دعوة للتجديد في فقه الحضانة / الدكتور محمدن محمد غلام

ثلاثاء, 2025/03/18 - 01:18

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

من المسلّم به فقها أن الشّرع نزل لجلب المصالح الدينية والدنوية ودرء المفاسد الدينية والدنيوية كذلك. وأنه حيثما وجد شرع الله فثمة المصلحة. كما أن من المسلّم به كذلك أن الشارع يقدّم في كل مجال من هو أولى بتحقيق المصالح وأجدر بدرء المفاسد، فيقدّم العصبة في شؤون المنعة والحياطة، مثل الولاية والعقل. ويقدم الأمومة في مجال الحنان والرفق، مثل الحضانة. وهو ملمح جدير بالملاحظة بوزنه 'الحجمي' في الاجتهاد.

ومن المسلّم به فقها أن حق الحضانة للوالدين معا ما داما زوجين وأن الأم أحق بالحضانة إذا تفرقا ما لم تتزوج. لورود الحديث الحسن في بعض كتب السنة وفي مسند الإمام أحمد. 

على حدّ قول العلامة محمد مولود في الكفاف:

"وهي لوالديهما ما ارتفقا..

والحق للأم إذا تفرقا"

غير أن الإشكال لدي - اليوم - هو في تشبثنا بترتيب مستحقي الحضانة بعد هذه المرحلة؛ حيث يرتب مشهور المذهب المستحقين بعدها، أن الاستحقاق لأم الأم ثم لجدّتها ثم لأم والد أم الطفل فأخت أمه (خالة الطفل) فخالة أمه ثم عمة أمه ثم نصل إلى نساء الأب (قريبات الطفل من ناحية الأب) بنفس الترتيب، قبل أن نصل إلى استحقاق الأب لحضانة ابنه!

وهذا الترتيب هو ما كرسته مدونة الأحوال الشخصية بتعديل محدود في الرفع الطفيف من مستوى ترتيب الأب.

تصوروا معي؛ أن يكون والد الطفل موسرا كريما لديه دار رحيبة وسيارة لإيصال الطفل لمدرسته وأسرة تقوم على الأطفال والضيوف - مما هو معهود في مجتمعنا - فنمنع الطفل من هذه النعمة ونمنع الوالد منها. ثم نسلّم الطفل لعجوز فقيرة في أطراف المدينة تقوم على أيتام لها (يشترط ألا تكون متزوجة إلا من قريب جدا للطفل!) قرابتها بهذا الطفل المسكين أنها عمة والدته أو خالتها، ونحكم لها بستين ألف أوقية قديمة شهريا يسلمها لها الوالد!

ثم نزعم أن ذلك هو حكم الشرع؟!

إن هنالك أمورا ينبغي استحضارها في هذا الجانب، نتيجة تعقيد الحياة المعاصرة وصعوبة متابعة أحوال الأطفال وتشعّب احتياجاتهم المعيشية والنفسية والعلمية... 

هذا إضافة إلى ما تقرر فقها مما يفقد أكثر المتقدمين للحضانة شروط القبول فيها؛ كما في الكفاف:

"والشرط في الحاضن أيا كانا..

أن يحفظ الأموال والأبدانا

ويصلح الدين ويحسن الأدب..

سلم من مؤذ ومعد كجرب"

والخلاصة أن الشجاعة العلمية تقتضي أن نقرّر أنّ ماكان من هذه الأحكام نصا لزمناه وما كان نظرا فقهيا نظر أصحابه للمناسب في حياتهم زمانا ومكانا فأحسنوا في النظر والتنزيل وأجادو في وصاتنا بأن ننظر في كل تقدير فقهي متعلق بالأحوال إذا استجدّت أحوال تقتضي إعادة النظر فيه. وألا نظل رهينة للجمود على النصوص المبنية على العوائد والأحوال مع تغيرها.

خاصة وأنا أقرأ - بإعجاب - قول ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد: "وأما نقل الحضانة من الأم إلى غير الأب فليس في ذلك شيء يعتمد عليه" 

والله أعلم

د. محمدٌ محمد غلام