دار السلام ( تنزانيا)/ د. محمد السالك ولد إبراهيم

خميس, 2025/01/30 - 00:12

إذَا حلّقَتْ بِك الطَّائِرَة فَوْق مِنْطَقَة الْبُحَيْرَاتِ الْعُظْمَى، وَبَدَتْ لَك قِمَّة جَبَل "كِليمنْجارو" الْعِمْلَاق مِنْ هَا هُنَا، وَرَأَيْتَ نَهْر "رُوفوما" الرَّحراح  وَهُوَ يَتَدَفَّقْ مِنْ هَا هُنَا، وَظَهَرَتْ لَك سُهُولُ "سَرَنْگتِي" الْمُتَرَامِيّة مِنْ هَا هُنَا، وَبُحَيْرَةُ "مَانْيَارا" وَفُوّْهَتُهَا الْبُرْكَانِيَّة الْكَبِيرَةُ مِنْ هَا هُنَا، فَاعْلَمْ أَنَّك قَرِيبٌ مِنْ "دَارِ السَّلَامِ".. 

 إنَّهَا الْحَاضِرَة التاريخية الْكُبْرَى لِلشَّرْق الْإِفْرِيقِيّ وَالْعَاصِمَة السَّابِقَةُ لِتَنْزَانِيا، الَّتِي يَزُورُهَا فَخَامَة رَئِيس الْجُمْهُورِيَّة، السَّيِّدُ مُحَمَّد وَلد الشَّيْخ الْغَزْوَانِي، الرَّئِيسُ الدورِي لِلِاتِّحَاد الْإِفْرِيقِيّ، لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْقِمَّةِ الْإفْرِيقِيَّة لِلطَّاقَة، الَّتِي انْطَلَقَتْ أَعْمَالُها الْيَوْم هُنَا بِالْمَرْكَز الدَّوْلِيّ لِلْمُؤْتَمرَات الْمُسَمَّى "جَلِيٌّوس نِييْرِري"، تَخْلِيدًا لِاسْم الْأَب المُؤَسس وَأَوَّل رَئِيس لِجُمْهُورِيَّة تَنْزَانْيَا الْمُتَّحِدَة، وَأحدُ الْأَصْدِقَاء الْخُلَّص لِلرَّئِيس الْمُخْتَار ولد دَادَّاه (رَحِمَهُ اللَّهُ)، وَرَفِيق درْبه فِي النِّضَالِ فِي سَبِيلِ الْوَحْدَةِ الإفْرِيقِيَّة.

وَتَكْشِف تَسْمِيّة تَنْزَانْيَا عَنْ تَرْكِيب لُغَوِيّ فَرِيد بَيْنَ كَلِمَتَيْ Tan وZan  وَهِي الْأَحْرُف الثَّلَاثة الْأٌولَى مِنْ اسْمِيْ إقْلِيمَيْن وَحَدّ بَيْنَهُمَا التَّارِيخِ وَالْجُغْرَافِيَا هُمَا "تانْگاِنيقا" و "زَنْجبار". وَهَكَذَا أَصْبَحْت تَنْزَانْيَا دَوْلَة مُوَحَّدةً مِنْ خِلَالِ الْجَمْع بَيْنَ الْإِقْلِيمَيْن الرَّئِيسِيِّين الْمُكَوِّنِيْن لَهَا، تَمَامًا كَمَا جمعَتْ تَسْمِيَة الْبِلَاد بَيْن اسْمَيْهِمَا.
لَقَدْ وَصَل الْإِسْلَامِ إلَى "زَنْجبار" فِي نِهَايَةِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ الْهَجَرِيُّ عَنْ طَرِيقِ الْهِجْرَاتُ الْعَرَبِيَّةُ مِنْ عُمَانَ. وَقَدْ هَاجَرَ إِلَيْهِ كَثِيرُون مُنْذ الْعَصْر الأُمَوِيّ، هَرَبًا مِنْ بَطْش الْحَجَّاجِ. وَمَنْ الْمَعْرُوفِ بِأَنْ هَذَا الأرخبيل  كَانَتْ لَهُ تَارِيخِيًّا، عَلَاقَات دِينِيَّة وَثَقَافِيَّة وَطِيدَة وَتَبَادُلِات تِجَارِيَّة نَشِطَة مَعَ شِبْهِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً مَعَ عُمَان وَالْيَمَن.

 وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْعَدِيدِ مِنَ التُّجَّارِ الْعَرَب وَالْمُسْلِمين فِي الْمَنَاطِقِ السَّاحِلِيه لِشَرْق أَفْرِيقْيَا عُمُومًا وَبِشَكْل خَاصٌّ فِي "زَنْجبار" الَّذِي لَا يَبْعُدُ عَنْ "دَارِ السَّلَامِ" أَكْثر مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا بَحْرِيًّا. وَقَدْ خَالَطَ الْوَافِدُون السُّكَّان المُحَلَّيَيْن مِنْ قَوْمِيَّة "الْبَانتو"، فَتَعَلَّمُوا لُغَتهمْ وَعَلّمُوهُمْ اللُّغَة الْعَرَبِيَّةِ. وَبِالْمُساكنة وَمُرُورُ الزَّمَنِ، اخْتَلَطَتْ لَهَجَات "الْبَانتو" الْمَحَلِّيَّةَ مَعَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، لِتَنَبثق عَنْ ذَلِكَ الْمَزيج اللُّغَةُ "السَّوَاحِلية" الَّتِي أَصْبَحَتْ هِيَ اللُّغَةُ الْمُتَدَاوَلَةُ حَالِيًّا فِي عُمُومِ شَرَّق أَفْرِيقْيَا، حَيْث يَتَحَدَّث بِهَا أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ مِلِيُوْن مِنْ الْأَفَارِقَة، خَاصَّةً فِي بُلْدَانٍ مِثْل تَنْزَانْيَا وَكِينيا وَيُوغندا وَرُوَانْدَا وَبَوَروندي وَالْمَوزنْبِيق وَجُمْهُورُيَّة الْكُونْغو الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ. وَقَدْ كَانَ لِلْهِجْرَات الْعَرَبِيَّةِ مِنْ عُمَانَ وَالسَّاحِل الْيمَني الْمُقَابِل وَالْخَلِيج الْعَرَبِيّ، أَكْبَرُ الْأَثَرِ فِي تَكْوِينِ هَذِهِ اللُّغَةِ الْهَجِينِة حَيْثُ إنَّ حَوَالَيْ 40% مِنْ مُفْرَدَاتِهَا عَرَبِيَّة.

تَقَعُ مَدِينَةُ دَارِ السَّلَامِ -الَّتِي كَانَتْ فِي الْأَصْلِ قَرْيَة لِصِيَادي  السَّمك، تُسَمَّى بِاللُّغَة السَّوَاحِلية  "أَمِزْيزيما"، عَلَى السَّاحِلِ الشَّرْقِيِّ لِتَنَزَانِيًا، مُطلةً عَلَى الْمُحِيطِ الْهِنْدِيِّ. وَهِي الْعَاصِمَة السَّابِقَة لِلْبِلَاد وَالْقَلْب النَّابض لَهَا، حَيْثُ تُعْتَبَرُ أَكْبَر مَدِينَةٍ فِيهَا مِنْ حَيْثُ السُّكَّانِ، الَّذِينَ يَتَجَاوَزُ عَدَدُهُمْ خَمْسَةٌ مَلَايِين نَسَمَةٍ. وَهِيَ كَذَلِكَ أَهَمّ مَرْكَز اقْتِصَادِيّ فِي تَنْزَانْيَا لِأَنَّ بها أَكْبَر مِينَاء  لِتَفْرِيغ الْبَضَائِع الْمُسْتَوْردة وَلِشَحن الصَّادِرَات الرَّئِيسِيَّة لِلْبِلَاد، وَاَلَّتِي تُضَمّ سِلَعًا زِرَاعِيَّة مِثْل التِّبْغ وَالْقَهْوَة وَالْقُطْن وَالَكاجو وَالشَّاي وَالْقُرُنْفُل، إضَافَة إلَى صَادِرَات أُخْرَى مِثْلَ الذَّهَبِ وَالنُّحَاس وَالْبَضَائِع الْمُصنّعة. وَتُعْتَبَرُ كُلُّ مَنْ الْهِنْد وَالْيَابِان وَالصِّينِ وَالْإمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ وَهُوَلندا وَألْمَانْيَا مِنْ أَهَمِّ وُجهَات الصَّادِرَات التنزانية.

لقَدْ تَأَسَّسَتِ مَدِينَة "دَارِ السَّلَامِ" عَلَى يَدِ السُّلْطَانِ عَبْدِ الْمَجِيدِ، وَهُوَ أَحَدُ إسْلَاف رِجَالَات الْبَلَاط الْعُمَانِيّ الَّذِينَ وَصَلُوا إلَى الْمِنْطَقَة مُبَكِّرًا. وَقَدْ تَحَوَّلَ الوُجُودِ الإِسْلَامِيِّ إِلَى حُكْمِ عَرَبِيٌّ عَلَى يَدِ أَهْلِ عُمَانَ، حَيْثُ امْتَدَّ نُفُوذ السَّلْطَنَةِ إلَى سَوَاحِل شَرَّق أَفْرِيقْيَا وَمِنْهَا "زَنْجبار" مَنْذ حَوَالَيْ أَلْفِ عَامٍ. وَلَمْ تَنْقَطِعْ سَيْطَرَة عُمَان عَنْ هَذِهِ المَنَاطِقِ إلَّا لِفَتْرات مَحْدُودَة بِسَبَب الِاسْتِعْمَار الْبُرْتَغَالِيّ الَّذِي بَدَأَ بِوُصُول سَفِينَة الْمُسْتَكْشِف "فَاسِكو دِي جَامًا"، إلَى الْمِنْطَقَة سَنَةً 1499. ثُمَّ قَامَ الْبُرْتُغَالِيَّون بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا سنَةٌ 1505م. وَبَقِيَتْ الْمِنْطَقَة فِي أَيْدِيهِمْ قُرَابَة 200 سَنَةٍ، إلَى أَنْ قَامَ السُّلْطَانُ الْعُمَانِيّ الْإِمَام سُلْطَانَ بْنِ سَيْفٍ، بِحَمْلة عَسْكَرِيَّة لِطَرْد الْبُرْتُغَالِيَّيْن مِنْ سَاحِلِ شَرق أَفْرِيقْيَا، وَقَدْ  تَابَعَهَا مِنْ بَعْدِهِ، ابْنِه سَيْف، فَاسْتَوْلَى عَلَى مُومِبَاسّا (ثَانِي أَكْبَر مُدُن كِينيَا) سَنَة 1698م، مُوَاصِلًا بذلك الْقَضَاءِ عَلَى الْوُجُودِ الْبُرْتَغَالِيّ فِي الْمِنْطَقَة.

وَهَكَذَا، بَقِي حُكَّام وَوُلَاة السَّاحِلِ الشَّرْقِيِّ الْإِفْرِيقِيّ خَاضِعِين لِلْحُكْم الْعُمَانِيّ اسْمًا أَوْ فِعْلًا. وَبَعْد انْتِقَالَ الحُكْمِ فِي سَلْطَنَةِ عُمَان مِنْ عَائِلَةِ "اليعَارِبَة" (1624-1748مِ) إلَى عَائِلَة "الْبَوسَعِيد"  (1749م حَتَّى الْانَ)، وَعِنْدَمَا تَوَلَّى الْحُكْمَ سُلْطَان بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، بَاشَرَ الْعَمَلَ عَلَى تَوْحِيدِ جَمِيع مَنَاطِق السَّاحِل الْإِفْرِيقِيّ الَّتِي تَدِينُ بِالْوَلَاء لِعُمُان. 

وَفِي سَنَةِ 1804م، خَلَفَهُ ابْنُهُ سَعِيدٌ، الَّذِي أَصْبَحْت عُمان فِي عَهْدِهِ أَقْوَى دَوْلَةٍ فِي الْمِنْطَقَةِ. وَصَار أَسْطُوَلَهَا مِنْ أَكْبَرِ الْأَسَاطِيل الْبَحْرِيَّة فِي الْعَالَمِ، حَيْثُ وَصَلَتْ سُفُنِهَا التِّجَارِيَّةِ إلَى أَمْرِيكَا، حِينَ أَرْسَلَ السَّفِينَة "سُلْطَانة" سَنَة 1840م إلَى نِيُويُورْك لِلتِّجَارَة وَشِرَاء الْأَسْلِحَةِ الَّتِي كَانَ يَحْتَاجُهَا فِي صِرَاعِه مَع الْبُرْتُغَالِيين فِي الْمُوزمبيق.
وَقَدْ زَار السُّلْطَان الْعُمَانِيّ سَعِيد نَفْسُه، أَرْخَبيل "زَنْجبار" سَنَة 1828م، وَقَرَّر بَعْدَهَا بِأَرْبَعِ سَنَوَاتٍ،  جَعَلَه عَاصِمَةً لِلْجنَاح الْإِفْرِيقِيّ لِدولته، إلَى جَانِبِ "مسْقط" عَاصِمَة الْجَنَاح الْوَاقِع عَلَى بَحْرِ عُمَان وَالْخَلِيج الْعَرَبِيِّ. وَقَدْ عَظُمَتْ مَكَانَة "زَنْجبار" فِي عَهْدِهِ وَأَصْبَحَتْ عَاصِمَة التِّجَارَةِ فِي شَرْقِ أَفْرِيقْيَا، تَنْطَلِق مِنْهَا وَإِلَيْهَا الْبَضَائِع الْقَادِمَةِ مِنَ مَنَاطِق عَدِيدَةٍ مِنْ الْعَالم.

 وَيُعْتَبَر السُّلْطَان سَعِيدٌ هُوَ أَوَّلُ مَنْ فَكَّرَ فِي زِرَاعَةِ الْقُرُنْفُل وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي شَرْقِ أَفْرِيقْيَا، فَأَتَى بِهِ مِنْ جُزر "مُورِّيشيوس"  الْمُجَاوَرَة، وَزَرَعَهُ فِي زَنْجبار، الَّتِي أَصْبَحَتْ  بِالْفِعْلِ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ، عَاصِمَة حَقِيقِيَّةً،  حَيْثُ أَقَامَتْ بِهَا كُلُّ مَنْ الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ وَبَرِيطَانْيَا وَفَرَنْسَا مُكَاتَب قُنصُليّة.

وَمَنْذ تِلْكَ الْحِقْبَة، احْتَلَّتْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ مَكَانَة إسْتِرَاتِيجِيَّة كُبْرَى بِاعْتِبَارِهَا بَوَّابَة التِّجَارَة الدَّوْلِيَّة بَيْنَ كُلِّ مَنْ شَرِقَ أَفْرِيقْيَا وَالْجَزِيرَة وَالْخَلِيج الْعَرَبِيَّيْن وَالْهِنْد. وَظَلَّتْ الْمَدِينَة مُحْتَفِظَة بِتِلْك الْمَكَانَة وَالأَهَمِّيَّة إلَى يَوْمِنَا الْحَالِيّ. وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا السُّلْطَانُ الْعُمَانِيّ سَعِيدِ بْنِ سُلْطَان، سَنَة 1866 تَسْمِيَة دَارِ السَّلَامِ. وَمَاتَزَال الْمَدِينَةَ تَحْمِلُ هَذَا الِاسْمِ إلَى الْيَوْمِ. وَهِيَ فِعْلًا اسْمٌ عَلَى مُسَمَّى مَا شَاءَ اللَّهُ؛ فَهِيَ عُنْوَانٌ بَارَز لِلسَّلَام وَالتَّأَخِّي وَالتَّعَايش السلْمِي بَيْنَ  جَمِيعِ سُكَّانِ البلاد.

 وَرَغْمَ أَنَّ تَنْزَانْيَا تُشَارِك مَعَ بَقِيَّةِ الْبُلْدَانِ الْأَفْرِيقِيَّة فِي مَنْطِقِهِ شَرَّق وَوَسَط أَفْرِيقْيَا، كُلّ الْعَوَامِل الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الصِّرَاع الْعِرْقِيّ وَالدِّينِيّ كَتَعَدُّد الْقَبَائِل (فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ قَبِيلَة) وَالْأَدْيَان (فِيهَا الْأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ وعدة َأَقَلِّيَّات وَثَنِيَّةٌ)؛  إلَّا أَنَّهَا شَكَّلَتْ نَمُوذَجًا لِلِاسْتِقْرَار السِّيَاسِيّ وَالتَّعَايش الدِّينيِّ فِي مَنْطِقة تُعْتَبَرُ مِنْ أَكْثَرَ الْمَنَاطِق صِرَاعًا فِي أَفْرِيقْيَا.
وَلِذَلِكَ، لَمْ تُشْكِل حِدّة تِلْك الصِّرَاعَات الْعِرْقِيَّة وَالسِّيَاسِيَّةِ فِي الْمُحِيطِ الْإِفْرِيقِيّ، وَاَلَّتِي تَرْتَبِط أَسَاسًا بِمطَالب الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ المَجْمُوعَاتِ الْعِرْقِيَّة الْمُخْتَلِفَةِ فِي عَمَلِيَّةِ تَوْزِيع الثَّرْوَة وَالسُّلْطَة، جُزْءًا مِنْ الْوَاقِعِ السِّيَاسِيّ الّتنزاني؛ كَمَا أَنَّ التَّحَوُّلَ الدِّيمُقْرَاطِيّ الَّذِي عَانَتْ مِنْه دُوَل الْمِنْطَقَة وَمَا يَزَالُ بَعْضِهَا يَتَخَبَّطُ فِي مُضَاعَفاته، لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. فَقَدْ حَافَظْتْ تَنْزَانْيَا عَلَى الطَّابَع الْمُتَمَيِّز وَالفَرِيد لِانْسِجَامها مُنْذُ عُصُورٍ قَدِيمَة حَتَّى أَيَّامِنَا هَذِهِ، وَقَامَتْ بِتَعْزِيزه بِديمُقْرَاطِيَّة تَوَافِقَيّة تُلَائِم خُصُوصِيَّاتهَا الْوَطَنِيَّة، مُحَافَظَة بِذَلِكَ عَلَى تَنَوُّع نَسِيَجها وَتَعَدَّدَ مُجْتَمَعِهَا الْمُسَالِم.
بَلْ إنْ تَنْزَانْيَا  الْحَرِيصَةِ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ وَالسَّلْم فِي الْمِنْطَقَةِ، قَدْ اسْتَطَاعَتْ أَنْ تَلْعَبَ دُورًا مُحَوريا فِي احْتِضَان الْمُفَاوَضَات الْمُتَعَلِّقَة بِفَضّ النِّزَاعَات فِي دُوَلِ الْجِوَارِ الْإِفْرِيقِيّ، وَخَاصَّة ملفّيْ رُوَانْدَا وَجُنُوب السُّودَان؛ حَيْثُ وَقَعَتْ فِيهَا اتِّفَاقِيَّات "أُرُوشا" لِلسَّلَام، الَّتِي جَرَى مِنْ خِلَالِهَا تَقَاسَم السُّلطَة بَيْن "الْهِوتو" وَ"التّوتَسِي" فِي رُوَانْدَا، كَمَا اُخْتِيرَتْ مقرًّا لِمَحَاكِم الْجِنَايَات الرَّوَأَنْدِيَة، الَّتِي بَتَّتْ فِي الجَرَائِمِ الْمُرْتَكبة أَثْنَاءِ الحَرْبِ الأَهْلِيَّةِ فِي رُوَانْدَا؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ انْفِتَاح تَنْزَانْيَا عُمُومًا عَلَى الْعَالِمِ الْخَارِجِيّ، جَعَلَ مِنْهَا الْمَكَان الْمُفَضَّل لِلْغَرْبِيِّين، لِعَقْد مُؤْتَمَرَاتهمْ الْخَاصَّةِ فِي أَفْرِيقْيَا.

وَالْيَوْم تَتَعَزَّز مَكَانَة  "دَارِ السَّلَامِ"  بِالطَّاقَة، حَيْث تَمَثَّل الْقِمَّة الْأَفْرِيقِيَّة لِلطَّاقَة الَّتِي تَسْتَضِيفَهَا تَنْزَانْيَا، بِالشِّرَاكة مَعَ الِاتِّحَادِ الْإِفْرِيقِيّ الَّذِي ترْأسه بِلَاَدُنَا، وَكَذَا مَجْمُوعة البَنْك الْإِفْرِيقِيّ للتنمية، وَمَجْمُوعِة البَنْكَ الدَّوْليَّ، لَحْظَةً فَارَقَةً وَفُرْصَة سَانِحَة لِلْحُكُومَات وَلقَادة الْقِطَاعِ الْخَاصِّ وَشُرَكَاء التَّنْمِيَة وَالْمُجْتَمَع الْمَدَنِيُّ فِي إِفْرِيقِيَا، مِنْ أَجْلِ حَثّ الْمَسِير لِلْوُصُولِ إلَى هَدَفٍ طمُوح، سَعَى صَاحِبُ الفَخَامَة الرَّئِيس مُحَمَّد ولد الشَّيْخِ الْغَزْوَانِي -بِكُلِّ هَمَّة خِلَال مَأْمُورِيَّتِه عَلَى رَأْسِ الِاتِّحَاد الْإِفْرِيقِيّ- لِتَحْقِيقِه لِصَالِح الشُّعُوب الْأَفْرِيقِيَّة، ألَا وَهُوَ تَسْرِيع تَوْفِير الكَهْرَبَاء النظيفة وبأسعار مقبولة، لحَوالي 300 مِلْيُونَ مواطن فِي أَنْحَاءِ أَفْرِيقْيَا جنوب الصحراء، بِحُلُول سنة 2030؛ وَهُوَ الْهَدَفُ الْمَعْرُوف اخْتِصَارًا بِاسْم الْمُهِمَّة Mission 300. 
وَيَا لَهَا حَقًّا.. مِنْ مُهِمَّة طمُوحَة وَنَبَيلة وَمُفِيدَة..