
في أغلب محطات الزيارة الكرنفالية الصاخبة التي أهلكت حرث الضعفاء، وألهتهم عن تجارتهم ومواشيهم، وتركت الشأن العام في حيص بيص كان الرئيس على موعد-وقد طابت اللقيا- مع المؤيدين له والمندغمين فيه حتى الجذب الصوفي لدرجة الشطح بتتجاوز المعطيات الدستورية والقانونية لا نتحدث عن من اعتبروه أول رئيس حقيقي عرفته البلاد وأول رئيس يقدر قيمة العباد .ولا عن من يقارنونه بكبار العظماء والزعماء والفاتحين ولا عن من يستعدون لفدائه بأموالهم وأنفسهم .وبطبيعة الحال ..ننصحه أن لايعول عليهم يوم يكشف عن ساق
إنما الحديث يدور حول بعض المطالبات بتحويل موريتانيا إلى إمارة وبقاء الرئيس أميرا عليها مدى الحياة أو الترشح لمأموريات متعددة وألح البعض سواء في اللقاءات أو المقابلات الصحفية على هذا المطلب ..الملاحظ أن الرئيس لم يعلق على الموضوع لا بالتشجيع والقبول أو الرفض والاستهجان ..مع أنه يعتبر ضامن الحفاظ للدستور وحامي حماه وهذا المطلب يفصم ظهر الدستور فضلا أن الرئيس أثناء تأديته اليمين الدستورية أقسم أن لا يغير المواد المتعقلة بتحديد المأمورية مما يطرح إشكالا قانونيا ودينيا وأخلاقيا.
البعض يرتب الأمور من زاوية أن الدستور ليس منزلا من عزيز حكيم وليس سنة مفروضة لا ينبغي التقدم عنها ولا التأخر ..لكن هؤلاء ضربوا عرض الحائط بأن ما في الدستور عقد بين الرئيس والشعب وعهد غليظ وميثاق أقسم عليه بالخالق تبارك وتعالى .وقد نهينا عن اتخاذ آيات الله هزؤا.كما تجاهل هؤلاء أن فتح المجال لتغيير الدستور قد يؤدي إلى فوضى عارمة ويجعله "ألعوبة" في يد الرؤساء ربما تصل درجة إدخاله مواد تحمل أبعادا شخصية أو عرقية أو جهوية ..وكما هو من المسلمات فبمجرد أن يعلن الرئيس وهو في سدة الحكم عن مطالبته بتغيير الدستور ستتحرك الماكينة السياسية وتنشط تأييدا ومباركة وستتولى الكتيبة البرلمانية كبر ذلك .وستوازيها الماكينة القانونية والشرعية ولن يعدم المندفعون و المتمصلحون أي تأويل أو تعطيل أو تشبيه أو تمثيل للقول إن تغييره واجب إن لم يكن فرض عين يأثم الكل فردا فردا بتركه، ولن يجد البعض منهم حرجا في الاستفاضة في شرح ذلك وتصوبيه قانونيا وشرعيا ...وكأني ببعض الأحزاب المعارضة كما عوتنا تشق عصا الإجماع وتهرول صوب "التغيير" وتبارك الخطوة وتفتح الجبهات على مصراعيها لتأييدها ومباركتها واعتبارها فتحا مبينا ونصرا"عزيزا" وحينها سيطمر صوت المناشدين باحترامه وعدم تغييره .
أسطر ذلك ,وأنا اشاهد بعض الأحزاب المعارضة تنتقد الزيارة وتقول فيها ما لم يقله مالك في الخمر وتعتبر المستقبلين للرئيس والمعبئين للزيارة مجموعة من "المتمصلحين" الذين يستغلون البسطاء والضعفاء لتسجيل أهداف سياسية وشخصية، ولكنهم رغم البيانات و التصريحات لا يجدون حرجا في السماح لمنتخبيهم في الوقوف بطول ليل الضليل في طوابير المستقبليين الساق بالساق والمنكب بالمنكب لتتساوى الأكتاف مع من يعتبرونهم "مفسدين" وكأن مصافحة الرئيس في زحمة المستقبلين جزء من مهمتهم وركن يتحتم عليهم القيام به..ومع ذلك يغيبون عن اجتماع الأطر الذي يفترض أن يطالبوا فيه بالكلام لتوضيح الصورة الحقيقة للواقع المعيشي.. وبهذا فهم يظهرون في الوقت الخطأ ويغيبون في الوقت الخطأ وكأني بمناوئيهم ينشدون فيهم وهم يرونهم يقفون الساعات ذوات العدد وقد تركوا أعمالهم ومشاغلهم للسلام والمصافحة "هلا لنفسك كان ذا التعليم".
كل زيارة وأنتم طيبون
أحمد ابو المعالي