العزلة في آفطوط: تداعيات خطيرة ومعاناة تتجدد

جمعة, 2016/08/05 - 06:54
الحمير لا تزال وسيلة النقل الاكثر استخداما في آفطوط

في فصل الخريف تتحول الطرق إلى أخاديد موحلة تقطع السبل وتعزل قرى عديدة في آفطوط عن العالم الخارجي لأيام فالتضاريس الصعبة للمنطقة حيث المرتفعات الصخرية والوديان المتعرجة ومجاري السيول المطمورة بالوحل والطين تشكل حاجزا منيعا أمام الوصول إلى القرى المتناثرة في سفوح المرتفعات وأعالي الهضاب.

قرى عديدة تصبح تحت رحمة السيول في فصل الخريف فلا يمكن الوصول إليها إلا بعد أيام من انحسار مياه الوديان وتراجع مجاري السيول المتدفقة من المرتفعات الصخرية التي تشكل امتدادا لهضبة لعصابة. في بوغول كبرى قرى آفطوط والقرى المجاورة تنقطع خطوط الاتصال بالسكان بعد سقوط أمطار قدرت فقط ب13 مم فيما يكون خط الاتصال الوحيد هو شبكة موريتل ومع كثير من التقطع والتشويش مما يمثل معاناة حقيقة للسكان يقول الشباب محمدو ولد محمد المختار.

وحدها السيارات الرباعية هي التي تستطيع الوصول إلى هذه القرى في فصل الخريف وبعد اتخاذ الكثير من الاحتياطات واصطحاب أدلاء خبيرين بمعابر الوديان ومعالم المنطقة وأحيانا يتحتم على ركابها الانتظار لأيام في انتظار انحسار السيل أو جفاف الأودية يقول السائق هيداله ولد البركه من بوغول.

واقع العزلة في آفطوط فرض الوفاء لوسائل النقل القديمة كالخيل والحمير والإبل لذا ليس من النادر مشاهدة قوافل الحمير أو العربات التي تجرها البغال وهي تنقل الركاب والأمتعة من هذه القرية لتلك وحتى المرضى إلى أقرب نقطة صحية.

يطرح رئيس النقطة الصحية ببوغول سيدي ولد أحمد مشكل توفير وسيلة نقل مناسبة تمكنه من التحرك إلى المرضى وإسعافهم في الوقت المناسب مؤكدا أن النقطة لا تتوفر على أي وسيلة للنقل ولا وصاية لها على سيارة الإسعاف التي تتولى البلدية الإشراف على تشغيلها لتظل طوال الوقت مرابطة أمام منزل العمدة في بوغول.

شكوى العزلة وبالتالي غلاء تكلفة النقل على كل لسان في قرى آفطوط خاصة في هذه الأيام عندما يعيش السكان في انقطاع عن العالم الخارجي لأيام وأسابيع بسبب الأمطار وامتلاء مجاري الأودية والأخاديد الصخرية العميقة التي تطوق المنطقة من جميع الاتجاهات.

في قرية البطحة ومد الله ولمبيزير حوالي 60 كم من أمبود تقف الطبيعة الصخرية شاهدة على معاناة متأصلة من العزلة وتردي الوضع المعيشي حيث يكاد السكان أن يهجروا قراهم فيما يكشف واقع خدمات التعليم والمياه والصحة عن تدهور كبير، وحتى المنشئات القليلة التي شيدت لخدمة السكان ظلت مهجورة أو شبه معطلة كما هو حال المركز الصحي في لكنيبه والذي انتهى العمل فيه قبل ثلاثة أشهر ولا زال خاويا على عروشه حسب مدرس القرآن بالقرية محمد يوسف.

وفي بوغول يعمل في النقطة الصحية التي تخدم أكثر من عشر قرى وتجمعات سكانية طبيب واحد فقط اضطر هذا العام للتضحية بعطلته السنوية -كما يقول -من أجل استمرار العمل في النقطة فلا أحد يرغب في العمل في هذه المناطق النائية على حد تعبيره.

وفي المدارس تكشف سجلات الحضور عن حركة تحويل واسعة للمدراسات بداية كل عام دراسي بسبب ظروف العزلة التي تعاني منها هذه القرى وذلك رغم وجود تعويض عن البعد يراه الكثير من الموظفين غير مجز ولا منصف حسب الطبيب ولد أحمد.

فك العزلة عن سكان آفطوط يراه الكثيرون منهم أهم مطلب لاسيما في فترة الخريف وهو أولى في نظرهم من إنشاء مدارس ومرافق صحية تظل معطلة وغير جاهزة في أغلب شهور السنة.

ومادام الرفع أو العلاج سيكون في أقرب مركز صحي فلم لا توفر الطرق السالكة إلى المدن القريبة فيتم إسعاف المرضى وجلب المواد الاستهلاكية بأسعار معقولة بدل صرف الأموال الطائلة على إنشاء مرافق لا تجد من يخدم فيها يعلق وداد ولد السالك من قرية بوغول.

في لكنيبه يقف الخزان الاسمنتي الضخم بالقرية شاهدا على وعورة الطرق وذلك عندما تم إجهاض المشروع الذي كان سكان القرية وضواحيها يعولون عليه في إنقاذهم من موجات العطش وشح المياه الذي يتهدد حياتهم طوال أيام العام، حيث يرى السكان أن العزلة كانت السبب وراء توقف المشروع وإلغائه بعدما أصبح في مراحله الأخيرة.

انعكاسات عديدة للعزلة ووعورة الطرق يتحدث السكان عنها هنا في آفطوط ليس من أقلها الإبقاء على الطابع البدائي للنشاط السكاني وكل الخدمات الأساسية وبالتالي تعطل عملية الإنتاج والتنمية على امتداد أراض زراعية شاسعة تحمل غلات وفيرة وثروات واعدة وسواعد فتية قادرة على العمل والإنتاج لكن واقع العزلة وتخلف وسائل الانتاج جعل السكان وكأنهم يعيشون في عهود بائدة كما يقول محمد أمبارك ولد محمد من قرية البطحه.

ارتفاع تكلفة النقل والانتاج عامل آخر للعزلة كما يشرح الناجي ولد الشيخ صاحب ماكنة طحن في بوغول مضيفا أن الراكب يدفع ما لا يقل عن 2000أوقية من أجل الوصول إلى بوغول والقرى المجاورة لها في هذه الأيام في حال وجود سيارة للنقل أصلا, أما كل السلع والخدمات الأخرى فلا يمكن الحصول عليها إلا بأسعار مضاعفة مما يذكي نار الغلاء ويفاقم بالتالي من تدهور الوضع المعيشي في آفطوط الذي يصنف ضمن أفقر مناطق البلاد.

وحتى دكاكين أمل المدعومة وحملات التطعيم والتقليح التي تتبع المصالح الحكومية تأثرت هي الآخرى من واقع العزلة في آفطوط فانقطعت أو تباعدت حركة التموين، وسجلت إصابات لأمراض فتاكة في جيوب معزولة داخل أفطوط لم تصلها حملات التطعيم أو سقطت من حسابات الإداريين والقائمين على المصالح الحكومية.

مجاري السيول تقطع الطرق وتغزل قرى بأسرها في فصل الخريف
سيول الخريف تقطع الطريق إلى آفطوط ولعدة أيام أحيانا