الأستاذ عبد الله ميارة : كان طلاب الإعدادية يقرأون للبنا وعفلق وماركس
الثلاثاء, 12 مارس 2013 18:08

الباحث عبد الله ولد مياره الباحث عبد الله ولد مياره يحمل الأستاذ عبد الله ولد مياره إحدى أهم حقائب الفكر ثراء وتنوعا وموضوعية، والرجل الذي يخطو بهدوء إلى عقده الخامس، يعتبر القراءة مصدر التكوين الأول في الحياة، ولذا يمارس بشكل متواصل عملية القراءة والنقد، باعتبارها مدخلا مهما للتأريخ وفهم فلسفة الحياة.

يفتح مياره صدره للسراج ويتحدث عن رحلته الفكرية والسياسة وأشياء أخرى متنوعة تنوع شخصية الرجل البحاثة الناقد.

السراج: عبدالله ولد ميارة مسافة من الزمان الثقافي امتدت قرابة ثلاثة عقود،واكب فيها المتغير الثقافي والسياسي،فهل ارتهن إلي نوع من الأداء والمواظبة،أم إلي نظرية محددة في الفن أو السياسية؟

عبد الله ميارة: أشكر مؤسسة السراج على هذه الفرصة التي أتاحت لي وجددت إثارة أشجان كثيرة، أريد أن أبدأ بالسؤال ولكن بصورة أخرى، هذا السؤال في الحقيقة هو سؤال مركب لأنه مثقل بهموم هذا الزمن وأحسنت في التفريق بين هذا الزمان الثقافي والزمان السياسي ولكن سأبدأ من حيث انتهيتم أنتم، سأبدأ قبل أن آتي لا بد أن أسلك محطات بارزة في مسيرة التكوين الثقافي والفكري، محطات أساسية حتى نلج منها إلى السؤال.

كانت النشأة في مدينة بتلميت تلك المدينة المعروفة بتاريخها الديني والثقافي والسياسي، في طفولتي الأولى نشأت وترعرعت في هذه المدينة وهي مدينة ريفية بطبيعة الحال بكلما يحمل الريف آنذاك من براءة وطفولة وألق وعفوية، درجت في مراتع الطفولة والصبا الباكر وأنا لاه مستمتع أعب من الحياة بلا تعب ولا وعي سوى لذة الانطلاق ،بطبيعة الحال عندما أسترجع تلك الطفولة الغائرة تلك اللحظات  المبعثرة من الذاكرة تلك الشظايا المتبقية من ذلك الزمن البعيد أتذكر عالما من الطفولة عالما من البراءة ،الريف بخضرته الواسعة الممتدة ،الأنعام السارحة، الكثبان اللانهائية التي تحرس المدينة من المجهول كأنها تقف على المجهول! السماء الصافية العصيدة المتميزة (العيش) التي عرفت بها هذه المدينة فضلا عن ذلك الامتداد التاريخي الكبير لأن المدينة ضاربة في شعاب الزمن الثقافي بالمدينة بكل ريادتها وحضورها الثقافي والديني إذا هذه النشأة بطبيعة الحال إن كانت فترة الأولى فترة طفولة لكنها بقية حاضرة وساهمت مساهمة كبيرة في تكويني.

جزء آخر من الطفولة أستكمله في نواكشوط لأن نواكشوط هي المدينة التي وعيت فيها ذاتي ووعيت فيها الآخر، هي المدينة التي سحرتني كثيرا من الزمن فأنا القادم من هذه  المدينة القرية كما وصفت إلى المدينة البحر التي رأيت فيها هذا البحر المحيط كوحش كاسر راقبت الأسماك في المحيط وهي تجيء مكدسة في شباك الصيادين ببذلاتهم الصفراء المنعكسة على أشعة الشمس، راقبت الصيادين من الناس العاديين المهمشين العمال الكادحين المهرة البسطاء يأكلون السمك المشوي على أنغام الشاي ويغسلون أيديهم في رمال البحر على الشاطئ راقبت الشمس: الغروب هذه الظاهرة الهائلة جدا والطبيعية والتي تثير في الإنسان الكثير من الكوامن في بحثه عن الخلود. 

هذه المدينة نواكشوط عرفت الناس لأول مرة، البشر الذين ينحدرون من كل صوب ،البنايات الكبيرة وأنا القادم من القرية الصغيرة من (التيكاتن والامبارات ولخيام )إلى المدينة الكبيرة ،الألسن التي هي مختلطة في المدينة كل هذا شكل بداية الوعي للفتى القادم من الريف والذي كان كان كل العالم محصورا في قريته وفي عالمه الصغير فإذا بهذا العالم يتعرض إلى تشظ داخلي إلى نوع من الشزفرينية الطفولية الصغيرة فبالتالي يبدأ الانفتاح على الآخر وهذه مرحلة مهمة.

درست القرآن الكريم كسائر الأبناء أبناء الموريتانيين آنذاك ثم دخلت المدرسة وقد حفظت القرآن الكريم، أخذت ما تيسر من كتب الفقه التقليدية مثل ابن عاشر والأخضري ثم درست الكفاف ورسالة ابن أبي زيد القيرواني وأتذكر أن القرآن كنت أدرسه في فترات العطلة الصيفية في محظرة العلامة الراحل بداه ولد البصيري لكن هذه الطفولة المقسمة ما بين مدينة النشأة بتلميت وكذلك مدينة الوعي كما أسميها نواكشوط لا يمكن أن تستكمل الصورة وتبقى الصورة منتزعة وخارج عن إطارها كما يقول نزار قباني مالم  أتحدث عن مدينة أخرى جئتها في مقتبل العمر في فترة الشباب عندما تخرجت واشتغلت فيها هذه المدينة هي مدينة :أكجوجت وبالتالي هذه المدينة هي جملت الحزن لدي وأخرجتني كما قلت من ذلك العالم لأن هذه المدينة الرابضة في إينشيري والتي هي واقعة أيضا بين  هذه الجبال التي تحرسها من المجهول، هذه المدينة المتميزة بنفسها الصحراوي بطبيعتها الجبلية أيضا سحرتني فترة كبيرة  جدا(ست سنوات) عشت فيها جئتها متوجسا على حين غفلة من أهلها فخرجت منها أكاد لا أستطيع أن أخرج منها لأنها أخذت بكل مجامعي فوجدتني كما قال نزار قباني أتغلغل فيها، كلما زرت  هذه المدينة تخرجت منها مثل غابة الأمازون كلما تغلغل فيها الإنسان ضاع .هذه بدايات  الطفولة أعود لأتحدث عن عملية الوعي أنه قاربت في فترة الإعدادية آنذاك أنه كانت القوى السياسية قوى ثقافية، كان العمل الثقافي هو المدخل للعمل السياسي وأذكر أننا في سنة 1982 ونحن نستعد لدخول الإعدادية كان هنالك  نوادي نادي قومي يديره الناصريون اسمه نادي أبو القاسم الشابي في إعدادية تيارت، حينها كان هناك هوس ناصري قومي مشتعل، ولكن العمل الثقافي كما قلنا هو المدخل الذي يوجه  هذ   العمل السياسي  من خلال النادي، وكانت المناظرات والنقاشات مستمرة وعندما أقارن بين ذلك الجيل المدارسي تتذكر أن طلاب السنة السادسة المستعدون لدخول الإعدادية يتنافسون في النوادي والآن ترى طلبة الجامعة لا يكادون يهتمون بالعمل الثقافي فبالتالي نستطيع أن نقارن مقارنة وتستطيع أن نتخيل أي جيل ذلك الجيل وأي أجيال هذه الأجيال اللاحقة التي ورثته فأي سلف وأي خلف؟

بطبيعة الحال هذه الفترة لم يكن أحد من التلاميذ العاديين يمكن أن يخرج منها دون تأثر بعبد الناصر، إذا هي فترة شكلت بدايات الوعي عن عبد الناصر وعن هذا الرجل الأسطوري القومي بطبيعة الحال سيلعب الإعلام لا شك دورا كبيرا ولا شك كذلك أن المعلمين الأوائل وأغلبهم من الناصريين كانوا يحدثوننا عن عبد الناصر لأننا نحن حينها كنا صفحة بيضاء كانوا ينقشون عليها ما يريدون ولا شك أن عامل الظروف آن ذاك ساعد ببروز المد القومي، ولكن هذا المد القومي لم يتجاوز الإعجاب بشخصية عبد الناصر وبضرورة وحدة العرب وتحرير فلسطين. في مرحلة لاحقة كنت قد تعرفت مبكرا إلى عملية الدراسة فكانت المطالعة واحدة من المشاغل التي لا أزال حتى الآن رغم كل المصاعب حريص عليها، فهي هواية لا تفارقني وأجد فيها اللذة الكبرى وأجد فيها كذلك كل الاستمتاع فأهرب من كل مشاكل الحياة عندما أجد كتابا أطالعه إذا كان يستحق المطالعة وليس مثل هذا الغثاء الكثير الذي نراه هذه الأيام، في تلك الفترة كان لديك كم كبير من الأعمال الفكرية التي تستحق القراءة، تتصور أننا في هذه المرحلة الإعدادية قرأنا طه حسين "الأيام" وقرأنا العقاد ،قرأنا الرواية العربية بكل أشكالها من نجيب محفوظ إلى إحسان عبد القدوس، تصور أننا في هذه المرحلة ونحن تلاميذ إعدادية قرأنا رأس المال لكارل ماركس قرأنا في سبيل البعث لميشل عفلق ،قرأنا كل مؤلفات الكتاب الكبار، ولهذا تعرفت لأول مرة على المدرسة البعثية ولكن كان بشكل فكري أكثر من كونه  حركيا، أذكر أنني دعيت مرة واحدة لاجتماع للبعث ولكن هذا المؤطر كانت ثقافته ضحلة فخرجت من الاجتماع ولم أعد إليه، لأنه الذي يتحدث عنه أنا أكثر إتقانا له منه وبالتالي خرجت مضطرا إلى ذلك، في هذه المرحلة كانت تتشر المراكز الثقافية لا تنسوا المركز العراقي الثقافي كان نشطا وهذه الفترة فترة أوج البعثيين كانت أواخر الثمانينيات نهاية حكم هيدالة فكانت هناك ضربة كبيرة للناصريين أذكر أننا تعاطفنا معهم ولكن لا نعرف السبب الذي جعلهم يكونون  ضيوفا على السجون ولكننا تعاطفنا معهم في هذه المرحلة ونحن طلاب إعدادية ،بعض منهم اعتقل في الثانوية بسبب الإضراب،إذا هذه مرحلة مبكرة ولكن لم نستطع أن نستشف كل تجلياتها ومظاهرها فنظرتنا إليها بطبيعة الحال هي نظرة سطحية .هذه فترة التكوين  فترة مهمة جدا لأن هذا التكوين الثقافي أعطانا مناعة ولذلك لسنا من الشباب الذين انجروا كثيرا في مغامرات بسبب ارتباطنا بهذا الموروث وبهذ الزاد الذي وجدنا فيه ثباتا وأمنا يعصمنا من العواصم التي عادة ما يمر بها الشباب في هذه المرحلة،

لأن كل اهتمامنا كان موجها على الدراسة والمطالعة وكذلك على الأنشطة النافعة كرة القدم وفي السينما إذا في هذه الفترة جاءت مرحلة التكوين الأولى وأذكر كما قلت أن المراكز الثقافية كانت  مراكز نشطة ،المركز الثقافي العراقي المركز الثقافي الليبي، السوري، المصري، وحتى المركز الثقافي الروسي أذكر أنني في السنة السادسة (سكوند) كنت عضوا في النادي الروسي في نادي الشطرنج وفي نادي السينما وأننا تعلمنا اللغة الروسية ،كانوا يقيموا لنا دروسا من  اللغة الروسية ولكن هذه اللغة الروسية ضاعت لم يبق منها إلا" كك فزفوت "أي ما هو اسمك من" يازفوت "عبد الله  ولد ميارة فهذه من بقايا تلك اللغة الروسية التي غادرتنا ونحن في هذه الثانوية.

الإسلاميون تعرفت عليهم مبكرا عن طريق بعض الإخوة مثل اكليكم فهو الذي كان زميلا وكان نشطا وقد أعارني بعض الكتب والحقيقة أنني عندما غادرت البعثيين يممت وجهي شطر الماركسية فقرأت لكارل ماركس ولبعض المؤرخين فكنا نقرأ بعض هذه الأدبيات الذي كان يحضر عندنا فقط هو العدالة الاجتماعية وقضية المستضعفين ولبروليتيريا وضرورة مواجهة الرأ سمالية وهذه بطبيعة الحال هي عناوين أكبر من عقولنا ولكن لا نفهم كثيرا في إنزال هذا الواقع على موريتانيا وهذا سؤال كنت قد طرحته على اليساري الكبير: محمد المصطفى ولد بدر الدين في مقابلة "للسراج "ذاكرة عندما سألته كيف تقدمون برنامجا اشتراكيا في مجتمع لا يتمتع حتي  بمواصفات لأنه مجتمع بدائي و ليس مجتمعا صناعيا حتى وسائل الإنتاج فيه كانت بدائية، فضحك ورفض الإجابة على هذا السؤال.

إذا من الماركسية أعجبنا فيها هو الأدبيات العامة كالانحياز للمستضعفين وقضايا العدالة الاجتماعية ومواجهة الإقطاع والرأسمالية وهذه كلمات كبيرة وشعارات ،

بعد ذلك سنكتشف البون الشاسع بين الواقع والمثال بين الشعار والتطبيق بين البشر والمثل التي يحلمون بها.

التجربة الإسلامية تعرفت عليها في هذه الفترة مبكرا عن طريق الزميل اكليكم وهو إنسان فاضل _لا يزال موجودا_  أذكر أننا شاركنا في أول لقاء وأن أحد المؤطرين الذين جاؤونا في هذه الفترة هو محمد المختار ولد الدمين عندما جاءنا فشرح لنا بعض القضايا كنا نقرأ عن الإخوان المسلمين في الأدبيات ولكن لم ننضم بشكل طبيعي فكانت هذه البداية وأذكر أنهم أعارونا بعض الكتب أذكر أن أول كتاب من كتب الصحوة جاء و به إلي هو كتاب محمد قطب شبهات حول الإسلام ثم قرأت ولكنني أعجبت كثيرا بسيد قطب وخاصة في كتبه الأولى العدالة الاجتماعية في الإسلام لأنه يحمل نفسا تحرريا ثوريا قبل أن يخرج سيد قطب مغاضبا من ظلمة السجون الناصرية بعد ذلك وحاملا  مشعل الحاكمية متأثرا بالمودودي وفكرته الأخرى الحاكمية وقيادته للمجتمع ، وهذا ما جعل حسن حنفي يميز سيد قطب بين مرحلتين مرحلة العدالة الاجتماعية الأولى ومرحلة "المعالم" وفي ظلال القرآن أي ما يسمى بالمرحلة الحركية.يبقي أن  سيد قطب هو أحد المفكرين القلائل اللذين لا أزال أعتز بهم  وءاخذ من روح نفسه هو استقلاله الفكري اللذي قدم في سبيله دمه ونفسه ،فهذه واحدة من القضايا اللتي لا أزال أعتبر أن سيد قطب واحدا من هؤلاء المفكرين القلائل  اللذين ضحو  من أجل الفكرة  وهذاعمل كبير سيقودنا  بعدذالك أن نتحدث عن المفكر و عن المثقف وعلاقته به.

لنقتصر إذا  أذكر أننا  في الثانوية  كانت هنالك تيارات  في هذه الفترة أعرف من بعيد معرفة سطحية بعدهؤلاء الإخوة محمدالمختار ولدالدمين ،الشيخان ولدبيب و خالد ولد اسلمو لأنه كان يدرس معي .

أخذت الباكلورياعام1988،نسيت أن أقول لك أنني في الثانوية لم أكن متميزا من بين التلاميذ ولكن أيضا والحمدلله لم أكن بليدا فكنت متوسطا،  ولكن التاريخ كان أحد مصادر إلهامي  فكنت معجبابه أذكر  أنني قرأت "المقدمة"لبن خلدون  رغم أنني  ءان ذالك لاأفهم المقدمة  ،كنت واحدا من التلاميذ الجيدين في هذه المادة  في" التاريخ والجغرافيا "فأحببتها وسجلت في قسم التاريخ رغم أنني كنت قادما من شعبة علمية  ولكنني اخترت التاريخ  وتخرجت منه .

سنة89 كانت عاصفة علي مستوي تحولات البلد لأنها كانت الفترة اللتي وقعت فيها  حادثة  "التسفير" إذاهي فترة قلقة قبلها  سنوات مستمرة من النضال ،كنا نسمع كثيرا عن اعتقالات وعن "أفلام"،هذه الفترة فترة ولد الطايع كنا لا نذكر كثيرا لأننا  نحن طلاب ثانوية و لم يكن بطبيعة الحال التحليل السياسي كثيرا.

أذكر أنني في سنة88  في هذه الفترة كانت فترة الحرب العراقية ، لا ننسى أن هذه الفترة أيضا كانت  من فترات مجيء الثورة الإيرانية ،ومجيء الثورة الإيرانية شكل علامة فارقة لأن هذه الثورة بثوريتها وبشعاراتها الإسلامية كانت أيضا واحدة من القضايا التي شغلتنا البعض منا أيدها وأناشخصيا في البداية تحفظت عليها ولكن بعد ذلك أصبحت من مؤيدي هذه الثورة لأن هذه الثورة التي كنا نحلم بها ماركسية أو قومية فهي تأتي على الأقل بشعارات إسلامية مما يؤكد بأن الحلول التي كنا نبحث عنها في المذاهب  يمكن أن نعثر عليها في تراثنا  الإسلامي، كما أن هذه الثورة حققت جزء امما كنا نصبو إليه أو شغلت هامشا مما كان من تلك العواطف الملتهبة آنذاك.

إذا هذه المرحلة كما قلت 89 وقعت فيها أحداث التسفير وهي أحداث مؤلمة وكنت أحد الشهود على هذه المرحلة وهي مرحلة بالغة الصعوبة لأنها أحدثت شرخا كبيرا في العلاقات المعروفة التي ضربت بشعابها في تاريخ الزمن بين المجموعتين العربية والزنجية ،والقيادة السياسية في البلدين مسؤولة عنها بالإضافة إلى قوى أخرى  سياسية معروفة ،فهي  كانت ضربة كبيرة للنسيج الاجتماعي والثقافي لهذا البلد الهش، و أعتقد أن أعداء الأمة آنذاك نجحوا كبيرا في هذا الشرخ في تلك الأحداث والحمد لله أنها لم تتطور بعد ذلك.

في سنة 1989 أذكر أنني هذه المرة شاركت لأول مرة في مخيم شبابي كشفي وهو مخيم عقد هنا في معهد ابن عباس و حصلت  فيه على جائزة ،أذكر أنني التقيت لأول مرة  ببعض الأخوة من الخارج أفارقة  أذكر من هؤلاء رجل من غينيا أو أغندا  اسمه محمود كانمباوري رأينا  كثيرا من الجنسيات ، وهذ المخيم أعطانا دفعة قوية جدا وحماسا كبيرا في الشباب أن التقينا بكثير من الأشخاص والأفراد من جنسيات مختلفة.

أما هذه المرحلةالجامعية فكانت مرحلة تمور مورا بالسياسة هذه الفترة 89 كانت الجامعة مختبرا حقيقيا للأفكار والرؤى والسياسات،، الناصريون والإسلاميون  والبعثيون واليساريون بكل تصنيفاتهم، أذكر أن الاتحاد في هذه الفترة كان يرأسه  الوزير السابق حمود ولد عبدي وءان ذاك كان الإسلاميون يقودهم محمد جميل منصور في هذه الفترة كانت الجامعة ساحة حقيقية وأننا شاركنا في هذا النضال أعتقد أن أول إضراب كان ناجحا هو الإضراب الذي تم في هذه السنة أواخر 88-89 واعتقلت فيه وهذا الاعتقال لم يكن بسبب أنني أحد قيادات الإضراب  ولكنما لأن أحد المخبرين كان قد رءاني و أنا مع محمد جميل ولد منصور في أحد أزقة "ابرمير" ونحن نقدم من المسجد ذات  مساء فطفق يخبر فاعتقلوني من المسجد  ولم تكن تهمتي   فقط إلا أن أذكر لهم أين يوجد محمد جميل؟ فوا الله أقول لاأعرف أين يوجد؟!،مكثت ثلاثة أيام  استجوبوني في مفوضية  الشرطة بتيارت ثم أطلقوا سراحي،هذالإضراب اعتقل فيه كثير من الإخوة  منهم اكليكم ولد احمد،كان هذالإضراب ناجحا لأن المطالب كانت مهنية:

التغطية الصحية، والمنح والمطعم الجامعي والنقل، رأينا بعد ذلك أن تخرجنا من الجامعة أن هذه المطالب تحققت وهذا يعطيك درسا بسيطا  هو أنه ليس أن تناضل من أجل شيء ويتحقق هو ناضل فيه آخرون وسجنوا وعذبوا ولكن الثمرة يحصدها آخرون وهذه  طبيعة الأشياء في الأرض أنت تغرس والآخرون يأكلون من هذه الثمرة.

في هذه الفترة عرفت أهم قادة العمل السياسي الإسلامي في هذا البلد تعرفت على هؤلاء أبو بكر ولد أحمد ، الحسن ولد مولاي أعلي، محمد الحبيب ولد أحمد ، الشيخ محمد المختار كاكيه ، الشيخ عبد الله ولد الركاد مشايخ فضلاء وكبار أعتز بهم وبتجربتي معهم، كان مخيم 89 في الراحة هو مخيم الشهادة في كيفه، وأنا أ صبت في هذا المخيم حينما انقلبت السيارة التي تقل الشباب وتري  هذه الجروح من بقايا ذلك الحادث واستشهد فيه أستاذ فاضل هو الشهيد المرحوم محمد الأمين ولد لمام وهو رجل آنذاك من رموز وقادة الصحوة الإسلامية علما وأخلاقا كما جرح فيه سيدي محمد ولد الشيخ عبد القادر من قرية" علب آدرس" أصيب بجروح كبيرة ويسمى هذا المخيم مخيم الشهادة !وقع هذ الحادث في الطريق بين "آلاك ومقطع لحجار".

حينما تخرجت من الجامعة خرجت من العمل الإسلامي بمعناه التقليدي وبقيت فقط في العمل العام علاقتي بالأخوة هي علاقة  حسنة لكني لم أبق  عموما مندرجا معهم، أذكر أنني في هذه الفترة ونحن في مرحلة الثانوية وبداية المرحلة الجامعية كان عندنا في تيارت مايسمي مجموعة شباب "مسجد تيارت" كان عندنا  فريق يسمي فريق الهدي،كانت   عندنا أعمال تطوعية شارك معنا الأخ محمد جميل والأخ محمد المامي ولد محمد نوح ،المرحوم محمد ولد حمدي وشيخاني ولدبيب وبعض القيادات، وأننا في تيارت أنشئنا أول نادي شبابي يعمل في العمل العام وهو مركز عائشة للتعليم وعلى فكرة  علي نمط مركز عائشة سينشأ  نادي عائشة ،أذكر هنا دورا كبيرا للأستاذ بون عمر لي الذي كان آنذاك مديرا لهيئة الإغاثة الإسلامية  وقد ساعدنا وكذلك أحمد ولد الراظي الذي جاء بعده فهذين الرجلين كان لهما  دور بارز في تشكيل هذا المركز، إذ اأنشأ نا هنالك نادي وهذا النادي كان مدرسة حقيقية للشباب، وقد عمل كثيرا من الأنشطة :الجداريات التي أبدع  الأخ اكليكم في تصميمها وإخراجها وتزويدها با المادة العلمية فكانت في الحقيقة مدرسة للفن التشكيلي ، فلأول مرة يقوم هؤلاء الشباب الذين كان يظن الناس بأنهم دراويش بعمل كهذا، كما أن الشباب شكلوا مكتبة كبيرة وأذكر أننا في النادي لأول مرة جاءنا محمد جميل فوضع لنا نظاما داخليا كتبه بخط يده وعلى أساسه انتخبت أنا وهذه كانت مرحلة مهمة حيث أصبح النادي مؤسسة حقيقية وساعدت هيئة الإغاثة في إيوائه عن طريق تأجير المقر وقد استمر هذا النادي سنوات كثيرة وحارب محو الأمية عندما أنشأ قسما لها وجمع الأخوات فكانت لهم دروس يلقيها بعض الأساتذة الإخوة كما أنشأ أيضا نواة اجتماعية عندما أنشأ مركزا للخياطة ساعدت الهيئة فيها ببعض الماكينات ،ثم أيضا كان  يقيم الإخوة فيه دروسا أذكر أن السالك ولد سيد محمود كان يقدم فيه دروسا يدرس أهل"ترمنال "طلاب الرياضيات في هذه الفترة تعرفت على الحسن ولد محمد  فهو من الإخوة اللذين تعرفت عليهم في هذه الفترة

يقودني   الحديث  هنا عن هذه المرحلة إلى مرحلة الصحافة حيث أصدرنا مجموعة من الصحف منها "الفلق "لا أزال أذكر مقالا كتبه فيها محمد جميل، المصطفى ولد اكليب وكذالك المصطفى ولد محمدو وكتبت فيها أول مقال وأن في السنة الأولي من "التاريخ"  عن  الأدب الإسلامي بين الواقع والطموح، لا أزال أحتفظ بنسخة منها موجودة عند الأستاذ: أحمد وديعة ،وأعتقد أن هذه المرحلة مهمة جدا لأن مرحلة المركز في تيارت  مرحلة ساهمت في نشر الفكرة الإسلامية وأعطت عنها انطباعا حسنا تم استثماره حتي هؤلاء الشباب  استطاعو أن يصلوا إلى" هياكل تهذيب الجماهير" فأصبح الأخ اكليكم مسؤول الشباب وأصبحت البطريقة بنت كابر مسؤولة النساء وكنت أنا نائبا للأخ أكليكم، وكانت هذه المرحلة قبل الانتخابات أي قبل أن يتبني ءان ذالك "ولدالطايع"المسار الديمقراطي الذي أعلن في 91  وهذا المرحلة بحاجة بالمناسبة إلى الكتابة وقد كتبت فيها مقدمة ومحاولة تأطير وأرجو أن يوفقني الله لأن أسجل فيها ذاكرة الشعبية أو أن أسجل فيها تجربتي .

دخلت الصحافة من هذا المجال أتوقف هنا لأعود إلى سؤالك الأول حيث سألت عن الزمان الثقافي، أحسنت حينما فصلت الزمن الثقافي عن الزمن السياسي لإن الزمن الحقيقي هو الزمن الثقافي لأنه مستمر وإن كان العمل السياسي هو الذي يأطر ويقود العمل الثقافي.

أنا دخلت السياسية من باب الفكر، عادة الناس الذين يميلون إلى الفكر ليسوا هم الأصلح دائما للسياسة، فالسياسة لها ألاعيبها أما العمل الفكري فهو عمل  رصين ودقيق يحتاج إلى أنات و إلي حلم، فالعمل السياسي هو كما يقولون هم هو" فن الممكن "ويحتاج إلى تكتيك وإ لي استراتيجيا، ولهذا لست سياسيا  بالمعني الحقيقي فأنا أقرب إلى المثقف  وإلي المفكر(وأنا  لست مفكرا بالمناسبة )فهذه عبارة يقولها لي الشباب ممازحة ، لكنني أحب المفكرين وأحب المثقفين مع أنني لست منهم وأحب السياسيين كذالك أفهم السياسة ولكن ليست هي تجربتي.

 الأستاذ عبد الله ميارة : كان طلاب الإعدادية يقرأون للبنا وعفلق وماركس

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox