موفد السراج
واقع العزلة في آفطوط ألقى بظلاله الكئيبة على مختلف جوانب الحياة فالمرافق الأساسية مفقودة أو معطلة، وكل القطاعات تستجدي الإصلاح وتكشف عن وضع معيشي هش وإمكانات تنموية مهدرة.
وفي الخريف تتفاقم المعاناة وكأن ظروف البيئة تعمل ضد رغبة السكان في العيش في أمن واستقرار فالماء منبع الحياة والنماء يصبح مصدر البؤس والمرض،فيما ترتفع معدلات الاصابة بالحمى والاسهالات وأمراض الحساسية والعيون وفق الوكيل الصحي بلكنيبه محمد ولد أمينو.
النقاط الصحية الشحيحة في آفطوط هي الأمل الأخير لدى المرضى بعدما شدوا الرحال إليها من مناطق نائية أو حملوا إليها وهم بين الحياة والموت طلبا للعلاج أو الاستشارة الطبيبة.
في بوغول كبرى القرى التابعة لمبود يتوافد يوميا عشرات المرضى على النقطة الصحية الوحيدة في المنطقة وصل بعضهم سيرا على الأقدام والبعض على ظهور الحمير والإبل..
نساء وأطفال ورجال من مختلف الأعمار جاؤوا من جهات شتى لكن جمعهم الانتظار أمام مكتب رئيس النقطة الطبيب الخلوق سيدي ولد أحمد والذي يدير وحده هذا المرافق الحيوي ومنذ أزيد من خمس سنوات.
في باحة المبنى الاسمنتي وعلى عمود حديدي علق قمع لقياس المطرفيما تكشف مستنقعات المياه التي تحاصر أجزاء من المبنى عن تساقطات مطرية حديثة على المنطقة قدرها جهاز القياس ب13ملمتر فقط.
يقول ولد أحمد إن النقطة تقدم الاستشارة الطبية وبرامج الوقاية الصحية وتشتمل على مركز للتغذية الجماعية للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ما بين 6شهور إلى 5سنوات فضلا عن توفير لقاحات المواليد والأطفال الرضع.
في قاعة الانتظار كان أغلب المعاينات بسبب الاسهال أو أمراض النساء أو لمتابعة العلاج من أمراض خطيرة كالزهري أو الضغط
يقول ولد أحمد إن شرب الماء المطروح وراء الكثير من حالات الاسهال والاصابات المعوية ليس فقط بين الأطفال بل الكبار أيضا.
كما ترتبط فترة الخريف بتفشي عدوى الملاريا بسبب البعوض الناقل للمرض والذي يجد في البرك والمستنقعات بيئة ملاءمة للتكاثر.
ورغم عدم الشكوى من نقص الأدوية والعلاجات في بوغول فإن الحال يختلف في قرية لكنيبه المجاورة والتي تفتقد أي مرفق صحي ويطالب سكانها بسرعة افتتاح النقطة الصحية التي انتهى العمل من تشييدها قبل ثلاثة أشهر ولا تزال معطلة لأسباب مجهولة كما يقول المستشار البلدي سيدي ولد أعبيد.
ويتحدث الوكيل الصحي بالقرية محمد وأمينو عن نقص حاد في الأدوية الأساسية المطلوبة لأمراض الخريف كالاسهالات والحمى وأمراض سوء التغذية والذي يقدر نسبة الإصابة بالحالات المتوسطة منه بما لا يقل عن 65%.
ويرى ولد امينو إن تعثر برنامج تعميم الوكلاء الصحيين ومتابعة تكوينهم أضر بجهود توفير الخدمة الصحية في قرى آفطوط المعزولة، حيث يعمل وبمجهود فردي على تقديم الاستشارة الطبية والخدمات العلاجية البسيطة كإعطاء الحقن وإجراء الختان للأطفال الذكور، ومتابعة برامج الوقاية الصحية الموجهة للامهات والحوامل.
مشكل توفير الأدوية الأساسية يطل برأسه كذلك في بوغول حيث يتهم رئيس النقطة الصحية ولد أحمد شركة "كاميك" برفع أسعار الأدوية وعدم مراعاة القدرات المحدودة للنقاط الصحية بالداخل الموريتاني وذلك من خلال فرض نسبة 35% على تسعيرة الدواء مما يضطر مسيري هذه النقاط إلى الشراء من الصيدليات الخصوصية نظرا للقدرة الشرائية المحدودة للسكان.
في المقابل يشكو المترددون على النقطة من غلاء الأدوية والعلاجات والتي بدل أن تكون مجانية يدفعون مقابلها ما لا يقل عن 700أوقية في المتوسط كما تقول مريم بنت أمبيريك من قرية البطحة والتي دفعت أزيد من 2000أوقية كثمن للأدوية والمعاينة.
في النقاط الصحية يطالب ولد أحمد بتوفير الطاقم الطبي وأقله ممرض وقابلة وكذا الأدوية بأسعار ملائمة فضلا عن حاجة الكثير من النقاط إلى وسائل للنقل تلائم التضاريس الصعبة في منطقة آفطوط مؤكدا في هذا السياق توفر النقطة التي يديرها على سيارة للإسعاف لكنها جعلت تحت تصرف العمدة ولا علاقة للمركز بها كما يتحمل المرضى وذووهم تكاليف الوقود في حالات اللجوء إلى خدماتها.
في النقاط الصحية لا يتورع المسيرون عن تقديم خدمات موازية لكنها مدفوعة الأجر عندما تكون تكلفة شحن الهاتف 100أوقية والاستشارة ب500أوقية والطهارة ب2000أوقية، فيما يكون التعامل مع بعض من ملاك الصيدليات في مقر المقاطعة أقصر طريق للحصول على عمولة معلومة من خلال التعامل نيابة عن المرضى وجلب الأدوية لهم من هناك عبر الهاتف النقال.
تحديات جمة لا زالت تكتنف عمل النقاط الصحية القليلة في آفطوط ليس أقلها وجود الطاقم الطبي الكفء وتوفير الأدوية بأسعار ملائمة وتمكين هذه النقاط من وسائل للتحرك والاتصال لكنها تحديات تظل ثانوية في ظل حالة العزلة والانقطاع عن العالم الخارجي التي تعيشها قرى آفطوط لاسيما في فصل الخريف.