الوجه الآخر للخريف في آفطوط: عزلة وأمراض وصواعق

جمعة, 2016/08/12 - 13:26
عريش متهالك في لكنيبه بسبب الأمطار

في منطقة آفطوط تكتسي الطبيعة حلة قشيبة في الخريف، وتتحول السهول إلى مروج خضراء تتخللها جداول المياه الرقراقة التي هي امتداد لمجاري السيول ومجاري الوديان، عناق رائع بين الخضرة والمياه والكدى الصخرية والتربة الطينة الخصبة التي تخلع لونها البني الداكن على المياه والأشجار والمساكن والنباتات والحيوان.

مناظر خلابة وفرح وابتهاج بالخريف عندما تمطر السماء وينبت الزرع ويدر الضرع وتعطي الأرض بسخاء ويعود القرويون إلى قراهم وهم يمنون أنفسهم بغلة متنوعة وحصاد وفير بعد أشهر من المعاناة وطول الانتظار.

لكن جمال الطبيعة في آفطوط يخفي مظاهر أخرى لمعاناة التكيف مع تضاريس وعرة تفرض عزلة خانقة على المنطقة خلال موسم الخريف ومع تهديدات السيول الجارفة التي لا يمكن التنبؤ بها ومخاطر العواصف الرعدية المحملة بالصواعق الحارقة دون سابق إنذار.

عزلة خانقة

من أكثر منغصات الأمطار في آفطوط هو تلك العزلة الخانقة التي تفرضها على قرى المنطقة عندما تفيض مجاري السيول وتغمر المياه السهول والأدوية فتحيلها إلى منزلقات طينية خطرة لا يمكن اجتيازها إلا عندما تتوقف السيول وتنحسر المياه.

واقع فرض على الناقلين من أصحاب السيارات الرباعية أن يغيروا من أوقات رحلاتهم حيث أصبحوا يبيتون بأمبود وينطلقون في الصباح تجاه قرى آفطوط ليعودوا منها قبل حلول الظلام كما يشرح السائق حسني من قرية لمبيزيز ومع ذلك فقد تلجؤوهم الأمطار إلى المكوث لأيام أمام أحد المعابر في انتظار تراجع المياه وانحسار السيول.

وعروة الطريق إبان الخريف زادت من تكلفة النقل إلى قرى آفطوط كما يقول محمد أمبارك من قرية بوغول عندما يفرض السائقون أجرة لا تقل عن 2000أوقية من أمبود عن الراكب الواحد أما في العودة فلا أقل من 1000أوقية مما يضيف أعباء جديدة على الأسعار التي عادة ما تكون في أوج ارتفاعها خلال هذا الموسم.

ويشخص محمد أمبارك العزلة وشح المياه كأبرز المشاكل المطروحة على سكان آفطوط خلال موسم الأمطار مطالبا ببناء جسور فوق معابر السيول كما كان الحال في العقود الأولى من عمر الدولة عندما كان محور روصو –أمبود –كيفه أنشط الطرق البرية في البلاد ولا زالت أطلال بعض الجسور والمعابر التي بناها المستعمر شاهدة حتى الآن على أهمية هذا الطريق الوحيد الذي كان يربط جنوب البلاد بولايات العصابة والحوضين.

على بعد أمتار من الحامضية 20 كم شمال أمبود جرى ترميم أحد هذه الجسور ليكون المعبر الوحيد إلى قرى آفطوط التابعة لبلدية سوفه ، فيما تناثرت صلات المجاري الأخرى كأطلال خربة شاهدة على مدى الإهمال والمماطلة في الاستجابة لمطالب السكان التي يأتي على رأسها فك العزلة وتوفير الماء الشروب.

مساكن ومنشئات هشة

الأعرشة والمباني الطينية الهشة كثيرا ما تتضرر خلال موسم الأمطار لذا يحرص السكان على عادة طلائها بالطين والأزبال قبل حلول موسم الأمطار كما يشرح محمد يوسف من لكنيبه والتي تسببت الأمطار في تهاوي بعض الأعرشة والمباني الطينية فيها.

ويظل الأكثر تضررا من الأمطار المساجد ومباني المدارس بفعل انعدام الترميم وتدني الخامات المستعملة في البناء والتي في الغالب الطين والحطب وعيدان "التورجه" كما يقول أسلم ولد محمد إمام مسجد قرية يقطع وطيه وهو يتتبع آثار تساقط المياه على الجدران وداخل باحة المسجد المبني من الطين والمسقف بعيدان الحطب وجذوع الأشجار مطالبا الخيرين بالمساعدة في بناء مسجد من الأسمنت لسكان القرية التي تؤوي أزيد من 100أسرة.

في بوغول كبرى قرى آفطوط كان تبرع فاعل خير من الخليج كفيلا بالاستجابة لمطلب السكان في بناء مسجد أسمنتي كبير بالقرية يشتمل على مسكن للإمام وقسمين للمحظرة وعلى دكان وقفي.

وفي قرى عديدة جاء بناء أول مسجد بدعم ومساندة من مبادرة آفطوط لتحفيظ القرآن الكريم والتي تنشط في قرى المنطقة منذ أزيد من عقد ونصف كما يقول الشيخ عبيدا أحد مؤسسي المبادرة والفاعلين فيها.                                                                      

مخاطر صحية  

في المقابل لا تقتصر تأثيرات الخريف على العزلة والاضرار التي تلحق بمباني ومساكن القرويين الهشىة بل تتعدى ذلك لتتحول إلى مشكل صحي يؤرق سكان المنطقة عندما يعتمد السكان وبسبب شح المياه الصالحة إلى شرب ماء المستنقعات والبرك التي تخلفها الأمطار مما يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة كانتشار الاسهالات وتفشي العدوى بالدزانتاريا المعوية بين الأطفال وكبار السن كما يقول رئيس النقطة الصحية ببوغول سيدي ولد أحمد مؤكدا أن كثرة البرك ومجاري المياه أوجدت بيئة مثالية لتكاثر البعوض خلال فصل الخريف وبالتالي ارتفاع معدلات الاصابة بالحميات خاصة الملاريا.

وهو ما يؤكده الوكيل الصحي بلكنيبه محمد ولد امينو عندما يتحدث عن معاناة السكان من الأمراض المعوية والاسهالات والحساسية والحميات بسبب شرب المياه المطروحة التي لا يجد السكان غيرها في هذا الموسم.

وفي بوغول تحاصر برك المياه البئر الاسمنتية التي تكون الملاذ الوحيد للسكان خلال فصل الصيف رغم ارتفاع نسبة الملوحة بمياهها التي قد تؤدي إلى ارتفاع الضغط وحصوات الكلى كما يقول الطبيب الرئيس بالقرية.

ظواهر غريبة

الطبيعة المعطاء في آفطوط قد تسفر عن وجه آخر أكثر قتامة خلال موسم الأمطار حين تتحول العواصف الرعدية إلى بركان ثائر يرمي بحممه من الصواعق فالمؤشرات تدل على ارتفاع سقوط الصواعق في هذه المناطق وتحتفظ العديد من الأسر بذكريات حزينة عن شهداء قضوا حرقا بسبب الصواعق كما يقول وداد ولد خطري من بوغول والذي فقد ابن أخيه قبل سنتين بسبب صاعقة رعدية.

كما تكثر في مجاري الوديان حجارة "المغارة " الحمراء والتي لا توجد إلا في أماكن سقوط الصواعق حسب بعض الروايات والمعتقدات الشعبية.

مساجد الطين وجذوع الأشجار الأكثر تضررا في الخريف
برك المياه تحاصر البئر الاسمنتي في بوغول
مستنقعات المياه تطوق المباني والمساكن الطينية في آفطوط
الطبيعة الغادرة لعواصف الخريف قد تحمل مفاجآت غير سارة للسكان