الحــراطــين والمتقولون عليهم: الثابت الواقع، والمتغــير/ الجزء الأول
الثلاثاء, 12 أكتوبر 2010 09:41

 

في وقت دأب فيه أبناء الطبقة المسيطرة في موريتانيا على التظاهر والتحيز لقضايا الإنسان خارج الوطن، والتعبير بشتى الوسائل عن وقوفهم مع ضحايا الظلم في فلسطين والعراق وغيرهما، فإننا نجدهم - عندما يتعلق الأمر بالأرقاء ومعاناتهم  في موريتانيا- يسيرون عكس التيار و يكثرون اللغط والحيف دونما حياء.

 

 

فعلى الرغم من المكانة التاريخية للحراطين في تركيبة المجتمع الموريتاني ودورهم الاقتصادي، تلك المكانة و ذلك الدور اللذان ، بموجبهما، يستحقّون، ليس فقط رد الجميل والاعتراف بالفضل لهم، بل  كان ينبغي أن تكون أولوية وتجليات ذلك التحيز  منصبة تجاههم، فيما لم يواجهوا بغير التنكر والخذلان. رغم أن الحرطاني هو  ذلك الإنسان الذي خدم وربّى وطبخ وغسل أوساخ السادة ودافع ويدافع عن كينونة الوطن في أوقات المحن والشدة.. إنه هو من دافع عن القبيلة وساهم في إعطاء انطباع –مبالغ فيه أحيانا ـ عن وجود كيان موريتاني، وإظهاره بالصورة اللائقة. وبالتالي كان أحق بالمناصرة والتحيز وتجريب "معتقدات " السادة الفكرية على واقعه.

إنها مفارقة عجيبة، تبدو عند الوهلة الأولى محيرة بعض الشيء، فالعالم كلّه ـ باستثناء بعض أهل موريتانيا ـ يكاد يسلم بحتمية التطور والتعامل مع أية ظاهرة كمعطى جديد ينبغي بذل الجهد لفهمه والاستفادة منه إن أمكن. لكن أهلنا (البيظان) لديهم نفور منفر لنا ومناعة قوية ضد ظاهرة  تنامي أصوات الحراطين المطالبة بالعدل والإنصاف...

بادئ ذي بدء سيكون مقالنا هذا مبسطا وبسيطا كحالنا وبلغة لا تنطلق إلا من واقعنا كضحايا. كما سنتجنب قدر الإمكان التقمص أو الزخرف والتنميق اللفظي والابتعاد غير المخل عن المصطلحات الأكاديمية أو المعقدة التي هي في العادة ملك لسادتنا. فنحن هنا سنشذ عن قاعدة ابن اخلدون في "كون المغلوب دائما وابدآ مولع  بتغليب أو تتبع الغالب". فأنا بطبعي لا أحب تقليد الآخرين حتى وان أوقعني ذلك في  بعض المشاكل. كما سوف أحاول التغلب على بعض عيوبي الكثيرة، وإن لم أفلح في كل ذلك،  فأنا متسامح بطبعي ونفسي أولى علي بالمعروف.. إذن لغتنا هنا ستكون تعبيرا صادقا وممثلا أمينا  لحقيقتنا كضحايا.  ولا ندعي غير ذلك. وبهذا نكون قد أعفينا أنفسنا من مجاراة لغة أمريء القيس أو لغة فولتير  تاركين ذلك لـ"السادة". وإنما سنعتمد –كما قلت- لغة مباشرة، تجد جذورها في أعماق تفكيرنا ومعاناتنا...

 

إن ما يطالعنا في مقالات وبيانات ومهاترات المتقولين  من اتهام لنشطاء الحراطين بتهديد "الوحدة الوطنية" ومحاولة زرع الفتنة والسعي لتفكيك نسيج المجتمع، واتهامهم بالعمالة للأجنبي، بل للصهيونية (كل هذا بدعوى هاجس الغيرة على الوطن) ليدعو إلى التساؤل المشروع: هل  كان من بين الوفود التي  زارت الكيان الصهيوني حرطاني واحد؟ هل كان من علماء  السلطان (علماء "بنافه") في موريتانيا حرطاني واحد شرع أو طبل؟ هل من بين صحافة الارتزاق في موريتانيا، والتي دخلت على خط الدعاية  والتبرير للعلاقة مع الكيان اليهودي، حرطاني واحد؟ هل من بين المنظمات والجمعيات التي طبلت وزمرت لتلك العلاقة منظمة واحدة للحراطين؟.. ولأن البيظان يملكون موريتانيا بحجرها وأرضها وسمائها وسمكها و"دينها"،  فقد كان بإمكانهم إدخال حراطين في صفوف تلك الأطقم، إلا أنهم لم يفعلوا؛ لأن  سادتنا كعادتهم -عبر تاريخ موريتانيا- لا يعترفون بأية مكانة للحراطين ولا يقبلون منهم المساهمة أو المشاركة في أي "مجد" أو خيانة. أما البيظان فمسموح لهم بالانتفاع المادي والمعنوي  حتّى ولو كان بعمل ينافي المعتقد  ويخون الوطن؛ فهمهم هو الكسب المادي  وبكل الطرق.

 

إن الحيز الأكبر من ذلك الهجوم الفارغ، قد انصب- كالعادة- على النشطاء الشرفاء من الحراطين، وبلغة وأسلوب تغلبت عليهما الفظاظة؛ إذ لم يترفع أحد منهم (كبيرهم وصغيرهم، وضيعهم وشريفهم، مثقفهم وجاهليهم، مدنيهم وعسكريهم) عن ذلك الأسلوب. إنه  إفراغ لما في الجمجمة من ثقافة التحقير والبذاءة: من سب وشتم وقذف ضد الحراطني. ويستوي في ذلك القذف والسب كل حرطاني سواء تعلق الأمر بالسيد مسعود ولد بلخـير، رئيس الجمعية  الوطنية، أو تعلق بدكتور أو متعلم تفترض الأخلاق السليمة معاملته بشكل أكثر تحضرا ولطفا. ووفقا لمقتضى الحال فالحراطين معاملتهم واحدة، لان دماءهم واحدة وحالتهم الاجتماعية التي لا تؤدي إلى التفاضل بينهم في المعاملة واحدة. وكما أن الكل تعود على امتهانهم وإهانتهم، فان متعلمي هذه الطبقة -ملاك العبيد- كانوا أكثرا إخلاصا ووفاء لثقافة الاسترقاق والازدراء بالحراطين.

أما إذا تعلق الأمر بالناشط المتمرد الأخ المناضل بيرام  ولد اعبيدي، المغضوب عليه اليوم،  (كما كان مغضوبا على مسعود  ولد بلخـير أول أمس، والمختار أمس، وربما الساموري اليوم، وآخرين غدا) فإن العامل الموحد لتحامل  هؤلاء  الاستعباديين انصب -كعادة هذا المجتمع المخلص لثقافته العنصرية المشبعة بالنظرة الدونية للحراطين ـ على محاولة النيل منه شخصيا. لذلك نقرأ ونسمع كلاما ليس بالجديد مثل :َ"تطاول هذا العبد الآبق" أو "لعبيد الخائن، البائع لوطنه، لعبيد الناقم .الانفصالي..الباث للفتنة...". ثم التركيز على فبركة أمور شخصية تافهة، وإلصاقها به دونما  محاولة لنقاش آرائه والرد عليها أو تفنيدها، إن أمكن.  بل ما زالت صفحات الجرائد والشبكات تزخر بالعجب العجاب. أما إن كان ثمة جديد في هذه "الثقافة" – ثقافة سب وقذف الحراطين- فهو ما نلاحظه، مؤخرا،  من تصاعد وتناغم وتيرة الضغط، وتعمد إضافة الاتهام بـ"العمالة للأجنبي". وهي عبارة نابعة من طبيعة  وتفكير "السادة" المادي والموغل في العمالة والفساد، والتي تعتبر أن كل دفاع عن قيمة الإنسان  لابد أن يكون وراءه نفع مادي مدفوع، و أن الحرطاني، بحكم "طبيعته"، - في نظرهم- لا يبادر و لا يمكن ان تصدر منه دعوى ذاتية للحرية؛ بل لابد إن يكون دائما مأمورا: (عرش أعلندَ ما يوكف وحدَُ)...

نبادر إلى القول هنا بأننا لسنا بصدد الرد على تلك المغالطات والأقاويل والأباطيل؛ لأن الأمر أكبر وأهم عندنا من أن يُحصر في مجرد رد أو الدخول في جدال عقيم  لا نتبناه عادة وليس من أولوياتنا. ذلك الجدال الذي يعد فلسفة  السادة "الأفلاطونية" والتي ورثها أحفاده في موريتانيا ( الطبقية عند أفلاطون: سيطرة النبلاء والمتفلسفين على هرم المجتمع، وهو النظام السائد في موريتانيا منذ النشأة وحتى الآن).

إنه الأسلوب الذي يعتمده "السادة" في موريتانيا منذ بعض الوقت، إنها فلسفة يتقنونها؛ فـ"قيمة" الحراطين، وفقا لهذه الفلسفة، لا تتطلب أكثر من أخذ احدهم  قلمه، ثم يبدأ بالتفلسف قائلا  بنبرة التعالي والآمرية الظالمة: "إن الحراطين مشكلتهم كذا وكذا.. إن الحراطين يحتاجون إلى كذا. .. مشكلتهم اقتصادية... ليس هناك رق بل آثار".. إنه التمسك الأعمـى بالإنابة عن الحراطين في ما  يريدون التعبير عنه بإمكانياتهم البسيطة..

كما أننا لا نرمي في حديثنا هنا إلى التركيز على الدفاع عن الأخ المناضل والناشط  بيرام، فذاك وإن كان حق له علينا إلا انه حق يصطدم أحيانا ببعض الحقائق الجوهرية التي نعطيها  اليوم الأولوية في هذا المقام، ولأن الأمر اكبر من أن يحصر في مجرد دفاع عن شخص حتى ولو كان بحجم المناضل بيرام، أو أي زعيم آخر، ولعدم  قناعتي شخصيا بتبني فلسفة الدفاع عن الأشخاص الذين يزاولون نشاطا عاما، ويتناولون قضايا كبرى، خاصة الإنسانية منها كقضيتنا.

كما أننا في هذه السطور سوف نوجه أسئلة محورية إلى شركائنا في الوطن ومن بعدهم إلى كل الخيرين في العـالم  من أصدقاء  ومهتمين بالشأن الموريتاني.

 

إذن الذي أريد قوله في هذه السطور المتواضعة  والصريحة والمباشرة،  أصالة عن نفسي ونيابة عن والدتي وجدتي المستعبدتين وعن كل الحراطين، هو ما  ينبغي ان يـُـصدع به في هذا الوقت وأمام هذه الزوبعة الفاسدة والمواربة.. سأقول ما أحس وأشعر به باعتباري أحد ضحايا ثقافة البيظان وممارساتهم  الاستعبادية، عسى أن يسهم في خلق أرضية مشتركة تحدد طبيعة "المأزق والإشكالية" التي تواجه الجميع اليوم: أي تشخيص لبعض معاناتنا وأناتنا وما نسعى إلى تحقيقه في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخينا النضالي ضد الظلم والتجبر.

أذن  لنستهل حديثنا ببعض الأسئلة التي نرى انه قد آن الأوان لطرحها، آملين  أن تجد من يجيب عليها، ولعل  وعسى أن تكون محاولة الإجابة عليها فرصة لاستبيان  حقيقة وطبيعة مشكلتنا نحن الحراطين المستعبدين في موريتانيا. تتعلق هذه الأسئلة أساسا بدلالات العبارات الواردة في خطابات أولائك الذين انبروا لنباحنا ووصفنا بأشنع الأوصاف وتخويننا في  قضايا هم أول من داسها وأزاح القدسية عنها، فيما يصفوننا في ذات الوقت، وعلى هامش نفس الهجمات، بـ"الإخوة" أو "العين وبياضها!" وفقا لـ"إنسانيتهم" ووطنيتهم وقوميتهم "وتدينهم" وفهمهم للوحدة الوطنية!..

 

وصفونا بـ"الخيانةّ"!

فمن الذي يخون موريتانيا وقيمها؟  ومن الذي يعمل ضد الوحدة الوطنية؟ ومن عمل على تحطيمها في الماضي من خلال المجاهرة علنا بالانتماء لغير موريتانيا؟ وهل ذلك يدخل في دائرة المباح أو الممنوع في مفهوم الوحدة الوطنية؟ أم انه جزء أصيل من  اختصاص ومسؤولية مالكي العبيد في موريتانيا؟ أم انه هو الآخر حق كحقهم في التصرف نيابة عن الحراطين واعتبار ذلك التصرف أصل من أصول "ممارسة واستعمال الحق" أصالة؟

هل مجرد مطالبة الحراطين بحقوقهم الانسانية والاخلاقية والوطنية دليل كاف على خيانتهم؟! ثم خيانتهم لمن؟ لأنفسهم أم لسادتهم؟ هل كان من السهل تصور وجود "عقد" أو "عقد اجتماعي"  بين الحراطين وخصومهم، عقد لم يكن الحراطين طرفا فيه بإرادتهم وبالتالي صعب تخيل أو تصور أن يكون الحراطين  في واقعهم لم يخونوا أحدا وإنما يبحثون عن إيجاد "عقد اجتماعي" أو على الاقل مساكنة سليمة  وسلمية تجمعهم وكل ساكنة موريتانيا، وأن تكون   مبنية على أسس حقيقية..

الغيرة على الوطن واتهام نشطاء الحراطين بتهديد الوحدة الوطنية!

في مصلحة من وحدة موريتانيا؟ وعلى أي أسس قامت تلك الوحدة أصلا؟ ولماذا قامت؟

منذ  بعض الوقت  ونحن نراجع طبيعة تلك الغيرة  ونتفحص ذلك الحرص ونضعه على كفتي  ميزان  الواقع. فما وجدنا لذينك المفهومين أي أساس يمكن الارتكان إليه. واليوم -إذ بلغ السيل الزبى وكاد الصبر ينفد-  نطالبكم يا سادة، يا متقولون أن تراجعوا  حقيقة وطبيعة غيريتكم ومفاهيمكم  من جديد؛ عسى ان تهتدوا  إلى ما يقربكم  إلينا أو ما من شأنه الإسهام في إيجاد أرضية مشتركة صلبة بيننا... وطبعا لن يكون ذلك بالإنكار والتمادي في ظلمنا وتجاهل وجودنا ككيان حقيقي...

هل الشعوب التي تدعو للوحدة، دعت لها من منطلق  واقعي مبني على منطق سليم ومؤسس على مراعاة  مصالح كل أفراد و مكونات تلك الجماعة التي تراد وحدتها والمحافظة عليها؟ أم غير ذلك؟ وما هو الفرق بين المتباكين على وحدة موريتانيا وتلك الشعوب؟

إن غيريتكم  وحرصكم على وحدتنا لا نجد له من مبرر في الواقع سوى الرغبة الجامحة في إبقائنا عبيدا؛ ونحن لا نملك من شواهد الواقع  ومجريات تاريخكم إلا ما يؤكد ذلك. يبدو أن وحدتنا معكم تستعمل لإظهار التفوق العددي  في وجه الزنوج الموريتانيين، وفي أحسن الأحوال ضمنا  إلى الأمة العربية "المجيدة". أهذه هي زبدة الأخوة؟! أية غيرة تلك إلا إذا كان المقصود منها "تربية أو تسمين  الشاة لذبحها" على حد قول المثل الشعبي.

فإذا كان حرصكم و"حقكم" في الوحدة هو كما خبرناه وجربناه،  فاعلموا  انه ليس بالضرورة حقنا، وليس هناك ما يدفعنا للحرص عليه. وإنما لنا حق آخر نحن مضطرون بل وملزمون  ومطالبون  بالدفاع عنه: إنه الحق في الحرية، الحرية، الحرية...

 

قالوا بأن العبودية زالت و حلّ محلّها التكافل الاجتماعي و الأخوة والعصبية!

 

هل أصلا هناك تكافل بين العبد والسيد؟ بمعنى آخر: هل في الظلم تكافل؟!.. بعبارة أخرى: هل اعتبرت الشعوب التي استـُعمرت أن للاستعمار قيم تكافلية مع ضحاياه المستعمَرين؟ وهذا يقودنا إلى  سؤال آخر: أيهما أسوأ: الاستعمار الذي عرفناه في موريتانيا أم الاسترقاق الذي عشناه قبل الاستعمار وإثناءه  وبعده؟

أي إحساس بالتكافل هذا؟ كيف تعمل على امتهان إنسان في وجوده وكرامته ثم تعطف عليه؟ لماذا الأسياد لا يعطون الزكاة و الصدقة للعبيد  في موريتانيا مهما كان فقرهم؟.. سيد يرى أن وجوده المعنوي قبل المادي مربوط بوجود عبده، مثل سيدة مرحلة إلى أهل زوجها ومعها "خادمْ امْبـَـمْبْـيَه"، أ في هذا تكافل؟ أم أنه  التصاق ألإخطبوط بفريسته؟ (التصاق القرادة بدم الجمل)؟!

أما الأخوة فلم نر لها أثرا. لقد عايشناكم  في "الاجتماع" وفي القبيلة وفي التجمعات السياسية والاقتصادية..  ولم نحس بأية إخوة خارج علاقات الامتهان والاحتقار والدونية. أهذه هي الأخوة؟!  حسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم إن كنتم  تريدون منا  الاعتراف  بإحساس لم نشعر به، ولا نمتلك دليلا على وجوده. أ هو نوع جديد من الإكراه (اتـْـهَـنـْـتيتْ)؟.. إنها ثقافة الاسترقاق بكل ما في الكلمة من معنى!. لا، لم نشعر بدفء الإخوة منكم ولا بالعصبية، كيف ونحن نسمع حتى الآن: "أعبيدْ أهل فلان..أدباي أهل فلان.. احراطين أهل فلان"؟ ..  أي طيش هذا وأي ظلم وأية مغالطة، ونحن شهود عيان على تنكركم لنا حتى كتابة هذه السطور!! أليس وقفوكم الآن ومهاجمتنا والتمعن في محاولة طمسنا  واحتواء أصواتنا بطرق مكشوفة وساذجة أكبر شاهد على ذلك؟. إن غيرتكم علينا ليست أكثر من اعتبارنا مجرد  أرقام تتباهون بها، إما بين القبائل أو في موازاة الزنوج، وإنها لمقاصد تجرحنا في كينونتنا؛ لأنها تؤكد لنا  حقيقة دوافعكم، والحرص على مصلحتكم التي تربيتم على عبادتها، ليس إلاّ.. إلا إذا كانت إخوتكم  في عالمكم المتخيل، المتناقض مع إحساسنا. إن كنتم يا "سادة" تعتقدون أن الحراطين  منكم، أو -على حد تعبير بعض منافقيكم- "العين وبياضها"، فـ"الأقربون أولى بالمعروف". لكن يبدو أننا أمام حالة إنسانية شاذة وفريدة من نوعها، و"أخوة" غير لا تقتنعون بها.

آن الأوان كي نقول لكم بأن إحساسكم قد  فشل في الوصول إلينا. لابد انه  يختلف عن إحساسنا وشعورنا، أم أنه في حالة متبلدة "غير فعالة"، وليس في الأمر غرابة؛ فمتى كان هناك تطابق بين إحساس السيد  والعبد؟! إحساسكم المزيف مصدره الشعور بالفوقية والكبرياء،  أما إحساسنا فهو وجودنا وآمالنا ورؤانا التي نرى أنها متطابقة تماما مع إدراكنا لمعنى قوله تعالى:{يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق  منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا} -النساء-.

نعم، لا نجادلكم في أن أصلنا واحد؛ ننتمي كلنا لآدم وحواء -إذا قبلتم بذلك- لكن هذا الأصل أنبتَ الله في تكوينه طبيعة الاختلاف والتعدد..فالاجتماع اليوم لابد ان يكون ذا معنى إنساني وبإنصاف وتوافق مع إرادتنا...

تتحدّثون عن الثوابت الوطنية

فهل ثقافة العنصرية هي جزء من الثوابت؟

من الذي يدافع حقيقة عن الخطوط الحمراء؟ من منا  يرابط في الحدود دفاعا عن الوطن؟ هل من الثوابت امتهان الحرطاني الجندي وجعله مجرد خادم منزل وقت السلم، وجندي على الخطوط الأمامية في الحرب، كما يجري هذه الأيام؟  إشاعة الفاحشة بين الحراطين (ولد أم الخير، ولد زينابه، ولد اعويشة، ولد امبيريكه) قبل أن تنتشر وتطال "الحرائر"، أ يعد ذلك من الثوابت؟ هل اغتصاب  ضابط كبير مثل فياه ولد معيوف لإسلكه بنت أم الخير جزء من الثوابت؟ توزيع ونهب  السمك بين السادة حصرا، وإفساد أرض موريتانيا بالنفايات النووية والسامة، وتفضيل العمالة الأجنبية على حساب الحراطين اليوم، والتخلي عن السيادة للفرنسيين مقابل تنصيب ولد عبد العزيز حاكما جديدا لفرنسا في موريتانيا، وإثقال شعبنا وأجيالنا بقروض تذهب مباشرة الى جيوب الخونة، وتكريس جنود الحراطين لعبور الحدود الدولية  لإنقاذ فرنسيين مخطوفين، وتعبيد الطريق مجددا للاستعمار للعودة من الباب، هل  كل ذلك من الثوابت؟ وهل من قام ويقوم بذلك هم من نشطاء الحراطين؟

من الذي جعل الثوابت الوطنية  متغيرات؟  ولمصلحة من تلك الثوابت؟ وما هي أركانها وأسسها؟ ومن الذي باعها ويبيعها بأبخس الأثمان؟ من منا  ليس له إلا موريتانيا؟ ولا يدعي الانتماء لغيرها؟ من الذي باع الثروات الوطنية للغير؟ من كان وما يزال يجاهر ويفاخر بالولاء للغير: لليمن، لليبيا، للسعودية، للمغرب، للسينغال...؟ من يقاتل أبناء السادة لصالحه ويتظاهرون لصالحه ويجمعون المال لصالحه ويتشرفون أو يدعون الانتماء والاخوة فعليا له؟

( حرام على بلابلها الدوح – حلال على الطير من كل جنس).

بالطبع ليس نشطاء لحراطين. هل كل ذلك من ثوابتكم التي تحاولون إرغامنا على  الانصياع لها؟

يبدو أن  جريمة وخيانة الحراطين  تكمن في  محاولتهم شق عصى الطاعة ومطالبتهم بأن يكونوا إخوة أحرارا في الوطن، لهم ما للآخرين وعليهم ما على الآخرين. وواضح أنكم  لا تحافظون على الثوابت التي  نحن وانتم –ربما- نتقاسمها. إذن وحدة مرتكزها الأساسي هو الإبقاء على استعبادنا وظلمنا وإكراهنا، لابد أنها  تحتاج إلى إعادة النظر.

 

أنا هنا لست معنيا بالإجابة على هذه الأسئلة، وإنما سأركز على ما أريد قوله في هذا السياق، مسترشدا بحال أمثالنا من الذين كتب الله عليهم أن يعانوا كما عانينا: من رق وظلم  وجور مبطن من قبل البيظان في موريتانيا، فنقول : إننا لم نعد نقبل  بوحدة أساسها الظلم وغايتها  وهدفها الإبقاء على منظومة الرق مزدهرة. إننا نعلن تبرمنا  من السيطرة  علينا. إننا نرفض خنقنا  بثقافة  ازكمت رائحتها الأنوف.. لم نعد نسلم أو نستسلم لوحدة أنهكتنا وأثقلت عقولنا، أفقرتنا وجردتنا من إنسانيتنا، أهانتنا بثقافتها وفلسفتها الضحلتين.. وحدة تدمر وجودنا. إن وحدة هذه  هي مزاياها ومعالمها، لسنا معنين بها ولا معنيين بالدفاع عنها.

يرموننا بالعمالة للخارج:

العمالة للسفارات الأجنبية والمراكز الثقافية والتفنن في أساليب جلب التمويل هي ما أضحت موريتانيا – بلا منازع- تمثل ثقافته  بامتياز... فالسادة يقومون، نيابة عن الحراطين، لكن لمصلحة أنفسهم،  بمطالبة الدول بمساعدات مالية: تمويل مشاريع، خطط اقتصادية... لينتهي الأمر بحصول مساعدات أو قروض.. دون أن يشعر الحراطين او يعلموا بذلك إلا عند مشاهدتهم مظاهر الغنيمة وقد قسمت بين السادة  وأبنائهم. فها هم  الأبناء يتجولون بسيارات رباعية الدفع رغم أنهم في الغالب ليسوا بحاجة إليها، وها هي الرحلات إلى أوربا للسياحة ..هاهي الفيلات  والمنتجعات، ها هي الإعراس والزيجات (أعراس "الدعارة الحلال" على حد تعبير الكاتب عبد الله كمال). بينما الحراطين يموتون بداء الرئة، الكبد، الفشل الكلوي، الحمى، الكوليرا، الملا ريا.. ثم الجوع والعطش.. أنتم  أيها السادة من يبيع قضية  الرق للدول والمنظمات، ومنذ أكثر من 20 سنة والدولة وجماعات من غير الحراطين تتلقى  أموالا وقروضا دولية معتبرة  بحجة التخلص من "آثار الرق" حسب تعبيركم.. هذه الآثار التي لا تزال تراوح مكانها!.

 

نعتقد أن هناك واجب وضرورة ملحة في أن نرى بصمات الحراطين في تشكيلة وطن هم مكون أصيل وأساسي فيه. فنحن لم نوكل أحدا في خياطة وتفصيل وطن على مقاسه هو وحده. وطن  على شكل إكراهي وقسري لم يعد خيارنا الأول، خاصة عندما   نكتشف ان ذلك التشكل حدث  لهدف وحيد، ألا وهو تدميرنا. لابد من زيارة  ذلك البناء لوضع بصماتنا على كل العناصر الأساسية المكونة له.. لابد من زيارة الترسانة القانونية الظالمة التي كتبت نيابة  عنا حتى وفي الفترات التي أصبحنا  فيها قادرين  على  التعبير والمساهمة في  صياغة النصوص القانونية التي تحفظ  حريتنا وتنصفنا ومن ثم تضمينها آلامنا وآمالنا رغم مطالبنا بذلك سلميا .. إننا أصحاب حق أصيل يندرج ضمن كل الحقوق التي احترمتها وكفلتها وضمنتها كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، تلك الحقوق التي كافحت وتكافح الشعوب المظلومة من أجل تحقيقها. نحن كضحايا لم نشارك في ترسيم تلك "الخطوط" التي كان هدفها الوحيد هو استعبدنا وامتهاننا؟....هل فكر  سادة الحراطين أن اليد أو الأيدي التي وضعت ملامح  تلك الخطوط الحمراء ليست أيدي مقدسة ؟! إذن هناك دائما احتمال ظهور أياد سليمة  لتقوم بمحو خطوطكم  وإعادة تشكيلها على أسس سليمة، بل بناء جدران على أسس أقوى: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم و الله لا يهدي القوم الظالمين}-109- سورة التوبة. {تعالوا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.. تعالوا الى كلمة عدل وحق، وأن ينصف بعضنا بعضا . لنضع أمامنا ونعزم على بناء سد كسد ذي القرنين، يحمي ما نتوافق عليه: {فما استطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا}، سد يحمي موريتانيا مما هي قادمة عليه من ويلات انتم زارعوها.  إن وطنا خطت معالمه  في غفلة من الزمن و في دورة من دورات التاريخ الحالكة،  لا مناص من العودة إليه لتقييم استقامة تلك الخطوط من عدمها، فهي ليست بمنآى من التعرض لها بمنطق سليم لتنقيحها. أما النعيق والشهيق  فلن يوقفا حركة شعب مظلوم.

إن الاجتهاد والإصرار في تجاهلنا ومحاولة تفتيت الحراطين وزرع الفتنة  بينهم، هي سياسة  وأساليب قديمة أثبت التاريخ والواقع ان فعاليتها جد محدودة وان نتائجها مؤقتة؛  فإذن لا جدوائية في حشد الطاقات الفارغة لتشويه نضال أي فرد من الحراطين؛ فلن يصمد ذلك أمام الواقع  ومرارته التي تدفعنا وتحثنا أكثر فأكثر تجاه التعبير عن كينونتنا  وكرامتنا المجروحة، والسعي لتحقيق حريتنا كاملة دونما منة أو تكرم من أحد؛ فالوعي بالذات وتفاقم المعاناة هما اكبر دافع  وحافز لزيادة الزخم الحركي والتكاتف  الذي تشهده حركتنا في اتجاه تحقيق الهدف. ولأن الحق يعلو ولا يعلى عليه  مهما طال الزمن، فالقافلة تسير... والمعوقة تصيح.

أيها "السادة"، اذا لم تراجعوا  طبيعة علاقتكم الظالمة إزاءنا، فلا مندوحة عن  وقوع طلاق  باتّ مع وحدتكم الظالمة والزائلة لا محالة بإذن الله.

إن تنصيب السادة البيظان أنفسهم للتعبير عن آمالنا وأحزاننا وطموحاتنا، سلوك غير عادل، سلوك قد جربته قوى الطغيان والاستعمار من قبل. وما وقع لإخوتنا في الجزائر ليس ببعيد عنكم، إذ ادعت فرنسا الاستعمارية جزائرية الجزائر وجثمت عليها لأكثر من مائة واثنين وثلاثين سنة، خرجت بعدها فرنسا ذليلة صاغرة وامتلك الجزائريون زمام أمرهم أصالة عن أنفسهم، والأمثلة كثيرة. فحري بكم  -يا ملاك العبيد- أن تبذلوا جهدا أكثر لإقناع أنفسكم، وأن تعترفوا ولو للحظة أننا نحن الحراطين  بشر: نحس، ونتألم، لكن أيضا ننمو ونفكر ونطمح ونشعر بالمسؤولية. لتدركوا أن مأساتنا سببها هو أنتم وليس  غيركم؛  فلكم الخيار في  أن تعوا الأمور على حقيقتها أو أن تستمروا في نشر الأباطيل والأكاذيب والدعاية الفارغة... أما الاجتهاد في نفذ "الزبد" الذي لن ينفع الناس، والتحامل الظالم على نشطاء الحراطين، الذي يعكس مدى استهتاركم وسوء فهمكم وتقديركم للوطن والوطنية، والتمادي  في دوس معانيها وقيمها، وتجاهلكم لظاهرة تنامي وعي الحراطين بوضعهم، فلن تكون له الغلبة بإذن الله، لأنه باطل، والباطل لدينا ما يدمغه، وهو "الحق".

إن الحملة التي  نواجهها من قبل أدوات الظلم من أدعياء الثقافة، بألقابهم المختلفة: دكاترة، صحفيين، كتاب. بالإضافة إلى يافطة الألقاب الجديدة (مفكر، علامة).. والكل طبعا من شريحة البيظان أو ممن كان مستلبا كضحية. ومحاولة وضعها في غير سياقها  وتسخيرهم في خطط فاشلة قبل إعلانها (وثيقة حزب الاصطلاحيين الاسلامويين وحلف الفضول الجديد وغيرهم)، والتحامل على المناضلين من أبناء هذه الشريحة، أمور لا مبرر لها ولن يكون لها أي أثر ايجابي لا على أصحابه ولا على موريتانيا، كما لن يساهم في إيجاد  حل جذري وحقيقي  وعادل لقضية مؤلمة طرفاها هما: البيظان السادة ممارسو الاستعباد، والحراطين المستعبدون.. ونحن وإن كنا في هذه السطور لا نهدف الى الرد على هؤلاء السفسطائيين  في الوقت  الضائع، المتطفلين على إرادتنا وحقوقنا، إلا أننا  لن نتحرج من تسمية الأشياء بمضامينها.

إن الدعوات العنصرية والتحريضية ضد بيرام أو أي مناضل مجاهد في سبيل العدالة، وتهديده وتأليب السلطات العنصرية لإيقافه، لن يحل المشكل ولن يكون الإقدام على أية خطوة  من ذلك القبيل ضد الحراطين مجرد تأديب عبد آبق (بطـّـتْ عبْـدْ) كما عهدتم وتربيتم على ذلك. فإذا كنتم  -انتم الظالمون- تسمحون لأنفسكم بسب  وقذف بيرام دفاعا عن ظلمكم وظلم أجدادكم لأنه يطالب  بالحق، فإن  لبيرام، ولي شخصيا، وللآلاف من بعدنا، الحق في الإصرار والإقدام على المطالبة برفع الظلم عنا وعن أسرنا  وشعبنا…

إن اتهام  المناضل بيرام بـ"المختل عقليا" أمر لا يضحكنا، وفي نفس الوقت لا يبكينا. لقد اتهم من هو أفضل وأعظم: القدوة الحسنة لنا، كما يفترض أن يكون قدوتكم، الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه، بالجنون: {وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ - ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ - إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ), ولم يثنيه ذلك عن تأدية رسالته...فهذه التهمة علامة بارزة في تاريخنا الإسلامي تدل على  أن أي  داعية أو صاحب حق  ألصقت بيه كان الحق  معه وكان النصر في النهاية حليفه. {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال}.

ولكن نقول لكم ان كل الحراطين المناضلين مختلون عقليا، طالما  أنكم انتم "العقلاء" تعتبرون أن كل مطالب برفع الظلم  هو مجنون؛ فكلنا مختلون عقليا وغير متوازنين. لكن بسبب أفعالكم وحيفكم  وجوركم أيها المستعبدون..بسبب تجاهلكم، استعبادكم، ثقافتكم الظالمة. فلا يضير الأخ المناضل بيرام ان وصمتموه بذلك، كما لا يسيء إلينا نحن معشر المناضلين، فليس ذلك غريبا في مجتمع جبل على الظلم وإكراه الحراطين وإلصاق كل المساوئ بهم، فذلك هو ديدنكم: تخونون الوطن وتلصقون الخيانة بالحراطين  أو بلكور، تمارسون العنصرية ثم تلصقونها بالحراطين، تبيعون الوطن للأجنبي ثم تحاولون إلصاق ذلك بالحراطين، تفرضون لغة المستعمر ثم تحاولون إلصاقها بلكور أو الحراطين، فليس هناك جديد, فنحن الحراطين إما لغسل الأوساخ أو جعلنا مطية للركوب على ظهورنا أو استخدامنا  كأرقام لمصالحكم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذن لا جديد!. سنبقى مجانين في نظركم؛ فذلك سلوككم الرجعي. لكنه لن  يفلح في كبحنا عن  استمرارنا واستماتتنا في التعبير عن رفضنا  للظلم وتبرمنا من ثقافته ومقاومة الاسترقاق المسبب لجنوننا أو اختلالنا العقلي حسب "هلوستكم". إن حقيقة عشقنا للحرية وإصرارنا على نيلها  هو ما أصابكم بالهلوسة: فاختلط عليكم الامر، لكن عليكم توقع  المزيد  من المجانين؛ فنحن مليون ونصف، وكلنا اليوم يتوق الى الحرية.. فهناك آلاف المناضلين المختلين عقليا حسب هلوستكم؛ فعليكم بإعداد الأدوية الإعلامية والنفاقية والزبونية وحتى "الحجابه وأطبائكم الفاشلين) لمعالجتهم، وإن كنت أشك في أن يستشفى أي حرطاني على أيدكم. فما علمت من قبل ولا رأيت "دواء"  وصل حرطاني من قِـبلكم.  فتاريخ موريتانيا وحاضرها  شاهد على ان الحراطين لم يتداووا  في مستشفياتكم ولا بصيدلياتكم اللهم إذا استثنينا الدواء الفاسد المجلوب أصلا لبيعه للحراطين. فأدويتكم لم تجلب شفاء لهم اللهم ما كان مجلوبا من تايلاند واندنوسيا وماليزيا أو ما  وجد مرميا، منتهي الصلاحية، في نفايات أوربا. فنظرتكم الدونية للحراطين جعلتكم  تعتبرون أن صرف الدواء على أجسادهم التي تقتاتون عليها هو  مضيعة للدواء .. فكيف  بعقولهم!؟ فدعونا نحن الحراطين نداوي بعضنا البعض.  فنحن نعرف ما يشفي بيرام، وما يشفيه ليس عندكم، بل عندنا نحن… إن شفاءه ودواءه هو حرية الحراطين، فهل انتم مستعدون للمساهمة في  تحضير ذلك الدواء؟ أم أنكم أعداء له؟

الخــاتمــة:

1: حركة بيرام ومن على شاكلته حركة أصيلة نابعة من واقع مرير ومعبرة عن أصل وأساس المشكل الذي يتعمد السادة تجاهله والتعامل معه بفوقية. هذا الأصل الذي تدعمه قوة كبيرة من المناضلين  وتقف وراءه جماهير عريضة ممن  لا تحسون أنتم بواقعهم ولا تولون لشعورهم أي اهتمام.

حركة  بيرام  إذن ليست حالة مفصولة أو معزولة، بل  هي حلقة من سلسلة حلقات النضال، أنجبها واقع معيش، واكتسبت شرعيتها من حقنا في الوجود، واستمدت مشروعيتها من قيمنا الدينية والأخلاقية، واستقت من معين نابض  شاعر  متحرك وواع بحتمية التغيير؛ وهي بالتالي "لها الحق" في تحديد أو تأويل أو تفسير  "هوية الحراطين"، وليس للجلاّدين أو ملاك العبيد. والقول بذلك هو قلب للمنطق السليم، مجاف لتطلعاتنا ونحن في القرن الواحد والعشرين؛ فادعاء الظالم أحقيته في الإنابة عن الضحايا هو منطق سخيف، إلا إذا كان  استنادا على منطق الظلم الذي نحن هنا بصدد مجابهته..

2. إن تحديد هوية الحراطين اليوم هو مسوؤلية الحراطين وأبناؤهم حصرا، وهو مسوؤلية تاريخية، ونقطة مفصلية في مسيرة نضال حركات الحراطين على  اختلاف مشاربها. وفي هذا الإطار اعتقد أن دور السادة -إن أريد له أن يكون ايجابيا- ينبغي أن يكون محايدا و يقف  جانبا في انتظار ما نقرره نحن المعنيون. أما التجبر والتشبث بحق الإنابة والتمثيل عنا فلم يعد هذا عصره.

ولنا هنا أن نتساءل:كيف يحق لملاك العبيد المدانين من قِـبل كل القوانين والشرائع أن يعطوا لأنفسهم حق ادعاء تفسير وتأويل (والتعبير عن) ما يختلج في نفوس الحراطين الضحايا، ولا يحق للضحايا المعنيين أساسا وأصلا، والرافعين لراية النضال، ممارسة ذلك الحق..؟ على من  يجب الاحتكام؟ الشرائع والقوانين الدولية والاتفاقيات أو الأمم المتحدة أو منظمة المؤتمر الاسلامي أو الوحدة الافريفية أو عدم الانحياز.. أم منطق الاقتتال؟!

3: معالجة الوضع لم تعد تتناسب مع التهديد أو الإقصاء والتجاهل ولا حتى التمني.. لأن  كل ذلك  وببساطة لن يساهم في حل المشكلة.

4: يشتم  من هجومكم على بيرام  رائحة شعوركم بالذنب ( ما هكذا يا سعد تورد الإبل)،  فلا يمكنكم التخلص من المسؤولية القانونية والأخلاقية  عما لحق بنا نحن الحراطين  من ظلم وحيف فقط  بمجرد الدخول في الهجوم الاستباقي والاتهام المبطن الذي ينم عن الشعور بضعف الحجة والدنو  من الهزيمة قبل بداية المعركة الحقيقية.. على رسلكم يا قوم ما هكذا كنا نأمل  منكم؛ فحقنا حق لا يمكن طمسه أو محوه بهذه الأساليب؛ فالقذف والسب المنصب علينا منذ أكثر من عقدين، لا لجرم ارتكبناه سوى دعوتنا لكم بأن نكون إخوة حقيقيين إن كانت "الأخوة" هي رغبتكم الحقيقية. أما السب والقذف لصاحب الحق فلن يساهم في إيجاد الأرضية السليمة للحوار وبناء الثقة المفقودة أصلا بيننا، كما انه لن يحل المشكل  ولن يثني بيرام ولا غيره  عن القيام بتأدية واجبه الانساني والسعي حثيثا في اتجاه تحقيق حرية الحراطين. ذلك الواجب الذي كنا ولازلنا نأمل أن تساهموا في تأديته. وعلى أي حال فلن يكون هناك أي توقف من قبل المناضلين قبل إنجاز ذلك الهدف؛ فالقطار قد انطلق.

أما محاولة التحكم أو السيطرة عليه أو تغيير مساره أو إيقافه فهو  بحق ضرب من الجنون. ذلك الجنون الذي يباعدنا أكثر وقد يرغمنا على أن نستعمل الخيارات المشروعة و الكثيرة  المتاحة لنا اليوم.  ولا اعتقد أنكم ستكونون الفائزين، وبالمقابل أجزم بأننا نحن الحراطين لن نخسر أكثر مما خسرناه ونحن عبيد تحت رحمتكم ولأكثر من تسعة قرون.

إن الأخ المناضل بيرام رقم كأي رقم من أرقام  مناضلي الحراطين، صلب وصعب وأصيل؛ فتعبيره بلغته الواضحة وبعباراته الصريحة عن واقعه أصالة عن نفسه  ونيابة عن واقع شعبه، وتناغما مع سلوك زملائه  عن قضية وطنية يشهد الله على حقيقتها، كما يشهد القاصي والداني على مرارتها، هي دعوة صادقة عادلة كان ينبغي ان تنال تأييد واستحسان أي وطني مسلم صادق؛ لأن الداعي الى الحق كفاعله إلا إذا كانت لديكم حساسية من قول الحق وفعل الحق. فالدعوة الى الحق مرتكز عقيدتنا وهي منبع  العدل والعدالة: {فاعدلوا هو اقرب للتقوى....}.  المفضي إلى  بناء  الذات  على أسس سليمة، فهل في ذلك عيب؟ : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}. الأخ بيرام ابن بار للحراطين ولموريتانيا، وعنصر جوهري في مجرة من المناضلين تسير في  مدار النضال. وبالتالي فإن التكالب  والاجتهاد  في التحريض ضده أو ضد أي ناشط أخر لا طائل من ورائه؛  فذلك أسلوب متجاوز وعقيم.

إن دعوتنا في أن يكون لنا وطن حقيقي نعيش فيه دون استعباد أو امتهان  ونطمئن فيه على آدميتنا وتحترم فيه كرامتنا وندافع عنه ثم نتمتع بثمرة دفاعنا، ما كان يبغي  أن تثير حفيظتكم، إلا إذا كان هناك أمر آخر أسمى عندكم من ذلك.

فنحن عندما نرفع شعارا لابد أننا  مستعدون للدفاع عنه و تحقيقه؛ فالحق معنا والوقت لنا  وفي صالحنا، ونحن معنيون بذلك، والحق حق في أن يتبع.

هناك اليوم آلاف المناضلين، تشرئب رؤوسهم في السماء وتتطاير أذرعهم  في الآفاق رافعين شعار حرية وخصوصية الحراطين، راغبين، قانعين، مؤمنين بفرضية حمل  مشعل الحرية، مرددين "وللحرية الحمراء باب-- من كل يد مدرجة يدق. وان ساعة الحسم تزحف وتقترب وان يوم الخلاص لا مناص قادم.

كوكبة من المناضلين تضرب  أقدامهم في أرض تعرف جهدهم. وتتواصل أرواحهم مع أديمها وتنب أفكارهم من  فلسفة لها مسوغها في زمن ذراته الحرية، سماؤه الحرية، جوهر الصراع فيه الحرية، وآلة التقدم فيه الحرية، هواؤه الحرية، شعاره الحرية. كوكبة تنطلق من أرض مسامها منقعة بالواقع التعس وتتغذى من مرارة تفاعـل حياتنا المعيشة؛ تلك  الحياة غير القابلة للنكران، ما يعني أن عمل الأخ بيرام ليس عملا فرديا، وقراءته أو محاولة ترويج  الشائعات على ذلك النسق عمل غير نزيه يدفع إلى مغامرة غير محسوبة النتائج، يتحمل الظالمون والمرجفون مسؤولية نتائج أي عواقب سلبية  قد  تنجر عنها.

فنظرة أعداء الحرية  إلى  تحرك بيرام على أساس انه عمل "يتيم"  هو إساءة لنا نحن الضحايا..فإن استقال بيرام أو تقاعس عن الواجب اليوم  فهناك غيره. وذلك هو منطق الواقع، ولسان حال المناضلين يشي بذلك؛  فهذه هي جدلية التاريخ  وحتمية التغيير التي  سلكتها شعوب وجماعات  من قبل في مسيرة النضال والكفاح  الإنساني. هناك اليوم  آلاف مستعدة للسير أمام  وخلف بيرام، لا لأنه قطب فحسب، بل لأن ما يدعو إليه يشاركه  فيه  الكثيرون ويختلج  في  نفوس أكثر من مليون ونصف حرطاني معبد في موريتانيا.. ما ينادي به بيرام ينادي به كل الحراطين وإن لم يستطيع البعض إسماع أصواته لظروف أنتم أدرى بها.  أما تهديده فهو حالة عامة ومتكررة   تعكس  حقيقة  وضعنا بين جنباتكم  ..

إننا ننصح "الغيورين" على وحدة موريتانيا  بتجاوز الحساسية الزائدة والتضايق المزمن من إبراز الحراطين لهويتهم..فأنتم  من ساهم، بل أسس لترسيخ هذه الهوية، أنتم من أطلق علينا العبيد أو الحراطين، واستعمل الكلمتين  بشكل ترادفي، أنتم من وضعنا في وضعية اجتماعية و"انثربولوجية" متميزة. وواقع الحال اليوم شاهد على ذلك: لا فرق في أن تنادي عبدك بلفظة العبد أو الحرطاني؛ فالدلالة واحدة. أنتم من حرمنا من اختيار أسمائنا وأسماء أولادنا أو اختيار الاسم المناسب .. انتم من حرمنا  من  بناء أسر سليمة وفقا  لقيمنا وأخلاقنا الاسلامية، أسر تتمتع بمزايا  خصائص  الأسرة الصحية وفقا لقواعد  الشرع وفلسفة الأسرة اجتماعيا..أنتم من حرمنا من تطوير فنونا وتراثنا وعاداتنا.. أنتم  باقتصار من خطط بإحكام لأن نطالب ذات يوم بهويتنا، والحمد لله قد جاء هذا اليوم. ونحن نطالب بها عن وعي واستعداد كامل لكل ما يتطلبه ذلك.

4-لابد من تقاسم السلطة والاعتراف بالحراطين كمكون ذي خصوصية اجتماعية وثقافية واقتصادية.. لابد من تقسيم الثروة بشكل عادل ومنصف وإتاحة فرص العيش الكريم والنمو الطبيعي، وإلا اللجوء الى تقاسمها وفقا لأسلوب المحاصصة على أسس عادلة ومتساوية، ووفقا للتركيبة الديمغرافية….

 

5-إننا ندعوكم إلى الإسهام في تسهيل استرجاعنا لحقوقنا ودعم رغبتنا ومطالبتنا بإعادة النظر في الأسس والركائز الأساسية التي أسست عليها دولة موريتانيا، للوصول إلى  تكوين دولة  مشتركة  واضحة المبادئ والأهداف والمعالم. إننا نريد لموريتانيا أن تكون في مأمن من التجاذب السلبي  أو أن لا تبقى معرضة للهزات.. لابد من وضع بصماتنا على كل  أسس الحياة في موريتانيا؛ فليس هناك تشابه أو تطابق في البصمات ( الحمد لله أن العلم قد اثبت ذلك اليوم). إننا نطالبكم  بالمبادرة.. نطالب به الماسكين  بزمام الأمور لما لديهم من  إمكانيات نوعية ينبغي  أن توجه إلى إصلاح  ذات البين وإلا فنحن الحراطين  مستعدون للقيام بما أوجبه الله علينا  كبشر.

6-إصلاح الجيش على  أسس غير عنصرية  ونقيضة للمسلكيات والقواعد التي تتحكم فيه اليوم . فالمؤسسة العسكرية يكاد العالم

يجمع على  خصوصيتها وتميزها في الممارسة وكونها دائما فوق التمييز الاجتماعي، لكن في موريتانيا العنصرية في الجيش تفوق حتى في بعض الأحيان المؤسسة المدنية، إذ  يلزم أفراد الجيش عند حضورهم اليومي للمداومة بتسجيل الجندي وفقا لطبقته أو شريحته أي الطبقة أو الشريحة التي ينتمي إليها (أنا الجندي فلان: كوري، الجندي كذا حرطاني، امعلم، آزناقي...). أية ازدواجية هذه.  إن قبول هذه الازدواجية يعكس حقيقة موريتانيا التي نطالب بإصلاحها بشكل جذري وعلى أسس صلبة قابلة للاستمرار.

{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}-المائدة:8 ...

المختار الطيب المختار، عضو حركة الحر، أحد مؤسسي معهد الحراطين للتنمية والتطوير/ أمريكا الشمالية

annasar1d@yahoo.com

 

 

 

الحــراطــين والمتقولون عليهم: الثابت الواقع، والمتغــير/  الجزء الأول

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox