![](https://essirage.net/sites/files/IMG_0865.jpeg)
كلما طالعت فيديوها قصيرا من حفل زفاف موريتاني من أعراس اسناب شات؛ أشفقت على أبوي العريس وأبوي العروس. مؤشر بورصة مفتوح لتسعير وتبعيض الفتاة المتزوجة؛ وكرنفال تفاهة كرتوني ومثليّ مُلئ سفاهة وماديات وتقليدا أعمى لماتريده شركات الخدمات المهووسة بحب المال ومايريده الفضوليون من الأصدقاء والصديقات اللحظيين واللحظيات؛ ولتعويض شيء ما في نفوس الممثلين.
تفاصيل العرس الموريتاني في منتصف العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين؛ ازدادت تقعرا وتكلفا بعيدا عن الشرع و الفرح والحبور والجمال؛ صار لزاما على ذوي العروس أن يُبعثوا من جديد؛ وينهكوا ماديا ونفسيا ومعنويا؛ أما أهل العريس فتنتظرهم قائمة من المهمات والتسميات المنحوتة بفعل فاعل.
العريس والعروس لم يعودا متحليين بالحياء المطلوب ولا بالعفة المطلوبة؛ وجوههم وزينتهم وحميميتهم منذ اللحظات الأولى للزفاف مرصودة مكشوفة عبر الكاميرات.
الخطبه و بونتي والعگبية والعقد والمروح والسلام وديفيله والفسخه؛ مسلسل طويل عريض لعناوين شيطانية لاتمت للعرس ولا للفرح به بصلة.
أما المهر أو الصداق وقيمته المادية وإبداؤه للناس فتلك أم المعضلات؛ امتهان لكرامة المرأة وكرامة ذويها؛ لأن الغرض منه لدى التافهين إظهار غنى العريس وذويه أو إظهار "قيمة" العروس و"ثمنها" في نظره.
وفي كلتا الحالتين يفقدونه معناه الشرعي واللغوي. كما يستبطنون صناعة قيم جديدة مفادها أن من لم تستقبل مهرا مماثلا فهي أقل قيمة من سابقاتها ولاحقاتها؛ وأن من لم يمهر عروسه بشكل مماثل او أفضل فهو مقصّر عن سابقيه ولاحقيه من العرسان.
بذلك نلج دوامة مزاد علني هي عينها مهالك البدع التي حرم الله؛ ونزج بأنفسنا في مطبات تؤججها وتعظم أمرها الهواتف الذكية في أيدي الأغبياء وكاميراتها المتسللة الكاشفة؛ فنفقد العرس وتعظيمه أهم معانيه وهو إعلان ميلاد أسرة جديدة؛ وتشجيع مجتمعي لمعاني الكفاف والكفالة والعفة.
صناع التفاهة في أعراسنا ليسوا صناع فرح ولا شهود عرس؛ بل هم نساء ضعيفات ورجال ضعفاء يقلدون المجتمات الأخرى بغباء وينزلون صخب وهرج المجتمعات المكبوتة والمبتلاة بالترف المادي والاستبداد السياسي على مجتمعنا الذي يحب التقليد ويحب الجديد على وداعته وتسامحه.
وتنضاف "بنچه" لتزيد الطين بلة؛ وهي بديل باهت متقشف لموسيقانا الجميلة التليدة التي تم تغييبها بحجج متنوعة وغرائبية. كم أكره "بنچه الحديثة" وكلماتها المفتقدة للإبداع والشاعرية وطريقة غنائها الفجة التي تتخذ من تمجيد القبيلة والأجساد كلمة غنائية وتتدثر بهتانا بانعدام الاختلاط فيها؛ وتتعمد البذاءة والجهر بها إيحاء وتلميحا وتصريحا. اتخذوها بديلا للفن الكلاسيكي وتجنبا -حسب زعمهم- للاختلاط؛ فشجعت الاختلاط وحطت ذوق المتلقي وهبطت بالبهجة لمستوى المأتم إيقاعا ونغما وغناء.
للمتزوجين والمتزوجات حديثا ولاحقا من الذين استسلموا لهذا الصخب الهابط وهذه الطقوس اللامتناهية؛ لستم أفضل ولا أجمل ولا أنبل من أترابكم الذين لم يميلوا مع الريح الجديدة ولم يصوروا مهورهم وزينتهم ولم يوثقوا عبر اسناب شات مزاد شراء أمهات ابنائهم.
في مجتمعنا اليوم غاب المعنى الأصيل للعرس؛ وغابت مفاهيم ومظاهر الفرح والبهجة لصالح التيه والتقليد والتبلد؛ فهل من مدكر؟
إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا