موريتانيا والمخدرات ...مليارات وعصابات وأسئلة غامضة ح 1
الخميس, 25 سبتمبر 2014 09:33

لم يعرف الموريتانيون المخدرات إلا في وقت متأخر جدا، وحتى منتصف عقد التسعينيات لم يكن بند استهلاك المخدرات أو الاتجار بها متداولا لدى المصالح الأمنية.

وعلى عكس المشروبات الكحولية والخمور التي راجت نهاية السبعينيات والثمانينيات، فإن المخدرات دخلت باستحياء إلى موريتانيا منتصف التسعينيات، قبل أن ينفجر الملف 1997 حيث تفجر ما يعرف بقضية السيد لام والتي راح ضحيتها العشرات من ضباط الشرطة من بينهم ضباط سامون الآن ومسؤولون كبار.

وطوال أشهر من السجن والتحقيق لم تجد السلطات الموريتانية دليل اتهام كبير ضد هذا العدد الهائل من كبار الموظفين حيث أعيدوا إلى أماكن عملهم واستمر سجن الميكانيكي لام لفترة قصيرة.

كان لام يستخدم ويسوق عينة بسيطة من المخدرات يتم تصنيعها في السنغال والمغرب، لكن الرئيس السابق معاوية ولد الطايع أراد من خلال تلك العملية الواسعة إرسال رسالتين أساسيتين:

-   رسالة إلى القوى الأمنية والقضائية بأنه لن يرحم من يتورط في تجارة المخدرات أو حمايتها خصوصا أن موريتانيا حينها كانت تعيش شكوكا بشأن استخدام أراضيها من قبل طائرات مجهولة.

-   رسالة للقوى الدولية المهتمة بموضوع المخدرات، خصوصا أن العالم لا يزال يعيش صدمة الحرب الأمريكية على عصابات المخدرات في بنما والتي وصلت إلى حد اقتحام القصر الجمهوري في تلك الدولة واغتيال رئيسها.

ويتزامن ذلك مع تحول عصابات المخدرات إلى دولة غينيا وتحولها إلى وكر للفساد وانهيار المؤسسات بشكل عام.

وانتهت المرحلة الأولى في مسيرة المخدرات بتعايش حذر مع عصابات التهريب حيث توصلت النخبة السياسية والأمنية المسيطرة على الحكم حينها إلى قناعة مفادها "أن المخدرات غير مستهلكة من قبل الموريتانيين وأن حركتها وتنقلاتها تدر أموالا طائلة على موريتانيين، كما أن التصدي لها قد يدخل البلد في مواجهة مع عصابات إجرامية قوية".

ولا تستبعد مصادر أمنية للسراج أن يكون ملف المخدرات قد أدر أموالا هائلة على قادة ومسؤولين أمنيين كبارا، حيث اعتبر معبر روصو ونواذيبو، بوابتي ثراء للمسؤولين الأمنيين والإداريين الذين يعينون هنالك، تماما كما كان هذان المعبران أكثر المعابر أمانا وانسيابية لدخول المخدرات..

 

المخدرات وفترة الطفرة.

 

يمكن القول إن الانقلاب العسكري ضد الرئيس معاوية ولد الطايع عطل كثيرا من مشاريع الدولة الموريتانية وقدراتها الأمنية لصالح المسار السياسي ومسار الانتخابات، وفي هذه الفترة بالذات نشطت حركة تهريب وتجارة المخدرات إلى أٌقصى درجة ممكنة.

كما شهدت تشكل أهم بارونات تجارة المخدرات في هذه المنطقة،وتشكل أبرز امبراطوريات المخدرات في موريتانيا ومنطقة أزواد ومن أبرزها:

-   امبراطورية سيدي محمد ولد هيدالة : نجل الرئيس السابق محمد خونه ولد هيدالة معتقل في المملكة المغربية سبق أن استولى على أموال طائلة دعم بها العقيد القذافي المرشح الرئاسي الأسبق محمد خونه ولد هيدالة في 2003.

تورط ولد هيدالة في علاقة مع طياريين فرنسيين وكان له مطار خاص في صحراء نواذيبو وفق المصادر الأمنية، قبل أن يستجلب طائرة محملة بالمخدرات إلى مطار نواذيبو ثم يفر لاحقا إلى المملكة المغربية حيث اعتقل هنالك.

-   شبكة عال ولد السوداني : شاب فقير ، تحول إلى ثري بفعل تجارة الأسماك والمخدرات وقد انكشف أمره عندما استولى على ودائع من المخدرات شحنها لصالح مهربين في شحنة أسماك كان قد صدرها إلى إسبانيا، وقد قرر أباطرة المخدرات التخلص منه قبل أن تنفجر الفضيحة بعد ذلك، وفق المصادر الأمنية.

-   مجموعة والتر : وهو فرنسي ناشط في تجارة المخدرات ومطلوب للأمن في عدة بلدان، وقد كان يتعامل مع مجموعة من الموريتانيين من بينهم المدعو بارك الله ولد اكريميش ويحيى ولد المصطفى ولد اعبيد الرحمن.

لقد كان من أبرز مظاهر هذه الفترة

_ إقامة مطارات في الصحراء الموريتانية

-         الاستفادة من صحراء أزواد

-   ربط علاقات مع تجار المخدرات البيظان في مالي (تنتشر تجارة المخدرات بقوة في شمال مالي وخصوصا بين شريحة العرب).

-    تمالؤ الأجهزة الأمنية الموريتانية مع تجار المخدرات لدرجة تجبيد رئيس قسم الشرطة الدولية في إدارة الأمن الموريتاني الضابط سيدي أحمد ولد الطايع لصالح تجار المخدرات، كان ولد الطايع يوفر لتجار المخدرات معلومات عن بطاقات الاعتقال والاتهام التي تصدرها الانتربول بين الحين والآخر ضدهم، وفق ذات المصادر الأمنية.

 

فترة المطاردة.

 

مع بداية فترة الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بدأ ملف المخدرات ينفجر فجأة،ـ وذلك من خلال ظهور طائرة المخدرات في نواذيبو والتي كانت تحمل شحنة مخدرات تقدر بحوالي 7 مليار أوقية وكانت موجهة إلى سيدي محمد ولد هيدالة.

-         اكتشاف باص محمل بالمخدرات في نواكشوط.

-   ضباط مئات الشحن الصغيرة محملة على طريقي نواكشوط ونواذيبو، فيما يشبه حالات توقيف يومية لمتهمين بتجارة المخدرات.

وعاد الملف إلى الجدل بقوة، عندما قام سيدي أحمد ولد الطايع باعتقال ميني ولد السوداني في مطار نواكشوط ونقله إلى منزل تديره عصابة تجارة المخدرات والتر في نواكشوط وخصوصا في الحي ILOK،وذلك عقابا لولد السوداني على محاولته الاستيلاء على شحنة من المخدرات أرسلها معه المدعو والتر.

استطاع ولد السوداني الفرار من قبضة خاطفيه بعد أن تعرض للضرب المبرح، حيث حيث حضرت الشرطة واعتقلت كل من في المنزل وطوال أسبوع من الاعتقال كان ولد السوداني حريصا عبر اتصالات أجراها من مقر إدارة الأمن على إتلاف كل الأدلة والعينيات التي يمكن أن تعتمد ضده، وفق مصادر الأمنية.

فيما كانت الشرطة مترددة بشأن آلات التصنيع التي وجدت بحوزة المجموعة المعتقلة في منزلها، قبل أن تخلص إلى أنها آلات لتزوير العملات، لاحقا ستزور بعثة من الأمن الفرنسي موريتانيا وتقوم بمعاينة الأجهزة لتثبت أنها أجهزة لتصنيع المخدرات.

ملف رهن الاعتقال

وطوال سنتين من الاعتقال تحت إمرة قاضي التحقيق محمد ولد أحمد ولد الشيخ سيديا شهد الملف كثيرا من التلاعب والبطء والرشوات ورغم شفافية القاضي المذكور إلا أن انعدام خبرته في الموضوع عرقل الملف قبل أن يحال لاحقا إلى قاض آخر.

ثم إلى المحاكمة التي آلت إلى  سجن المتهمين أكثر من 11 سنة لكل واحد منهم، ورغم أن النيابة العامة قد طعنت في الملف من جديد، إلا أن ضغوطا قبلية عديدة جعلت الرئيس محمد ولد عبد العزيز يكيف عفوا جديدا عن المتهمين خفض بموجبه سجن كل المحكوم عليهم وخص سيدي أحمد ولد الطايع بالعفو، وذلك بناء على وساطات قبلية نافذة.

وقد مثل هذا الإجراء خطوتين بالغتي الخطورة

-   على الصعيد القانوني : كان العفو منعدما قانونيا نظرا لأن الحكم لم يعتمد رسميا من المحكمة العليا التي لا استنئاف ولا نقض لأحكامها.

-   أرسل رسالة إلى القضاة بأن الدولة لا تريد التشدد ضد المتهمين في قضايا المخدرات وأن الرئيس يعفو عن الضالعين فيها.

-   ينضاف إلى هذا عامل آخر وهو أن السلطات الموريتانية اعتقلت في 2012 أكثر من 20 مسلحا أزواديا في منطقة لمزرب شمالي موريتانيا وهم يحرسون شحنة من المخدرات بقيمة 3 مليارات أوقية وتم عرض الشحنة عبر الإعلام الرسمي قبل أن يفرج عن المعتقلين ويمنح كل واحد منهم ثيابا موريتانية من نوع (بزاه أزبي) ويتم نقلهم في باصات نقل خاصة إلى أزواد وذلك ضمن صفقة مع القبائل الأزوادية.

ونظرا لأن الملف يدور حول شبكات مالية بعشرات المليارات ونظرا للقناعة السابقة التي سادت في الوسط القضائي فقد بدأ رجال الأعمال وأقارب الموقوفين يتحركون من أجل إعادة المحاكمة ويضغطون بقوة من أجل تحديد موعد لجلسة محكمة الاستئناف.

وفي محاكمة سريعة جدا، وخلال ثلاثة أيام اطلع القاضي وفريقه المساعد له على وثائق ملف المخدرات التي تناهز 2000 ورقة، وأصدر حكمه بالبراءة لجميع المعتقلين لينفذ الحكم بسرعة ويغادر أغلب المتهمين موريتانيا بسرعة.

ونظرا لمفاجأة الحكم للجميع فقد طعنت النيابة ضده وقامت المحكمة العليا بتأديب القاضي المذكور قبل فصله من عمله نهائيا.

 

ماذا وراء الصمت الرسمي

لا يبدو ملف المخدرات رغم ما كتب عنه لحد الآن واضح المعالم، حيث توجه المعارضة أصابع الاتهام بين الحين والآخر إلى النظام بالتقصير في معالجة ملف المخدرات وحتى في ربط صلات مع بلدان وأشخاص متهمين برعاية ملف المخدرات.

ورغم ذلك لا يمكن إغفال أن تجارة وتهريب المخدرات تم القضاء عليها بشكل شبه كامل في موريتانيا حيث أصبح الحديث عن اعتقال أو توقيف متهم بالمخدرات أمرا نادر الوقوع.

ورغم ذلك يمكن القول إن موريتانيا لن تفقد دورها في تجارة المخدرات وفي أبسط الحالات ستظل الصحراء الموريتانية معبرا لشحن المخدرات القادمة من أمريكا الشمالية باتجاه أروبا، كما يمكن أن تكون ميدانا لحرب دولية بين تجار المخدرات والقوى الأمنية العالمية.

 موريتانيا والمخدرات ...مليارات وعصابات وأسئلة غامضة ح 1

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox