
كل أمة في لحظة من تاريخها تُجبر على أن تواجه ذاتها بصدق، لتطرح السؤال الحاسم: أين نحن من حاضرنا؟ وأي مستقبل نريد أن نصنع؟
موريتانيا اليوم تقف عند هذه اللحظة. فهي بلد غني بتاريخه، متنوع بأعراقه وثقافاته، واسع بفضائه الجغرافي، تمتلك ثروات طبيعية هائلة ومتنوعة، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي الذي جعلها همزة وصل بين إفريقيا والعالم العربي. إنها إمكانات كبيرة كان يمكن أن تجعلها في طليعة الدول الصاعدة لو وُجدت الإرادة لذلك.
لكنها في المقابل، مثقلة بوجع واقع يطبع تفاصيل الحياة اليومية: ففي البنية الاجتماعية ما زالت آثار القبيلة حاضرة بقوة، تُوجّه الولاءات وتُضعف الانتماء الوطني، ولا تزال التراتبية الطبقية متجذرة، وتعيد إنتاج نفسها جيلاً بعد جيل؛ فتكرّس التفاوت الاجتماعي وتزرع الشك بدل الثقة، والانقسام بدل الوحدة.
يضاف إلى ذلك أزمة سياسية عنوانها "غياب مشروع وطني جامع"، واقتصاد ريعي هش يستهلك أكثر مما ينتج ومرتهنًا للخارج في أغلب حالاته، وتعليم ضائع بين مناهج عقيمة وأحلام معلّقة، وثقافة تبحث عن دورها بين الأصالة والاغتراب.
ذلك هو وجع الواقع؛ وجعٌ لا يمكن التستر عليه، ولا تجاوزه بالشعارات.
لكن في المقابل، يظل الأفق مفتوحًا، فالتاريخ يعلّمنا أن الأمم التي تعترف بجراحها وتملك الشجاعة للنظر في أعماقها، قادرة على أن تنهض من جديد.
إن هذه السلسلة: "موريتانيا.. وجع الواقع وأفق التغيير" ليست بكاءً على الأطلال، ولا مجرّد صرخة في الفراغ، بل هي محاولة لقراءة أزماتنا قراءة تحليلية موضوعية، تكشف الجذور وتستشرف الحلول، وتؤكد أن التغيير ممكن إذا اجتمع صدق التشخيص وقوة إرادة التغيير.
فالكتابة في هذا المقام، فعل مقاومة ضد الاستسلام، وبحث عن طريق يربط بين الحقيقة كما هي، والحلم كما ينبغي أن يكون.
إننا نكتب لأن الكلمة قد تكون بذرة نهضة، ولأن الشعوب التي تواجه حقيقتها بجرأة لا يمكن أن تُهزم.
فهل نملك الشجاعة لننظر في أعماق وجعنا؟
وهل نملك الإصرار لنصنع من هذا الوجع أفقًا جديدًا للتغيير؟