تشن على الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو حفظه الله، حملة ظالمة تحرِّكها دوافع حقد شخصي وأيديوجولي، عبَّرت عن نفسها زمنا في صيغ فردية، ظلَّت حيّز الإهمال والتجاهل، لا يُعيرها أكثر من يشار إليهم بعلم أو حِلم، أيَّ اهتمام. وها هي اليوم تحاول أن تكسر طوق العزلة، وتمُدُّ لها بعض الجهات الخاطئة (بمعناها الصحيح) طرفا من "الحبل القصير" لترفعها به -زعمت- من القاع، مرددة معها على الأثير ما يرغب عن التفوه به أولو النهى، وقديما قيل: "إن الطيور على أشكالها تقع"، وفي المثل: "وافق شنٌّ طبقه"!
* إن من تابع ذلك البرنامج يدرك حجم الإفلاس المهني الذي تعيشه القناة، وكيف سمحت لنفسها أن تحاكم علَما أنصاره بالملايين في مناكب الأرض الأربعة دون أن تتيح لوجهة النظر الأخرى أن تعبر عن نفسها بكلمة، وهذا وحده يُسقط البرنامج (وهو ساقط على كل حال)، من مستوى برامج الحوار والرأي، إلى جلسات السخرية والاستهزاء والتقول على الآخرين!
* إن رسالة البرنامج هي السعي لإسقاط القدوات من أهل العلم والفضل
الذين يرجع الناس إلى أقوالهم ويصدرون عن بيانهم لأحكام الشرع في الواقع، وضربُ مصداقيتهم، وهذا منهج معروف لضيف البرنامج طالما عبر عنه بأساليب مختلفة، وإنما الشيخ محمد الحسن -وإن اقتضى سياق ما اختصاصه- أنموذج ومثال (وهو لعمري مثال باذخ وأنموذج شامخ). ولا يخفى هذا على ذي بصيرة، وكلام الضيف المنطوق والمكتوب يفصح عن ذلك بوضوح، في البرنامج وخارجه، والقناة شاهد زور متحمس للاتهام، للأمرين الشخصي والموضوعي اللذين جمعاها بالضيف (الشريك).
فإذا استطاعت مثل هذه التشويهات "لا سمح الله" أن تنال من مكانة الشيخ فإنها ضاربة بسهامها المسمومة في "صميم" مكانة علماء الشرع وحملة الدين.
* وهنا أذكر الحملة التي شنها المستشرقون وتلاميذهم على أبي هريرة من الصحابة ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري من التابعين؛ إذ كان الطعن في الرجلين طعنا في أكثر السنة المنقولة في دواوين الحديث المعتمدة لدى الأمة؛ لمحوريتهما في هذا الشأن، كما يعلمه ذوو الاهتمام.
وكذا العلامة الددو فهو من أجلِّ علماء العصر بلا نزاع (وليس كل خلاف جاء معتبرًا....)؛ فالقول إنه غير متعلم، فوق أنه من كبائر الافتراء، هو اتهام لكل علماء الإسلام (أو جلهم، لا فرق) بالجهل. ولا يريد قائل هذا الكلام -منطقيا- إنكار المحسوس (من سعة علم الشيخ) وإنما تسوية "هذا النوع من العلم" والعدم!
وهذا قَلْبٌ لمنطق القرآن الذي جعل علم الدنيا هو الذي بمثابة الجهل إذ قال سبحانه: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) فأبدل َ يعلمون من "لا يعلمون"، كما نص عليه "أهل العلم" ممن وصف الله أمثالهم بقوله (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم).
قال الزمخشري في الكشاف: "يَعْلَمُونَ بدل من قوله لا يَعْلَمُونَ وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه، وجعله بحيث يقوم مقامه ويسدّ مسدّه، ليُعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا".
وهذا العلم "الذي لا يتجاوز الدنيا" هو الذي يجعل بعض الزاعمين أخذ طرف منه يستهزئون بما غاب عن حسهم من المغيبات التي صحت بها النصوص!.
هي إذن هجمة شرسة أخطر مما يبدو لكثير من الناس، والنظر إليها على أساس أنها خلاف سياسي أو فكري محدود تبسيط وإخلال!
* أنا لا أرى مانعا من مناقشة الشيخ ومحاجَّته بعلم وعدل، ولكن النقاش غير السب والشتم، وقد استمرأه ضيف القناة في حق الشيخ منذ زمن.
* ولا أزعم أن عصمة الشريعة (وهي معصومة) عصمةٌ للشيخ نفسه، ولكن أعلم أنَّ له من حملها وهو من كبار حملتها، والذب عنها وهو من أكبر الذابين عنها، وتبيانها، وهو من أجلِّ مبينيها للناس في عصرنا، ما يجعل له حرمة من حرمتها ومكانة من مكانتها، ويجعل التسوُّر عليه واقتحام منزلته بهُجْر القول
ومستهجن العبارة، ظلما واضحا وتعدِّيا فاضحا.
وصلى الله على من قال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" (صحيح البخاري).