نقطة الذهب أو السوق الساخنة
عند تقاطع الشارع المار أمام رئاسة الجمهورية حيث "الحُكْمُ" مع الشارع المنطلق من الناحية الشرقية للسوق عند نهاية "شارع الرزق" حيث "المحكومون"، في تلك النقطة اختارت سوق الذهب أن تكون قِبلة لمن أنهكهم طِلاب المعيشة أو أرقهم طِراد المزيد من البذخ والرفاهية.
لدى نقطة الذهب الساخنة هذه التي يعتبر ميلادها أول ميلاد لتوأم حقيقي لسوق الهواتف "نقطة ساخنة"، لا يمكن أن يمر العابر دون أن ينسحب بشيء من عطر غانم متفائل أو يصيبه شيء من ما لدى نافخ الكير الذي تبددت ثروته بين جيوب سماسرة السوق وباعتها، وبين مكاتب الجمارك ومقر الترخيص بوزارة المعادن وبين مؤونات صحاري تازيازت.
السوق والقنوات التلفزيونية
عانت سوق الذهب من الركود منذ دخلت القنوات التلفزيونية على الخط لترصد واقع المنقبين وتوثق معاناتهم، حيث عاشت طيلة أسابيع على وقع أزمة ألقت بظلالها على نفسيات كل من جنى ثمار التنقيب قبل أن يقطفها أصحابها، فلقد رصدت القنوات التلفزيونية حالات من خيبة الأمل في أوساط المنقبين، أيامَ كانوا في فضاء "احميم" الصحراوي الموجود عندهم في الرخصة والأجرد من أي نوع من المعادن حسب ما تفيد مصادر متخصصة.
وعادت السوق لتنتعش مجددا بعد عودة آخرين وقد أحرزوا بعض ما صبوا إليه وبعد انزياح الزاوية المعتمة من الصورة التي رسمتها التقارير الميدانية للقنوات التلفزيونية، كما يقول محمد وهو أحد رواد السوق.
أسعار تتراجع بعد تصاعد
عرفت الأسعار _قبل ما أدت إليه التقارير من كساد_ تصاعدا جنونيا حيث يرى البعض أنها شهدت في إحدى الفترات صعودا يوميا بمعدل يبلغ زهاء ال100 ألف للجهاز، والآن بعد رحلات ناجحة نسبيا عاد إلى السوق روادها، إلا أن الأسعار سجلت تراجعا بشكل كبير من زهاء المليونين إلى حوالي مليون ونصف للجهاز المجمرك و800 ألف أو تزيد قليلا للجهاز غير المجمرك، كما أفاد السراجَ أحدُ رواد السوق المطلعين.
أما أسعار الذهب نفسه عند سماسرة السوق فقد نزلت هي الأخرى مما كان متداولا عند الناس وهو حوالي 14 مليون أوقية للكيلوغرام إلى 12,1 مليون أوقية اليوم وفق عملية طلب للبضاعة حضرتها السراج.
وفضلا عن كون هذا السعر الرخيص نسبيا سعرَ طلب، فإنه أيضا لا يستغرب في الوقت الذي تسجل أسعار الذهب نزولها إلى أحد أدنى مستوياتها في هذا العام عالميا.
قصص النجاح وانتعاش السوق
بعد تداول الأحاديث عن خيبة الأمل التي انتشرت حينها في نطاق واسع لدى المنقبين وسط الأفاعي والعقارب و شح المياه واستنزاف الجهد العضلي دون ظفر بالكنز المنشود، عادت إلى الآذان قصص جديدة لنجاح قد لا يغطي المحروقات وفق ما أبدى بعض من التقيناهم، إلا أنه يبعث الأمل.
عبد الله العائد من الذهب، رفض التصريح بما حصل عليه، لكنه عازم على العودة إلى ميدان التنقيب مجددا، ويرى أن سبب الاستياء _الذي لقي صوتُ دعاته رواجا عبر وسائل الإعلام التي كثفت وجودها هناك _ هو أن المقبلين على التنقيب يظنون أنهم سيجدون كثيرا من الذهب بقليل من العناء بينما الحاصل _وفق عبد الله_ هو خلاف ذلك، فعبد الله الذي رفض أن يعطي فكرة عما تحصل عليه، أكد أنه يعرف من بين زملائه المشاركين من استفادوا استفادة بينة، ومن وجدوا شيئا لا يسدد كل ما بذلوا في التجهيز للتنقيب لكنه مبشر، ومن لم يجنوا غير العناء والتعب.
رواية عبد الله التي قد تكون في جانب من جوانبها تحصيل حاصل تكمن دلالتها في تغيير بعض الذهنيات اليائسة وإغراء المزيد من الشباب و"الشيب" الذين بدؤوا يزاحمونهم في ميادين التنقيب على المغامرة مجددا وضخِّ دماء جديدة في السوق وتهدئةِ البلبلة التي شابت سمعتها وإيقادِ جذوة أمل في الصورة القاتمة التي ارتسمت لدى الكثيرين عنها، وشأنُ عبد الله مع الذهب حسب روايته كشأن أحمد الذي أكد أنه استطاع أن يحصر شراكته مع مجموعة مكونة من أربعة أفراد في شريك واحد يتقاسم معه ملكية جهاز استطاعا أن يشتريا حصص شريكيهما فيه وأن يجعلاه خالصا لهما، كما استطاعا من حصصهما في رحلة التنقيب الأولى أن يشتريا سيارة صغيرة شراكة بينهما.
ويرتاد هذه السوق الوليد التي لا يفصلها عن سوق الهواتف النقالة إلا أمتار، باعة يمتلكون محال تجارية لبيع الأجهزة وقطع غيارها، ومبرمجون وعاملون في تصليحها، وآخرون يعملون على بيع وشراء المستعمل منها، فضلا عن السماسرة الذين يعملون أدلاء على المحلات التجارية ويجنون من كل صفقة أموالا طائلة، كما يرتاد السوق أيضا بعض متسوقي الذهب الذين يلعبون دور الوسيط أحيانا بين المنقبين وبين الجهات المنصوص في اتفاقية الترخيص على البيع لها، ويعرف هؤلاء ب"التبتابة".