
من خلال تصريحات رئيس حزب الحاكم الاستاذ سيدي محمد ولد محم فهمتُ أن تصريح جميل في برنامج في الصميم بضرورة اعتذار الرئيس عزيز عن تصريحاته الأخيرة المتعلقة بالحراطين والنسل، كانت بسبب جرّ وديعه له "دهراه وديعه". لكن هناك جهات أخرى يجب البحث عن من "دهراها". بما فيها عزيز نفسه!
ـ حركة الحر أصدرت بيانا مبكرا قالت فيه: "إهانة ولد عبد العزيز للحراطين تنم عن جهله بتاريخ مكونات شعبه، فالحراطين يرتبطون بتاريخ وجغرافيا هذه الأرض التي شاركوا مكوناتها في إعمارها وبنائها قديما وحديثا.. بنوها مزارعين، منمين، وحمالين ودباغين وجنودا مدافعين ... في كل ميدان يبنون ولا ينهبون". وترى حركة الحر أن عزيز وصم الحراطين "بالتسافد والتكاثر العشوائي كأنهم قطعان من البهائم معتبرا أن ذلك هو سبب عبوديتهم وبؤسهم وشقائهم". فمن الذي جرّ حركة بتاريخ حركة الحر ونضجها إلى هذا الكلام؟ هل "دهراها" وديعه هي الأخرى؟
ـ حزب تكتل القوى الديموقراطية كان سباقا إن لم يكن الحزب الوحيد المعارض الذي أصدر بيانا بخصوص خطاب عزيز في النعمة، وكان بيانه ردا على مجمل النقاط التي تناول الرجل، لكنه كان صريحا بخصوص ما يتعلق بالحراطين حيث قال في بيانه: "هاجم (عزيز) بعبارات بذيئة وعنصرية شريحة غالية من المجتمع، تعرضت في تاريخها للكثير من الظلم والاضطهاد، ألا وهي شريحة الحراطين" فمن دفعه أو جره أو "دهراه" هل هو وديعه هذا؟
ـ ومن بين البيانات الرافضة لهذه الإهانة كان بيان الميثاق الأكثر وضوحا ودقة وسرعة فتضمن أن عزيز "تطاول على إحدى المكونات الرئيسية للنسيج الاجتماعي الوطني و أمعن في إهانتها واحتقارها؛ فهاجم لحراطين في أهم ما يملكون من غال أو نفيس: ألا وهو أعراضهم و فلذات أكبادهم"، حسب البيان الذي رأى أن تصريحات الرئيس "تمثل تدخلا سافرا في خصوصيات الأفراد وحرمة أعراضهم وأسرهم" وأنها تجسد "عدم اللياقة بالخروج عن السياق الاخلاقي والشرعي". مضيفا: "عبّر لسان حال الرئيس من خلال خطابه عن مشاعر مكبوتة هي نتاج لخليط واضح من الافكار الرجعية والعنصرية والعرقية التي يعلمنا التاريخ أنها تفرض دوما نفسها على المتحكمين في رقاب الناس كلما اقترب هاجس إفلات المظلومين من قيودهم".
ـ منتدى أحزاب المعارضة طالب خلال مسيرته الكبيرة باعتذار لعموم الشعب الموريتاني موضحا أن تصريحات عزيز كانت مستفزة ومهينة، من جره و"دهراه" هو الأخر؟ لا شك أنه وديعه هذا. وبالمناسبة لم يصدر أي حزب من المنتدى ـ بما فيها تواصل ـ بيانا منفصلا بهذا الخصوص حسب علمي. وإنما اكتفوا بما قالوه في مسيرتهم التي يبدو أنها استفزت النظام فأخرج كل ملحقاته ومستشاريه ودواوينه وشعرائه ومدونيه، لكن كان أسهل من كل ذلك اعتذار مختصر أو توضيح مقنع، غير أن عقلية التكبر واحتقار المواطن تجعل النظام يفضل "ادهري" على علاج المشاكل علاجا منصفا وعادلا.
يبقى أن نتساءل من الذي "دهْرَ" عزيز إلى كلامه هذا، شخصيا أكاد أجزم أن الرجل ناقش الأمر مع آخرين أو حدثهم به كتشخيص لعلاج مشكل لحراطين فهل شجعوه على كلام مثل هذا؟ بل هل اقترحوه عليه أصلا؟ من هؤلاء الذين لم ينصحوا الرجل أنه بصدد طرح خطأ؟ هل سايروه لإغراقه؟ أم هل حملهم هو على مسايرته نتيجه لطبيعته الانفراديه في السلطة؟ ألّ فمْ بعدْ حَدْ منهم دهْرَ الثاني!