
تنعقد في هذه الأيام المشاورات و الورشات المحضرة لاختيار قيادة شبابية جديدة لهيئات المنظمة الشبابية للإصلاح والتنمية (تواصل )وهي مناسبة لتسجيل ملاحظات أولية عن ما أراه مكاسب وتحديات طبعت عمل هذا لقطاع الذي نشأ إطاره المؤسسي المعبِّر عنه في 16 يونيو 2008 أي بعد مرور ما يقارب سنة على تأسيس الحزب (3 أغسطس 2007) وهو التأسيس الذي أتى تلبية لحاجة داخلية لتنظيم السواد الأعظم للحزب الوليد، وبدا من أول وهلة أن الملف الشبابي أكبر وأوسع من أن يعهد تدبيره إلى أمانة حزبية فكان التفكير في تأسيس كيان مستقل تسند إليه مهمة تسيير الإسناد الشبابي للحزب.
تبدو الفكرة في رأي بعض الفاعلين الشباب مستوحاة من التجربة المغربية حيث كان حزب العدالة والتنمية المغربي سباقا إلى خلق كيان شبابي موازي للحزب (شبيبة العدالة والتنمية التي تأسست في 23 يوليو 2002) أغرت هذه التجربة القيادة التي كانت حينها تمسك بزمام الأمور داخل تواصل لا سيما القياديين: محمد جميل منصور ومحمد غلام ولد الحاج الشيخ الذيْن لا يخفيان إعجابهما بالحالة المغربية، تم التحضير للفكرة وانطلقت فعاليات المؤتمر الأول وأعلِن عن مكتب تنفيذي يقوده الأستاذ صبحي ولد ودادي (يشغل حاليا منصب نائب رئيس الحزب وعضوية اللجنة التنفيذية له).
انطلقت أعمال المنظمة في سياق وطني مأزوم حيث ظهرت في أوج أزمة نظام سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ولم يمض شهر على تأسييسها حتى دخل البلد في أزمة سياسية بالغة التعقيد جراء انقلاب 6 أغسطس 2008 وعليه فقد ولدت المنظمة التي أرادها الحزب ذراعا تعبويا يسنده في وقت حرِج، حيث بدا الحزب في حاجة ماسة إلى العمل التعبوي والشبابي في ظل وجوده داخل جبهة معارضة للانقلاب، وبالتالي يمكن القول إن المنظمة لم تتنفسْ من ألم المخاض ومتاعبه حتى فجأها انفجار أزمة سياسية تحتم عليها الدخول في دينامكية العمل التعبوي، فهل كان طاقهما آنذاك على مستوى التحدي،؟
بعض المعايشين لتلفك الفترة يرون أن الفريق الأول كان أداؤه دون المستوى المأمول منه خاصة وأنه و جد السياق السياسي العام المناسب للتحرك، والقيادة المساعدة عليه، لكن البعض الآخر يرى أن تلك الحالة لم تكن حالة ثورية، بل ولا حتى حالة سخط شعبي وإنما كانت مواجهة بين نظام استطاع جذب الحالة الشعبية لصالحه باستخدامه شعارات بدت أكثر وجاهة وجاذبية، وبين معارضة أخفقت في صناعة حالة شعبية مناوئة للنظام الجديد.
والحق في نظري أن الذي حدّ من ديناميكية الفريق الأول: (صبحي وصحبه)هو حداثة التجربة ومعاجلة الأزمة ، ضف إلى ذلك أن الحزب ما كان يومها ليترك هامشا لتحرك الشباب، فهو في عنفوان شبابه، وتمسك به قيادة نشطة وفعالة ومتماسكة، ويواجه أزمة معقدة، وهذا كله يدفع إلى الاستئثار بالعمل.
وتجنبا للإطالة في الحديث عن سياق النشأة والمعوقات التي رافقته نصل إلى موضوعنا الرئيسي وهو الحديث عن التحديات والمكاسب ولن يكون لدواع عديدة حديثا مطولا، بل مجرد إثارة لأفكار غير مكتملة تولدت لدي من متابعة مجريات مؤتمر المنظمة،
أولا: المكاسب
من أهم المكاسب التي تحسب لأداء المنظمة كونها استطاعت أن تخلق حالة النموذج داخل بعض الأحزاب الوطنية التي سعت بعد بروز شبيبة تواصل إلى إعطاء مساحات وهوامش تحرك أكثر لشبابها، فبعد مضي أقل من شهر على تأسيس شبيبة تواصل بادر التحالف الشعبي التقدمي إلى عقد المؤتمر التأسيي لمنظمة شباب التحالف، ثم فعل التكتل الشيء نفسه (2012) ثم الصواب (2014) ثم اتحاد قوى التقدم(2022) هذا التوجه الحزبي نحو منح الشباب مزيدا من المشاركة في الفعل السياسي يحسب من محاسن التجربة التواصلية في التعاطي مع القطاع الشبابي.
مما يحسب أيضا مكسبا من مكاسب التجربة تمكين شباب الحزب من أن يكون على تماس مباشر مع قضايا الشأن العام، لا سيما في المستويين الإداري والإعلامي، فالعمل داخل المنظمة أكسب الشباب خبرة ولو نسبية في مبادئ العمل الإداري، فضلا عن الخبرة المميزة في القطاع الإعلامي لدرجة أن الملف الإعلامي داخل الحزب تمسك به هذه المنظة، وتديره باحترافية بادية للعيان،
المكسب الثالث هو قدرة المنظمة على بناء صلات متينة مع مثيلاتها في غرب وشمال وإفريقيا، حيث تحضر بانتظام الفعاليات الدورية لتلك المنظمات، واستطاعت حماية هذا الحق من هيمنة الحزب وتغوله، من خلال الحرص على حصرية الانتداب إلى المنظمات الشبيهة في طواقمها،
أما المكسب والرابع والأخير فهو انتخابي بامتياز، حيث بدت المنظمة حريصة رغم تعدد وتنوع الخيارات المتاحة أمام الحزب في الترشيح على اللائحة الشبابية،على أن يكون حقها مصانا ومحفوظا، وهو ما كان لها، إذ حضر بعض أطرها في ترشيحات متقدمة وهو ما خول رئيسها الحالي المنتهية ولايته الأستاذ المرتضى ولد اطفيل الولوج بسهولة إلى الجمعية الوطنية.
ثانيا: التحديات
إلى جانب المكاسب المذكورة آنفا هناك تحديات واجهت عمل المنظمة وحدّت من حضورها، وأعاقت إلى حد ما عملها، أولُ هذه التحديات وأكثرها استعصاء على الحل، هو دمج الفتاة التواصلية داخل أجهزة المنظمة، فعلى الرغم من اقتراب المنظمة من عامها العشرين ما يزال موضوع مقعد الفتاة في هياكلها التنفيذيه شاغرا رغم التوصيات والمقترحات المقدمةبهذا الخصوص، وهو أمر يعيده بعص المتابعين إلى حرص المنظمة النسائية على أن تظل الإطار الحزبي الأوحد للفتاة التواصلية، فسحب القطاع الشباب من هذه المنظة أو حتى مشاركتها فيه قد يجعلها أو يعرّضها لأن تكون منظمة عجائز، برأي البعض، وهو أمر لا يبدو محل رغبة سيدات القطاع النسوي، وهن في هذا التوجه يتمنعن وراء إرادة حزبية لا تريد هي الأخرى فكّ هذا الإشكال.
يضاعف من متاعب هذه التحدي إشكال آخر وهو اعتبار المنظمة مجرد قنطرة عبور توفر للقادمين من العمل الطلابي الجامعي ممرا آمنا وسريعا إلى العمل داخل الحزب، وبالتالي فترة المكث التي تقضيها القيادات الشبابية داخل أجهزة المنظمة لا تمنح الفرصة الكافية لبناء الخبرة اللازمة، أحرى منحها، ضف إلى ذلك شغف الشباب بالتجديد، فكل الذين تولوا قيادة هذه المنظمة عبروا بسرعة إلى مباشرة العمل الحزبي يساعدهم على ذلك: قصر ولايتهم التنفيذية،(3 سنوات) وشغف المؤتمرين بتجديد القيادة، هذان العاملان إن لم يتم إعادة النظر فيهما سيضعفان مع الوقت أداء المنظمة والحزب معا، فلا المنظمة تستفيد بما فيه الكفاية من خبرات وتجربة القيادات، ولا الحزب محصن من دخول أصحاب التجارب المحدودة.
أما التحدي الثالث _وهو لصيق بالذي سبقه_ فهو ضعف التربية السياسية داخل المنظمة، فالمهام المنوطة بمثل هذه الكيانات في مقدمتها إعداد القيادات وبناء الخبرات، والضعف في هذ الأمر ظاهر للعيان حيث التكوين السياسي الجاد يبدو محدودا وغير مستمر ولا نوعي، سيما وأن القادمين إلى هذه المنظمة يأتون في الغالب الأعم من حواضن دعوية أو طلابية يكون الوعي الآيديولوجي فيها حاضرا وطاغيا وهذا ما يستدعي إعادة تأهيل تضمن للقادم إلى العمل السياسي مزيدا من المرونة والقدرة على بناء المساحات المشتركة، والتخفف من غاشية الآيديولوجيا، فالمنظمة مدرسة لبناء جيل سياسي لا خلية للتكوين الحركي، أو هكذا ينبغي أن تكون، والمفارقة أنه عوض الاشتغال على أن تكون المنظمة إطارا للتربية السياسية، يحرص البعض عن وعي على إبعادها عن ذلك.
رابع التحديات هو تأثر عمل المنظمة بمزاج القيادة فبعض القيادات الشابة يعيق عملها اختلاف أمزجة القادة، ورغبتهم في التعاطي مع فلان عوض فلان، ففي فترة جميل كان أداء الأستاذ فاضل المختار أحسن بكثير من السابقين واللاحقين، وهو أمر له عوامله الموضوعية المفسرة له أهمها: السياق المتوثب للحالة الثورية والمواجهة الحادة بين السلطة والمعارضة، ووجود قيادة على رأس تواصل مهتمة بالشباب متحمسة لأدواره، لكن هذا كله لا يمكن أن يُقرأ دون اعتبار الصلات الشخصية والتقارب حد التطابق بين الرئيس السابق محمد جميل منصور والأستاذ فاضل المختار، هذا التطابق هو ما يفسر أكثر حالة النشاط غير المسبوق للمنظمة في عهد رئيسها السابق الأستاذ فاضل المختار، أما السابقون واللاحقون فإما أن يخذلهم السياق العام، أو يضعفهم توجه القيادة، أويجتمع عليهم الأمرين.
وإلى جانب التحديات المذكورة نجد تحديا بنيويا يعيق العمل ويضعفه، وهو التحدي اللوجستي والمالي فالشباب مُنحوا منظمة بمهام واسعة وطموحيات فلكية، وموارد صفرية وهذ هو السبب الكامن وراء العديد من أزمات ومشاكل العمل الشابي، فهو لا يملك المال وبالتالي لا يملك القرار، بل كل طموحاته وتوجهاته رهينة تقدير الحزب الذي كان من المفترض أن يخصص للمنظمة ميزانية سنوية على أن يكون حاضرا في الرقابة والتسيير أو يمنحها حصرية الجباية على قطاع معين. لكن كل ذلك لم يحصل، وإنما سلمت المنظمة لشباب جلهم غير قادر بما فيه الكفاية على تدبير أموره الخاصة.