الانكشاريون العرب الجدد!

ثلاثاء, 2016/03/22 - 16:28
أحمد يحيى المبارك

إن العرب لا يقرؤون، وإن قرؤوا لا يفهمون، فهم لا يستفيدون من التاريخ.

والانكشارية لمن لا يعرفها هم العسكريون الأتراك الذين كانت الدولة العثمانية قد ركزت سلطاتها بهم على نطاق واسع في مختلف أنحاء السلطنة أو الخلافة العثمانية.

وهؤلاء الانكشارية جعلت بيدهم كل السلطات والإقطاعات الزراعية والامتيازات الخاصة وتركزت الثروة بيدهم على حساب الشعب مما جعل الشعوب الخاضعة للخلافة العثمانية تتململ ثم تتحرك ثم تثور مما ارتكبه هؤلاء الانكشارية من ظلم ومصادرة أموال وإتاوات وضرائب وقهر وتسلط مما جعل الخلافة توصف بتركة الرجل المريض وتنهار في الأخير.

لكن الغريب أن العرب _أساسا هم من قام بالثورة على الخلافة العثمانية_ أعادوا نفس النسق الانكشاري منذ أن أخذوا الحكم لأنفسهم إلى الآن، وسأترك التاريخ الحديث عن الانكشاريين العرب بدءا بما يسمى بالضباط الأحرار والبعثيين العسكريين العرب في كل من سوريا والعراق وانكشاريي اليمن الذين أوصلوا غير صالح في آخر المطاف ووصلت على يديه اليمن إلى ما هي فيه، وسأقف عند محطات ثلاث في كل من مصر السيسي والجزائر والنظام الانكشاري الحاكم في بلادنا.

أولا: الانكشارية المصرية

من المعلوم أن السيسي الانكشاري وجد نظاما منتخبا لأول مرة بصورة نزيهة يحاول إصلاح ما أفسده الدهر من دولة كانت تعيش على المساعدات الأميركية والخليجية وطبقة سياسية فاسدة مهترئة وجيش انكشاري متغول فأراد الحكم الجديد أن يقوم على ركن متين وأن يقوم ببناء الدولة المصرية الجديدة دولة الثورة فأخذ زمام المبادرة وبدأ يسير الموارد المتاحة بشفافية وحاول عزل الجيش عن المشهد السياسي فما كان من فلول النظام السابق والجيش الانكشاري المصري وأباطرة رجال الأعمال الفاسدين وعجزة الناصريين وعلى رأسهم الراحل هيكل بالإضافة إلى أعداء كل ما هو إسلامي من ليبراليين وغوعاء إلا أن ركبوا في زورق واحد وشكلوا طابورا خامسا تحت حركة ما يسمى ب"تمرد" المشؤومة وقام الجميع بما يسمونه ثورة يونيو التي هي في الحقيقة انقلاب على ثورة يناير المجيدة، الثورة الحقيقية التي أطلقت الضوء الأخضر للربيع العربي على مستوى العالم العربي، بل العالم أجمع، وأصبحت أنموذجا يحتذى به في كل من إفريقيا وأوروبا الشرقية وحتى أمريكيا اللاتينية.

الانكشاريون المصريون رجعت لهم امتيازاتهم ومؤسساتهم الاقتصادية من فنادق وشركات سياحة ومخابز ودور سينما، وأصبحوا يتدخلون في كل شيء وكل من لم يصفق لهم فهو خائن وعميل يستحق السحل والقتل ولم يعد هناك زوار الفجر كما كان، بل التصفية الجسدية في الشوارع ومقرات العمل وداخل المنازل، أمام الزملاء والأهل، والحوادث أكثر من أن تحصى، والسجون امتلأت حتى القنطرة، ففي فبراير الماضي وحده وصل سجناء الرأي إلى 70000 سجين ووصلت حالات القتل 111 حالة، وحالات الاختفاء 155 حالة، و17 حالة قتل داخل السجون، وبلغ السيل الزبا، فلا اقتصاد ولا حرية ولا أمن ولا أمل.

ثانيا: الجزائر

في الجزائر هي الأخرى في التسعينات وصل النظام إلى حافة الإفلاس فما كان أمامها من حل إلا اختيار الحل الديموقراطي عندما شاخت جبهة التحرير فنظمت انتخابات فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فغضب الانكشاريون الجزائريون، وطالبوا الشاذلي بن جديد أن يتصرف ويلغي الانتخابات، فما كان منه إلا أن انحاز إلى جانب الشعب واختياره، ووقف موقفه الذي لن ينساه له التاريخ، فتدخل الجيش وانقلب على إرادة الشعب، فكان ما كان ووقعت الحرب بين أطراف الشعب الواحد واستمرت عشر سنين قتل فيها ما يقارب نصف مليون أي نصف ما كلف تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، ونتج عن ذلك في آخر المطاف دخول أبي تفليقة وحاول أن يصلح بقدر ما أفسد، فترسخ الفكر القاعدي في المغرب الإسلامي على الأرض وعانت المنطقة كلها حتى غرقت في بحار من الدماء كان آخرها النزيف المالي.

ثالثا: موريتانيا

في موريتانيا طغى وتجبر الفرعون السابق ولد الطايع، وتحت الضربات الموجعة لفرسان التغيير والحراك السياسي والنضالي للجميع، قام الجيش وقوات الأمن بإسقاط ولد الطايع، لكن ذلك لم يكن حبا للأمة و الشعب وحريته، بل حفاظا على نفس النظام وأركانه ومكوناته بدليل العودة السريعة غير الميمونة للانقلابيين الذين خرجوا من النافذة صوريا ودخلوا من الباب عندما أراد الرئيس سيدي أن يحيدهم عن المشهد السياسي الذي أربكوه، وكأنه عصى أسياده، فاقتادوه وقيدوه ورموه في غياهب النسيان، ثم كان صلح دكار، ونظمت الانتخابات وشرع الانقلاب بانتخابات مولها القذافي، وأصبح عزيز رئيس الفقراء، ليتحول بعد حين إلى رئيس الأثرياء، حتى أنه يخاف من العين على ثروته فامتنع عن الكشف عنها، والرائج أنها تقدر بأرقام خيالية، وآخرها حساب ابنه الصغير في مصرف أوروبي، والذي استولت عليه زوجته البلجيكية.

فمن أراد العمل أو التوظيف أو التعيين فالطريق المعبدة لكل ذلك هي تكوين علاقة ووساطة من أحد ضباط الجيش وإلا ... وعادت حليمة إلى عادتها القديمة، وكأنما ندور في حلقة مفرغة من شرق عالمنا العربي إلى غربه، الجيش الجيش.. ألستم معي أن هؤلاء هم الانكشاريون العرب الجدد، فمتى نفيق من سباتنا ومتى نعتبر من تاريخنا القديم والحديث والمعاصر المعيش؟

بقلم: أحمد يحيى المبارك