موريتانيا المكتسبات الدبلوماسية والرهانات الاسراتيجية/ محمد عبد الله يب

أحد, 2025/07/13 - 12:22

شكّل اختيار موريتانيا ضمن خمس دول إفريقية للقاء الرئيس الأمريكي والتباحث معه حول القضايا الإقليمية والدولية مؤشرًا واضحًا على سلامة النهج الذي تسلكه الدبلوماسية الموريتانية في عهدها الجديد. فقد بدا هذا الاختيار تتويجًا لمسار دبلوماسي هادئ، بعيدًا عن الاستعراضات الصوتية والشعارات الاستهلاكية، وقفزة نوعية في مسيرة التموقع الدولي لموريتانيا، وانطلاقة واعدة لشراكة اقتصادية واقعية، قائمة على المصالح المتبادلة والمقاربة البراغماتية.

 

إن قيمة هذا الحدث تتجاوز الشكليات البروتوكولية والتأويلات التي ترافق عادةً كل نجاح أو تميز. فقد أزعج بعض الأطراف — داخليًا وإقليميًا — أن تحضر موريتانيا بهذا الثقل في سياقات دولية استراتيجية، مما كشف عن مواقف مشبوهة تسوؤها عودة موريتانيا إلى المشهد الجيوسياسي الإقليمي. غير أن ما يعنينا، في هذا المقال، ليس الرد على تلك المواقف، بل استكشاف المزايا السياسية والاقتصادية لهذا التحول، وقراءة محددات الرؤية الوطنية في ظل واقع إقليمي متوتر ومليء بالصراعات والمطامع الخارجية.

 

 

الموقع والمقدرات: فرص تنتظر التفعيل

 

تحظى موريتانيا بموقع جيوسياسي استثنائي، يجعلها جسرًا استراتيجيًا بين شمال إفريقيا وجنوبها، وبوابةً رئيسية لدول الساحل على المحيط الأطلسي، وقريبةً من أوروبا. هذا الموقع الحيوي أدركه صانع القرار مبكرًا، وهو ما انعكس على الأداء الدبلوماسي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني منذ تسلمه السلطة، من خلال حضوره الفاعل في مجموعة دول الساحل، رغم ما شهدته المنطقة من تغيرات متسارعة.

 

ولم تكتف موريتانيا بالحضور الإقليمي، بل انفتحت على الساحة الدولية بحكمة وتوازن، حيث حافظت على علاقات قوية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، في وقت يتصاعد فيه النفوذ الروسي في الجوار الإقليمي.

 

فمن خلال اتفاقيات تعاون مع موسكو، خصوصًا في مجالات المعادن والصيد البحري، والمشاركة المنتظمة في مؤتمرات “روسيا–إفريقيا”، تحاول نواكشوط تنويع شراكاتها وحماية مصالحها. وفي الوقت نفسه، تواصل حوارها مع واشنطن، بما يؤهلها لتلعب دور “وسيط التوازن” وصوت سلام في منطقة تعج بالتوترات.

 

 

من التململ إلى المبادرة

 

لقد عانت موريتانيا، في مراحل سابقة، من عزلة دبلوماسية وانكفاء داخلي عطّل فاعليتها الإقليمية، وأنتج أزمات وطنية ذات طابع اجتماعي وهوياتي (شرائحية، فئوية، قبلية). فغياب الرؤية الشاملة آنذاك أدى إلى تهميش الأدوار الثقافية وتبديد الثروات، في ظل سياسات محلية غير منفتحة على الواقع الدولي المتغير.

 

أما اليوم، فإن وعي صانع القرار بأهمية استعادة الدور الإقليمي والدولي، يشكّل بارقة أمل لعودة موريتانيا إلى موقعها الطبيعي. فليس الانفتاح الخارجي ترفًا سياسيًا أو رفاهًا دبلوماسيًا، بل هو شرط لازم لتجاوز الأزمات الداخلية، عبر استثمار المكانة الدولية في تعزيز التنمية الوطنية.

 

إن الحضور الدولي النشط لطالما كان بوابةً للنهوض الداخلي ورافعةً لمكانة الأنظمة سياسيًا وشعبيًا. فالدبلوماسية ليست فصلًا معزولًا عن التنمية، بل شريكًا مباشرًا في صياغة مستقبل الدولة.

 

 

الثروات كرافعة استراتيجية

 

تمتلك موريتانيا ثروات طبيعية متنوعة تشمل الذهب والنحاس والحديد، بالإضافة إلى اكتشافات واعدة في مجال الغاز والطاقة. وهذه الثروات — التي كانت في الماضي تُستنزف دون رؤية — تستدعي اليوم شراكات دولية استراتيجية، تقوم على التوازن وتعدد الأطراف، لضمان الاستقلالية في القرار السياسي، وتنفيذ خطط تنموية متكاملة تحمي المصالح الوطنية وتعزز من سيادة الدولة.

 

كما أن تأمين هذه الثروات يتطلب بيئة أمنية مستقرة، وهو ما يجعل من الحضور الإقليمي والدولي ركيزةً ضرورية لحماية الاستثمارات ومواكبة المشاريع الكبرى.

 

 

خاتمة: مسؤولية التنوير والمساندة

 

لا شك أن هناك مجهودًا وطنيًا دبلوماسيًا متصاعدًا، يستحق التنويه والتسليط عليه من قِبل النخب وقادة الرأي. فموريتانيا اليوم لا تحضر فقط كمتفرج في المشهد الدولي، بل كفاعلٍ مؤثر، عبر دبلوماسية هادئة ومتوازنة.

 

وهذا الحضور ليس خيارًا تكميليًا، بل ضرورة وطنية تسهم في استقرار البلاد، وتطويرها، وضمان مصالحها العليا في عالم تتسابق فيه الدول لتأمين مواقعها، وتعزيز أوراقها.

 

 

محمد عبد الله ولد يب

كاتب صحفي