الأسعار في رمضان: أزمة غلاء تتفاقم

ثلاثاء, 2016/06/07 - 14:17
الأسعار في رمضان: أزمة غلاء تتفاقم

لم يكن جو رمضان بتلك الحرارة المتوقعة في أوج فصل الصيف بنواكشوط لكن على مستوى طول ساعات الصيام ربما كان رمضان هو الأطول بأكثر من 13 ساعة صيام.

في مقابل اعتدال الطقس كانت نار الأسعار على أشدها رغم محاولات تلطيفها من طرف السلطات والتي أعلنت عن إطلاق عملية رمضان في أول أيام الشهر بدل التأخر الذي طالما واكبها في الأعوام الماضية .

 

تقليد رتيب

لكن عملية رمضان هذا العام لم تحمل أي جديد للمواطن الموريتاني بحكم قلة المواد المدعوة من جهة، وتعقد إجراءات الاستفادة من جهة أخرى فضلا عن تقلص فارق التسعيرة بين السعر المدعوم ونظيره في أسواق الجملة .

مظهر آخر لبؤس الأوضاع المعيشية في رمضان وهو كثرة المتسولين خاصة من الناس على أبواب المساجد وفي الميادين العامة ومداخل الأسواق،لم يعد التسول حكرا على المعوقين ولا العجائز بل كل من هب ودب ولكل طريقته في الاستجداء البعض يلوح بوصفة طبية والآخر يسأل أجرة النقل إلى أحد ضواحي المدينة وآخرون يطلبون المساعدة لإعالة أيتام أو الصرف على أرامل أو أطفال صغار وعجزة..إنها شدة الفقر والفاقة التي تجعل العشرات من النساء يهمن على وجوههن في شوارع وسط المدينة وهن لا يفكرن إلا في طريقة للحصول على دريهمات من كل من يتوسمون فيه خيرا وأحيانا يطرقن باب بعض الشركات والمحلات الخصوصية .

وكانت فاجعة مقتل 8 سيدات في تدافع من أجل الظفر بالصدقات خير دليل على نار الغلاء التي توشك أن تأتي على الأخضر واليابس .

إنها أزمة عدم تنظيم مرفق الزكاة الركن الثالث من الإسلام في مجتمع مسلم فالشائع أن يدفع الموسر زكاته لأقاربه وبني عمومته حتى ولو تطلب الأمر نقلها إليهم ..أما السلطات فتبدو عاجزة عن علاج ظاهرة التسول التي تتفاقم يوما بعد آخر خاصة في شهر رمضان حيث الجزاء المضاعف على الصدقة في مقابل الحاجة الماسة إلى العطاء.

في هذا العام لم يعد التسول حكرا على الموريتانيين بل إن الأزمات التي تضرب شعوب العالم الإسلامي فاقمت من الظاهرة حتى في موريتانيا البلد الذي يرتبط في أدبيات الهيئات الاقتصادية الدولية بالفقر وتراجع معدلات النمو حيث تبلغ نسبة الفقر حسب آخر التقارير حوالي 46% من السكان يعيشون باقل من دولار في اليوم..ومن هنا جاء منافسون جدد إلى قلب نواكشوط ومن مالي المجاورة ومن الشام .

أمام الجامع الكبير بوسط نواكشوط طوابير من المتسولين تلاحق المصليين وتبدأ زحفها على المسجد الذي يعد أكبر مساجد نواكشوط من ساعات الصباح الأولى حيث يحتفظ كل متسول بموقعه الذي لا يقبل التنازل تحت أي إغراءات .

 

انعكاسات وتأثيرات

انعكاسات الأزمة كما تتجلى في التسول والغلاء تظهر في أسواق المواد الاستهلاكية عندما تتراجع معايير الجودة إلى حدودها الدنيا فتبدو التمور التي يعد التوسع في بيعها علامة اقتراب الشهر الفضيل تبدو في نوعيات أكثر رداءة من "الحشف "البالي ومع ذلك تسوق على نطاق واسع بسبب غلاء النوعيات الجيدة ، كما تزدحم الاسواق بأنواع العصائر المصنعة والتي تصبح البديل الجاهز لدى الغالبية العظمى من المستهلكين وذلك رغم المخاطر الصحية الناجمة عن استهلاكها، ورغم الجهل التام بمكوناتها ومصادرها.فيما تسجل نبتة "البصام " الشراب الموريتاني التقليدي أعلى سعر لها في رمضان .

ولعل من أبرز انعكاسات الغلاء في رمضان انتشار منافذ بيع المزور والمواد منتهية الصلاحية خاصة مسحوق الألبان والتي تحولت بفعل عرضها على السيارات ثلاثة العجلات إلى معارض مفتوحة تلاحق سكان نواكشوط على مداخل الأسواق وفي الميادين ومحطات النقل وتعمل على ترويج معروضاتها عبر مكبرات صوتية لضمان المزيد من الإغراء والدعاية يعلق أحد المستهلكين.

وتبقى المواد الأكثر تضررا من الغلاء اللحوم والخضروات والتي تظل خارج دائرة الدعم الحكومي حيث قفزت أسعار اللحوم ومن أول أيام رمضان إلى 1800أوقية للكلغ من لحوم البقر بدل 1400 أوقية أما لحوم الأغنام فتجاوزت حاجز 2400 أوقية بدل 2200 أوقية مما أثر على أسعار اللحوم الأخرى بمختلف نوعياتها.

باعة اللحوم ربما كانوا الأكثر اغتباطا بحلول رمضان وهو ما يتجلى في كثرة الأعرشة ومنافذ البيع التي تسوق اللحوم في شوارع نواكشوط وقرب الأسواق رغم أن الكثير منها يعتمد على الذبح الفوضوي..ومع ارتفاع أسعار السمك لم يعد لدى المواطن غير الشراء بنصف حاجته مما جعل الوضع أقرب إلى ما هو عليه في بلدان تعد اللحوم فيها كبريتا أحمر ولا تسوق إلا بوحدات الغرام، فأصبح المستهلك مدفوعا إلى المساومة على أحجام ربما لا تبتعد عن الغرام وبأسعار خيالية حيث يجد الباعة فرصتهم في مثل هذا النوع من البيع بالتجزئة تماما كما هو حال تقسيط المواد الغذائية في دكاكين نواكشوط والتي صار بعضها كمسحوق الألبان تباع بمقدار حجم المعلقة أو صندوق علبة الكبريت والبعض الآخر لا توجد فيه أوزان أقل من ثمن 50أوقية والذي لا يكاد يفي باحتياجات شخص واحد.

وكانت السلطات قد دعمت موقف موردي الدجاج من خلال فرض تسعيرة موحدة لا تراعى وفرة الطلب ولا ظروف المستهلك الموريتاني مما أثار حينها احتجاج جمعيات حماية المستهلك.

في المقابل لا تزال أسعار البصل والبطاطس في تصاعد مع تنامي الطلب حيث وصل سعر الرزمة "الربطة" أكثر من 9000أوقية في أسواق وسط نواكشوط.

 

أزمة متفاقمة

أسباب عديدة وراء الارتفاع الصاروخي في الأسعار في رمضان والتي أذكتها أزمة الغلاء المستفحلة منذ سنوات.

وفي هذا العام كان تراجع أسعار المواد الخام خاصة الحديد والأسماك أبرز موردين للدخل الوطني وانخفاض قيمة الأوقية مقابل الدولار بحوالي 9% .وأمام اليورو بحوالي 6.98% وكذا اختلالات سوق المواد الأساسية والتي تجعلها أقرب على سوق للمضاربات والاحتكارات في ظل غياب أي دور للسلطات في الرقابة وإعادة التوازن لصالح القوة الشرائية الضعيفة للغالبية العظمى من السكان.

وهكذا تتكرر شكوى الغلاء مفتتح كل رمضان بسبب زيادة الطلب وتذبذب العرض الذي يظل حكرا في يد موردي السلع الرمضانية والذين زادت وسائط الاتصال الحديثة من تحكمهم في العرض والطلب ومن ثم الأسعار والجودة.

 

تفاقم مشكل نقاط بيع المزور
عملية رمضان لم تعد تحمل أي جديد للمواطن