أخلاقيات المهنة العامة/ محمد المهدي عبد الجبار

سبت, 2025/04/12 - 20:28

تسعى جميع الدول والمنظمات سواء العامة أو الخاصة إلى خلق بيئة سلوكية أو ميثاق لأخلاقيات المهنة أو العمل بما يتناسب وطبيعتها وأهدافها، ويتضمن أخلاقيات المهنة مجموعة من القيم والقواعد السلوكية الموجهة والمرشدة للعاملين فيها؛ بحيث يشكل مرجعية أخلاقية مهنية يحدد الصحيح من الخطأ في السلوك التنظيمي، من هنا 

نشأت مدونة أخلاقيات المهنة بموجب الأمر القانوني 025-2007 الصادر بتاريخ 09/04/2007 والمتضمن المدونة الأخلاقية، والتي تضمنت معايير معينة نصت على ضرورة اتباعها بهدف التسيير الجيد للموظفين و المؤسسة.

وقبل بدء الحديث عن "أخلاق المهنة"، يجدر بنا التعريف بشكل عام ب "الأخلاق" وب "المهنة"، فالأخلاق في اللغة مشتق من الخلق، أي الخصلة أو السجية أو الميزة أو الطبع الذي اعتاد عليه الإنسان.

وكلمة الأخلاق في الاصطلاح تطلق على جميع الأفعال الصادرة عن النفس، محمودة كانت أو مذمومة، فنقول فلان كريم الأخلاق أو سيئ الأخلاق، بناء على ما سبق، فإن الأخلاق شاملة وهي شكل من أشكال الوعي الإنساني، يقوم على ضبط وتنظيم السلوك في كافة مجالات الحياة دون استثناء، في المنزل مع الأسرة وفي التعامل مع الناس، وفي العمل وفي السياسة وفي العلم وفي الأمكنة العامة، والدين أساسا جاء لتنظيم حياة الانسان وعلاقاته مع .غيره... أما "المهنة" أو الوظيفة فهي ": الحرفة التي تشتمل على مجموعة من المعارف العقلية وبعض الممارسات والتطبيقات التي تضم الأنشطة والخدمات المفيدة، وتوفر قدرا من المهارات الفنية المتخصصة والإنتاج الفكري المتخصص، وقواعد أخلاقية وسلوكية تنظم العمل بين المهنيين وزملائهم أما أخلاقيات المهنة العاملة فيعرفها البعض بأنها " نظام من المبادئ الأخلاقية التي تحدد السلوك الصحيح والسلوك الخاطئ بالنسبة لأعضاء المهنة الواحدة وتعرف أيضا بأنها: " مجموعةالمبادئ والمعايير التي مرجعا للسلوك المطلوب لأفراد المهنة الواحدة، والتي يعتمد عليها المجتمع في تقييم أدائهم إيجابا أو سلبا، أو هي: "المبادئ والمعايير والمثل التي يلتزم بها أفراد المهنة عند ممارستهم لها، وذلك للحفاظ على مستوى المهنة وعلى حقوق المنتسبين لها، وحتى المستهدفين منها".هذه المعايير تهدف إلى التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ في سلوكيات وأداء المشتغلين بالوظائف، وكذلك فإن أخلاقيات المهنة هي": تلك المبادئ السلوكية، المطلوبة الالتزام بها من طرف المنتمين للمهنة، حتى يؤدون مهامهم وواجباتهم على الوجه الأكمل"، قد تكون هذه المبادئ السلوكية رسمية متمثلة في قواعد ولوائح واجبة التنفيذ أي مهام مهنية، وقد تكون غير رسمية، أي أقل التزاما مثل التواضع والتحية...الخ، أي هي عبارة عن آداب سلوكية عامة، وبالتالي فأخلاقيات المهنية عبارة عن تطبيق السنن والقواعد الأخلاقية السائدة في المجتمع على معاملات الأعمال وفي المؤسسات.

وتتميز أخلاقيات المهنة بالطابع الجبري لقوانينها وقواعدها، كتحريم الرشوة والاحتيال والاختلاس والإهمال... الخ، لأن عدم الالتزام بها يؤدي إلى تطبيق آليات الثواب والعقاب، حتى لا تبقى تلك السنن مجرد حبر على ورق، وعليه فإن أخلاقيات المهنة كما يرى الكاتب جيمس فوكادو في كتابه ''المؤسسة الأخلاقية، أداء الأعمال الصحيحة بالطرق الصحيحة'' هي بوابة الوصول لتحقيق الأهداف أو الأرباح؛ حيث قال: '' إذا حضرت الأخلاق فلا وزن لأي فشل يصيبك، وإذا غابت الأخلاق فلا وزن لأي نجاح تصيبه".

إن أهم ما تستهدفه مدونة أو ميثاق أخلاقيات المهنة في أي مؤسسة هو ما يلي:

- إضفاء الطابع الأخلاقي والنزاهة والحياد والأمانة على مهام الوظيفة أو المهنة، المعاملة الحسنة والطيبة لمختلف المتعاملين مع المهنة، سواء الزملاء أو المراجعين...الخ وهو ما تضمنته المادة 2 من الأمر القانوني 025-2007 المتضمن المدونة الأخلاقية.

- تحديد وتوضيح العلاقة بين الموظف ومختلف المستويات الوظيفية عموديا وأفقيا.

- الحفاظ على حقوق الموظفين وحمايتهم من التعسف والظلم واحترام المشروعية وهو ما تضمنته المادة 4 الأمر القانوني 025-2007 المتضمن المدونة الأخلاقية.

- إنجاز الأعمال بكل جودة وكفاءة وضرورة احترام الشفافية وهو ما تضمنته المادة 5 من الأمر القانوني 025۔2007 المتضمن المدونة الأخلاقية.

- إيجاد آليات للتقييم والرقابة الذاتية لسلوكيات الموظفين.

- تقطع الطريق أمام مظاهر الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، أي ضبط السلوك الوظيفي وفق القواعد والقوانين السارية من خلال الاستقامة و النزاهة وهو ما تضمنته المادة 15 و 16 الأمر القانوني 025-2007 المتضمن المدونة الأخلاقية.

وهذا بالطبع سيؤدي إلى زيادة وعي المجتمعات والمستهلكين ومستواهم 

الثقافي، رغم ارتباط الأخلاق والمعاملة الحسنة بالجذور الدينية وخاصة الإسلام، الذي حث على حسن الأخلاق واحترام الغير، حتى مع اختلاف العقيدة أو الجنس أو اللون... وحرم التعرض للآخرين في أنفسهم أو أملاكهم أو شرفهم...الخ، إضافة إلى ارتفاع مستوى الوعي الاجتماعي نتيجة التطور التكنولوجي والفكري، من هنا فإن تطبيق مبادئ أخلاقيات المهنة نتيجة التزام الجميع - مسؤولين وموظفين وعملاء - بأخلاقيات المهنة أو العمل، لها نتائج إيجابية وأهمية كبيرة تتمثل أهمها فيما يلي: 

أولا: بالنسبة للموظفين

- تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع أفراد المنظمة والمجتمع، كل حسب مقدرته وكفاءته.

- تحسين مناخ أو جو العلاقات الاجتماعية والمهنية.

- تنمية روح الانتماء والولاء لديهم نحو المؤسسة.

- زيادة كفاءة أداء ومردودية العاملين نتيجة الرضا والثقة والاستقرار النفسي.

- تقليل مظاهر الصراع والنزاعات المهنية.

ثانيا: بالنسبة للمؤسسة

- تحسين سمعة وصورة المنظمة أو المؤسسة ودرجة قبولها في المجتمع وفي السوق.

- إسناد المهن والوظائف لأفضل وأكفأ الأفراد، وأخلصهم في العمل وتقديم أعلى درجات الأداء.

 - إتاحة الفرصة للمجتهدين بالتقدم والنمو والإبداع الإداري والمهني.

 - تقليل تكاليف إنتاج السلع والخدمات، وتوفير أموال وجهود وأوقات مهمة

- تقويم وتصحيح الأخطاء المهنية من خلال عملية التوجيه والارشاد السلوكي، بما يحقق أهداف المؤسسة.

- حصول المؤسسة الملتزمة بأخلاقيات المهنة على شهادات اعتراف وطنية ودولية.

ثالثا: بالنسبة للمجتمع

- إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، وإظهار آثارها على كل فئات المجتمع. 

- زيادة ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة وأعوانها ومن آثار أخلاقيات المهنة،ومن آثارها على المجتمع كذلك هو انتشار القيم والمبادئ الأخلاقية وروح التمدن وتكريسها في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية، والعكس صحيح طبعا.

فسيادة العدل والأمانة والنزاهة المؤسسية داخل المنظمات، ينعكس إيجابا على الوسط الاجتماعي والاقتصادي ومختلف المعاملات، ويريح الأفراد والموظفين ويشحنهم بشحنات إيجابية، ويوطد أواصر العلاقات الأسرية والاجتماعية، ويطبعها بطابع التعاون والتفاهم والتكامل، كانعكاس للرضى الوظيفي الناجم عن الالتزام السلوكي الأخلاقي داخل المؤسسة.

من هنا فإن مبادئ تخليق المهن يرتكز على احترام مجموعة من المبادئ تتمثل أساسا في:

- الكفاءة: أي الجدارة والاستحقاق، وهو القدرة على القيام بالوظيفة وتنفيذ مهامها وتحقيق أهدافها بكل فعالية ونجاعة والذي للأسف لا يراعى في ترقية العاملين، وإنما يتم على أساس الزبونية والمحسوبية والجهوية والإنتماء السياسي والقبلي والعنصري أحيانا كمعيار، دون النظر إلى مستوي الكفاءة والمهنية كأساس لتقدم الموظفين.

- الالتزام: وهو الاستقامة وتطبيق أو احترام الواجبات الوظيفية، من وقت الدخول والخروج، والحفاظ على الممتلكات، والأموال، وأسرار الوظيفة، وإتقان العمل وجودته...الخ وهو أمر شبه مفقود في إداراتنا - للأسف - نتيجة طغيان الزبونية والمحسوبية والجهوية والإنتماء السياسي والقبلي والعنصري أحيانا.

- حسن المعاملة والليونة: سواء مع الرؤساء أو المرؤوسين أو المراجعين، أي احترام الجميع أو عدم السخرية أوالاستهزاء أو الانتهازية أو التعسف والظلم والتكبر، والذي يتميز به كثير من وقعنا - للأسف - على عكس ما ينبغي مما جعل مراجعة هذه السلوكيات أمرا ضروريا.

- عدم إساءة استخدام المنصب: أي عدم استغلال النفوذ والسلطة لتحقيق مآرب شخصية، وعدم استعمال ممتلكات المهنة لأغراض خاصة لتبادل منافع خارج القانون، وهو - مع الأسف - ما يتم غالبا بشكل سري.

- الموضوعية وعدم التحيز: أي المساواة في التعامل المهني مع الزملاء أو المرؤوسين أو المراجعين وعدم التحيز حسب الانتماء السياسي أو الجهوي أو 

الطائفي.... - وهو للأسف - ما لم يتم احترامه فغالبا يلاحظ التمييز على أساس الزبونية والمحسوبية والجهوية والإنتماء السياسي والقبلي والعنصري أحيانا، دون النظر إلى مستوي الكفاءة والمهنية كأساس لتقدم الموظفين.

- تحمل المسؤولية: أي عدم التهرب من تحمل تبعات الأخطاء المهنية سواء المقصودة أو غير المقصودة، حتى يحافظ الموظف أو المسؤول على مصداقيته أمام الجمهور.

- التخلق بالآداب العامة: أي أن تكون تصرفات الموظف وسلوكياته مهذبة وإنسانية وتحترم عادات وتقاليد وخصوصيات الآخرين وقيم المجتمع الذي يعمل فيه في اللباس والكلام والأعمال...الخ، وأن يكون متواضعا ومتفتحا على محيطه، مقدًار لجهود الآخرين وملتمسا العذر لأخطائهم، محًبا لمهنته، مثابرا ومجتهًدا ومخلصا لمؤسسته، ويقدم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية.

وعموما يمكن القول إن موريتانيا قطعت شوطا من خلال إحداث مدونة أخلاقية لكن المطلع على هذه المدونة يكشف أنها لم تنص على عقوبة محدد لتفعيل هذه المدونة بل اكتفت في ذكر ما تضمنت المادة 31 الأمر القانوني 025-2007 

المتضمن المدونة الأخلاقية على أن الإخلال بالواجبات والإلتزامات يعرض فاعله للعقوبات التأديبية، رغم عدم ذكر المزيد من المسلكيات المشينة التي لم تنص المدونة عليها، مما جعل مطلب مراجعتها مطلب وطني لتفادي ظاهرة المسلكيات المشينة التي تعاني منها إداراتنا العمومية والمحلية، إضافة إلى تكليف وزير الوظيفة العمومية بموجب ما تضمنت المادة 32 الأمر القانوني 025-2007 المتضمن المدونة الأخلاقية بالتعاون مع إدارات الدولة بتنفيذ نشاطات تحسيسية وتكوينية لوكلاء الدولة في مجال روح المهنة و السلوك المهني وهو ما لم يتم لحد الساعة، كما نرى ضرورة تغيير وتفعيل المدونة لتنص على عقوبات واضحة تبين جميع المسلكيات المشينة وتحدد العقوبة المناسبة و الجهة المسؤولة عن تنفيذ العقوبة وجعل الإخلال بها يعرض المخالف لها لعقوبة مقررة في القضاء، وذلك ليتحسن أداء الإدارات والذي إن فعل سينعكس على الجدية في العمل وخلق جيل يؤمن بالكفاءة والمهنية و خلوق، مما يعزز ثقة المواطن بإدارته ويحقق التضامن بين المواطن والإدارة ليتعاونون معا في تحقيق التنمية المستدامة.

وعموما يلاحظ تعاظم المسلكيات في الواقع الحالي المرتكز على أساس الزبونية والمحسوبية والجهوية والإنتماء السياسي والقبلي والعنصري أحيانا كمعيار لانتقاء من طرف المسيرين في الإدارات، وبالتالي يتم التعيين وترقية العاملين على هذه الأسس، دون النظر إلى مستوي الكفاءة والمهنية كأساس لتقدم الموظفين مما خلق بيئة متكاسلة لا تؤمن بالجدية ولا العمل مما أدى إلى تعاظم الفساد والمفسدين في وطننا الغالي وأخر تنميتنا وجعلنا متأخرين تنمويا عن محيطنا الدولي والإقليمي وحتى دول الجوار.

 

الدكتور : محمد محمد المهدي عبد الجبار ( مفتش شغل)