خروج السلطان على السلطان... وعلى الأمة!

سبت, 2016/04/02 - 23:51
م. محفوظ بن أحمد

ما هو حكم خروج السلطان على السلطان، وما حكم خروج السلطان على الأمة؟

هذان السؤالان الجوهريان أتمنى أن يطرحهما من هم أجدر مني بذلك من طلبة العلم على ساداتنا العلماء وشيوخنا الفقهاء:

أولا: يؤكد بعض الفقهاء المالكيين والسلفيين القائلين بعدم جواز الخروج على السلطان، وبوجوب طاعته، على أن علة ذلك هي درء الفتنة ومنع الفوضى التي قد تؤدي لزهق الأنفس وهدر المصالح وانتشار المفاسد...الخ.

والسؤال هو: إذا كان الحاكم أو السلطان قد ولي بناء على بيعة أو انتخاب لفترة محدودة، أو شروط محددة، وانتهت الفترة أو أخل بالشروط... ألا تعتبر محاولته التشبث بالسلطة والبقاء فيها فوق ذلك "خروجا" من السلطان مساويا للخروج عليه بما فيه من خطر إيقاظ الفتنة وإثارة الفوضى؟ وفي تلك الحالة ألا يكون في تأييده نصرة للظالم من الخصمين (الأمة والحاكم) على المظلوم؟ 

ثانيا: إذا كان الخروج على الحاكم ـ ولو كان متغلبا ـ غير جائز فما حكم مساندة الخارج عليه فور تغلبه، كما نرى في الانقلابات العسكرية؛ حيث يحكم بعض فقهائنا الأجلاء بشرعية حاكم معين ووجوب طاعته وحرمة الخروج عليه، ثم يخرج عليه شخص آخر ويسلب منه الحكم بالقوة، وقد يقتله أو يسجنه ظلما (ليمكن لانقلابه) فيفتي نفس الفقهاء بوجوب طاعة هذا المتغلب فورا وبحرمة الخروج عليه، دون أي بيان أو إشارة إلى أنه قد ارتكب إثما أو مخالفة بخروجه على صاحبهم الأول وبما فعل به... فكيف يصح إلصاق هذا التناقض الظاهر والتهافت الماكر بالحكم الشرعي؟؟

ثالثا: إذا كانت علة منع الخروج على الحاكم بالقوة هي ـ باتفاقهم ـ منعا لسفك الدماء والفتنة والفوضى، فكيف يقاس عليها الخروج عليه بالرأي القولي والعمل السلمي الذي لا عنف فيه ولا فوضى، بل مجاز ومحدد مضبوط بالقوانين والنصوص التي وضعها أو وافق عليها ذلك الحاكم نفسه. فكيف لا يزول المعلول بزوال العلة، وينتفي المسبَّب بانتفاء السبب؟!

رابعا: ألا يعتبر الإفتاء بإقرار أي حاكم على تولية نفسه وفرض حكمه، دون قيود ولا نصيحة له ولا وعظ... وتشديد النكير على المخالف له والتحذير من الخروج عليه، مهما جار وعجز، إقرارا لما يرتكب من المظالم والخيانة، وبالتالي إعانة له على الإثم والعدوان، بل وإغراء لغيره بالخروج عليه والحلول مكانه، مع ما في ذلك من مخاطر الفوضى وأسباب الفتنة التي هي عندهم المناط أو الوصف المناسب لحكمهم ذاك؟!

خامسا: إذا رددنا أقوال القرطبي وابن حزم وغيرهما من الفقهاء المعتبرين ممن قالوا بطلب أو جواز الخروج بالقوة على الحاكم الظالم أو الفاسد، فما ذا نقول في بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ممن خرجوا وثاروا على بعض حكام المسلمين، بمن فيهم الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو من هو؛ فما ذا يمكن أن نقول في خروج أم المؤمنين المبرأة من الإفك: عائشة رضي الله عنها ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بل ما ذا نقول عن خروج سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي رضي الله عنهما؟ وما ذا نقول عن خروج عبد الله بن الزبير، وعن ثورة عبد الرحمن بن الأشعث... الخ؟!

سادسا: يتفق جميع البشر اليوم، بمن فيهم فقهاؤنا الأجلاء أولئك، على أن نظام التناوب السلمي على السلطة، واختيار الحاكم بالانتخاب الحر بشروط أو لأجل، واعتباره مكلفا أجيرا لدى الأمة... يحقق في عصرنا الحالي مصالح الأمة العليا ويضمن عدم انجرافها وراء نزعات الحكام وأهوائهم وأخطائهم ونواقصهم الجبلية؛ لأن كل حاكم يدرك أن لحكمه أجلا معلوما سيحرص على إنجاز ما يستطيع للشعب والوطن لتبرئة ذمته (على الأقل من محاسبة خلفه) أو لتخليد ذكره، بينما يحرص الحاكم المطلق عادة على إنجاز كل ما يقوي سلطته ويمَكن لنفسه وحاشيته ويزيد في زمنه... أليست بين هذا وذاك مصلحة راجحة وأخرى مرجوحة أو متوهمة، فأيهما ينبغي الأخذ بها؟!

سابعا: ألا يدخل في واجب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، نصح أحدهم وتحذيره من الإقدام على عمل فيه المحاذير المحققة التالية: مخالفة شرعية هي الحنث بأيمانه بالله العظيم، ونقضه العهد باحترام عقد اتفاق جامع (كالدستور)، والتسبب في القلاقل والفتن بإثارة وقمع طائفة يطالبون ذلك "الإمام" بالوفاء بعهده والرجوع إلى الحق، مع ما قد ينشأ من فساد محقق عن المواجهة بينهم وبين طائفة ينصرونه على باطله؟؟

 

جزى الله مشايخنا الأتقياء وطلبة العلم الفضلاء على بيان الحق لعامة الملا