الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله...
كان اختلاف الفقهاء في حكم التداوي بالنسبة للمريض، بين قائل بوجوبه إن غلب على الظن نفعه وبين من يرى أن أقصى حالاته الجواز فحسب، وبين مفضل لتركه توكلا، مفهوما ومتفهما في ظل بدائية الطب يومها وربما لارتباط بعض ممارساته بخرافات وتصورات مصادمة للشرع.
أما اليوم فإن مقصد الشرع في حفظ النفس وإلهام الملكة الفقهية في مناسبات الشرع في المجال، تحتم علينا أن نفرق في الحكم بين التداوي بالطب البدائي الظني النفع الذي تحدث عنه الغقهاء قديما، وبين الطب الحديث المبني على الأمور اليقينية وشبه اليقينية.
فمن عانى آلاما حادة وأجريت له فحوص مخبرية وأشعة كاشفة أثبتت إصابته بالزائدة الدودية في مرحلة متقدمة وأخبره الجراح المختص أن عليه إجراء عملية جراحية مستعجلة، احتمال نجاحها يقارب 100 في المائة. واحتمال موته إن لم يجرها بنفس النسبة، فإنه ليس من احترام الفقه الشرعي ولا من النصيحة لشرع الفطرة السليمة والصلاح الديني والدنوي، أن نقول إن الشارع يخير مثل هذا بين التداوي و'التوكل' وكأننا نجعل التوكل عديلا للأخذ بالأسباب الظاهرة، علما بأن حقيقة التوكل هي أن نباشر الأسباب ونفر من قدر الله إلى قدر الله، مؤمنين بالقضاء والقدر، مطمئنين أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لن يكون.
فعلى فقهائنا الأجلة أن يتقوا الله تعالى في شرعه عند تنزيله على الواقع وأن يبتعدوا عن كل توجه يشوش النظرة إليه أو يشوه القائمين عليه!
والله تعالى أعلم
د. محمد ولد محمد غلام