم لا يشترون الأدوية، ولا يذهبون إلى المستشفيات، ولا يضيفون شيئا إلى الناتج المحليّ للبلاد!.

 

   وبمقتضى تلك "القراءة الاقتصادية"، فإنّ فتح مطعم وجبات سريعة في حيّ سكنيّ يعني -بالحساب المادّي: توفير فُرص عمل لبعض العاطلين، وزيادةَ إقبال على أطباء القلب، والأسنان، وخبراء نقص الوزن!.

 

    ولا يَخدم أصحابَ هذا المذهب الانتفاعيّ إلا انقراض الأصِحّاء، أو -على الأقلّ- الحدّ من نِسبتهم في المجتمع!

     وبنفس النّظرة الانتهازيّة تمثّل الدّراجات الهوائية تحدّيا يجب القضاء عليه؛ فأصحابها لا يقترضون مبلغا باهظا لاقتنائها، ولا يُدخلون مالا لصندوق التأمين، ولا يشترون وَقودا لتحريكها (خلافا لمستعملي الدّرّاجات النّارية)، ولا يُدخلونها مرآب الصيانة والتصليح، ولا يودعونها مواقف رعاية مدفوعة الأجر، ولا يتعرّضون للسّمنة وتراكم الدّهون جرّاء القيادة!.

 

 صحيح أنّ التدافُع، والتكامُلية، واتّخاذَ الناس بعضَهم بعضا سخريّا من سُنن الحياة وقانون الفطرة، ولكنّ دخول الانتهازية على الخطّ، وتهديدَ السلامة الصّحّية، وتعريض "المستفيد" للخطر، كلّ أولئك يحوّل السُّنّة الطبيعية من أمر عاديّ إلى "ميكافيليّة" مفرِطة!.