أحمد سالم ولد الشيخ الحسن أحمد سالم ولد الشيخ الحسن أديب من الطراز الرفيع، يكتب الشعر بشقيه الفصيح والشعبي بأسلوب آسر،ويختار قاموسا خاصا يمتحي منه ألفاظه ليصوغ القصيد" منطقة حرة لا تذوب عند حدودها التعرفة الجمركية".ولد الشيخ الحسن يكرس شعره لقضايا الأمة ويعتبر نفسه "أثيرا حرا"لأصوات المبحوحين والمرحلين تعسفيا من وزارة التهذيب.

قال الأستاذ والشاعر أحمد سالم ولد الشيخ الحسن إن سعي الكثير من الشعراء الموريتانيين وراء الحداثة الشعرية أبعدهم عنها  وعن الجمهور،وإن كانت هناك نماذج حداثية متميزة كــ ولد الطالب والشيخ سك وولد بنمبا.

وحول تقييمه للشعر الموريتاني قال ولد الشيخ الحسن أنه يعتقد أن حركة الشعر المعاصر في موريتانيا بخير و تسير في الاتجاه الصحيح سواء على مستوى الصور والأخيلة أم على مستوى المضامين والأساليب.

وأضاف ولد الشيخ الحسن في مقابلة مع السراج أن الشعر بالنسبة له مطر إعصاري  تخضر به الذات الهائمة قبل أديم الحياة الخارجية.

وتطرق الحوار إلى بعض القضايا المختلفة في تجربة الشاعر.

نص المقابلة:

السراج : كيف يقدم  الأستاذ أحمد سالم ولد الشيخ الحسن نفسه أدبيا للقراء؟

أحمد سالم ولد الشيخ الحسن: بخصوص سؤالكم فلدي تحفط بسيط في صياغته حيث أني لا أستطيع أولا أرغب في تقديم نفسي ولا أدبي للقراء ولو أردت ما اسطعت لأني أرى في ذلك نوعا من العرض والأدب بنظري متمرد على قانون العرض والطلب ، وإذا كان لابد من ذلك فإن نصوصي منطقة حرة لا تذوب عند حدودها التعرفة الجمركية فحسب بل تفقد النقود وظيفتها بعيدا عن الكهف حيث يمكن للقارئ أن ينظر أيها أزكى طعاما في إشباع رغبته في معرفتي أدبيا.  

السراج : ما روافد التجربة الأدبية للأستاذ أحمد سالم، من أن يستقي شلال الإبداع ؟

أحمد سالم ولد الشيخ الحسن:  تتداخل تلك الروافد وتتعدد ، من المحظرة القرآنية إلى المحظرة الشرعية واللغوية ، ومن المدرسة العصرية إلى المراكز والنوادي الثقافية . لقد حفظت القرآن مبكرا على يدي معلمتي  مريم بنت محمدسالم ولد احمياده رحمها الله في قرية ناصر الدين شمال المذرذرة ، ثم درست بعض العلوم الشرعية واللغوية ( بعض مختصرالشيخ خليل وألفية ابن مالك بطرة محنض باب ولد اعبيد وبعض المعلقات ... ) كل ذلك على يد شيخي احمد بن محمدا رحمه الله في محظرة آمنيكير شمال المذرذرة.

وقبل هذا وذاك ليس الأدب بالغريب على محيطي الأسري فجدي أحمدو بن المامون وابنه محمد فال كانا من أهل الأدب وحتى والدي الشيخ الحسن بن محمد فال رحمة الله على الجميع كان ( ابكاف ) وخالي المختار بن حادن يعد محليا من ( لمغنيين )   وهنا في العاصمة فتحت عيني على عالم جديد بكل المقاييس النظم الدراسية العصرية والمراكز الثقافية فقرأت للكثير من الأدباء والشعراء على وجه الخصوص ، قرأت للمنفلوطي ولنجيب محفوظ وللمسعدي ولطه حسين وللطيب صالح وللعقاد ولمحمد مندور وأحمد شوقي ومعروف الرصافي وحافظ ابراهيم وإيليا أبو ماضي ومطران وأبوريشة ونزار قباني الذي حفظت الكثير من نصوصه.

وقد التحقت مبكرا بالنوادي الثقافية فكنت رئيس جميعية شبيبة بناء الوطن 1994 وعضو مكتب النادي الثقافي الجامعي 1995 ، كتبت عدة نصوص مسرحية من بينها ( حدث بعد العشاء والدكتور مجبور التي شاركت في بطولتها على خشبة دار الشباب الجديدة 1994.

السراج : تكتبون بتميز فائق الأدبين الفصيح والشعبي برأيك هل يتجاوران في ذائقتكم الشعرية أم لكل منهما في الفؤاد سبحه ومجاله؟

   أحمد سالم ولد الشيخ الحسن: إن ذائقتي ومخيلتي الشعرية ووجداني مساحات رقمية القدرات  تختلف فيها التضاريس ويتصارع التاريخ  من السهول الخضراء والجبال الشامخة إلى الأودية السحيقة  والخلجان المتموجة ومن موقعة قابيل ومعركة ذي قار إلى فتح مكة ورباط بن ياسين وخريف غزة ، ورغم هذا التعدد والتداخل لا أعتقد أن وجداني أحياء عشوائية تحتاج للاستصلاح ورغم حركته البركانية والحشود الهائلة المعتصمة بداخله لا أعتقد أنه مدن حديثة يحتاج ضبط النظام فيه قوات أمن ومدرعات أوبلطية ، فالكل يسير بأمان وانتظام ويولد من نفس الركام ودقا عند البعض  أو غيره آخرين ، صحيح أن هناك بعض القضايا والمواقف التي يكون فيها الشعر الشعبي أنسب والعكس صحيح.      

الشعر بالنسبة مطر إعصاري  تخضر به الذات الهائمة قبل أديم الحياة الخارجية ، يحيل النفس الجرداء إلى ربوة ذات قرار ومعين ، تحتضن الذات الشاعرة المتفاعلة اجتماعيا دورته المتكاملة من حرارة وتبخر وتكاثف ، فإذا كان السحاب المؤلف بينه في غياهب الوجدان سياسي الذرات أونقابيها أو إصلاحيها   فإن المطر الشعري سيأخذ لون وتركيبة ذراته وليس للإرادة وقتها دور في عملية التساقطات ، ولا ينفي هذا تأثير الأحداث اليومية أوالمناسبات في الولادة الشعرية لكن أقصى ما يمكن أن يصل إليه دورها أن تكون محفزات تعجل ولادة النص.

السراج : برأيك هل وصل الشعر العربي في بلادنا في عملية التحديث أو إلى مستوى "الحداثة" المطلوبة شعريا؟

أحمد سالم ولد الشيخ الحسن:لا أعتقد أن للحداثة مدى أو حدودا فكلما عانق النص طوعيا الذائقة الواعية للمتلقي هموما وتطلعات أسلوبا ومضمونا أمكن وصفه بالحداثي ، إذ أن السعي الإرادي وراء الحداثة بنظري قد يجر الشاعر إلى تحديثي أخطأ الحداثة  فاستعبد الشاعر وأجدبت الواحات الشعرية . وفي شعرنا اليوم نماذج حداثية رائعة بشر بها مجموعة من الشباب مثل محمد ولد الطالب وسيد محمد ول بمب  وجاكيتي سك وغيرهم.                    

السراج : بين الجيلين السبعيني وجيل التسعينيات الذي يردفه جيل الألفين، كيف تقيمون مسيرة الشعر المعاصرة في موريتانيا؟

 أحمد سالم ولد الشيخ الحسن: أعتقد أن حركة الشعر المعاصر في موريتانيا بخير تسير في الاتجاه الصحيح سواء على مستوى الصور والأخيلة أم على مستوى المضامين والأساليب ، الملاحظة الوحيدة التي يمكنني إبرازها هنا هي:أن سعي الكثير من الشعراء وراء الحداثة بوسائل شتي أبعدهم عنها وعن الجمهور وعن ذواتهم الشاعرة ، إذ أفرطوا في الترميز لا الرمز وشغلتهم الصور الاصطناعية الزاحفة عن الصور العفوية المحلقة.  

السراج :  ينحاز شعركم إلى قضايا الأمة، وقضايا النقابة وقضايا الإصلاح، برأيك كيف يمكن المزاوجة بين شفافية الشعر وسموه الذوقي مع قضايا تأخذ من السياسة والفقه والعمل النقابي بطرف، ألا يتحول الشعر حينها إلى منبر تارة ومنصة سياسية، ووقفة احتجاجية؟

أحمد سالم ولد الشيخ الحسن: ( اسلامي ) نسبة تشرفي في عمومها وخصوصها قبل أن تشرف شعري ،  أما بخصوص السؤال فاعتقد أن إرادة الغرض الشعري فعلا تفقد الشعر أهم خصائصه كالعفوية والحرية والموضوعية ، ومن هنا فإذا كان الشاعر سلك طريقا غير التي يسلكها وجدانه متقمصا وجدانا آخر وتفاعلات ذات شاعرة أخرى فإن القضية لن تكون قضية لين فحسب بل قد يموت الشعر نفسه حسب القدرة الشعرية والشاعرية للمتقمص ، أما إذاكان الفيضان الشعري نابعا من شلالات الوجدان وبراكينه فلا معنى للحديث عن لين أو ضعف بذريعة الموضوع.

و هذه حجة يسوقها بعض مؤرخي الأدب ونقاده في تعاطيهم مع الشعر في صدر الإسلام وما بعده مقارنة بالشعر الجاهلي أو مع بعض الشعراء المسلمين الذين حطموا بعض القيود الدينية والخلقية تعبيرا أو موضوعا كأبي نواس ونزار قباني .. لكنها حجة داحضة ، فلنقرأ لحسان بن ثابت ولكعب بن زهير وأبي العتاهية وأبي العلاء وأبي تمام والمتنبي.

فعلا شهد الشعر انحسارا كما وكيفا مع ظهور الإسلام إذ اختفت بعض الأغراض كالخمر والغزل الحسي والهجاء ، لكن السبب الأكبر وراء هذا التراجع ليس طريق الخير التي بشر بها الإسلام وإنما انشغال المسلمين ببلاغة القرآن وفصاحته وانكبابهم على الجهاد ، وكل ما يمكن قوله في هذا المجال أن الإسلام هذب ألسنة الشعراء ورسم فضاء حركة الخيال الشعري الناطق.

السراج : ليست لكم مشاركة كثيرة في مسابقات جوائز الشعر، هل ترغبون بالشعر عنها أم ترغبون عن جوائزه؟.

  أحمد سالم ولد الشيخ الحسن: صحيح ليست لدي مشاركات في تلك المسابقات تجاريها ومجانيها ليس رغبة عن جوائزها ولا رغبة بشعري عن بعضها ولكن ظروف العمل تجعلني بعيدا عن مسايرة الأحداث في أغلب الأحيان.

السراج : ماهي أقرب نصوصكم الشعرية إليكم؟

  أحمد سالم ولد الشيخ الحسن:  أقرب نصوصي إلي : دموع تبحث عن جفون : ومطلعها : الصمت حطم سكتي وقطاري @ فلمن أبوح بهذه الأسرار ؟  ولمن تبث قصائدي أشجانها @ وجراحها في السفح في الأغوار ؟

السراج:في تجربتكم مع الأدب الحساني أي المدارس تراها أقرب إليكم،

أو أنتم أكثر تأثرا به مدرسة أهل إكيدي، مدرسة الشباب الحداثيين؟.

أحمد سالم ولد الشيخ الحسن: قد يكون غيري من النقاد أكثر قدرة في الإجابة على هذا السؤال ، لكني بمراجعة ذاتية لبعض نصوصي أجدني بين تينك المدرستين آخذ من إيحاءات الأولى وعولمة الثانية. 

تحضرني ( طلعة ) نظمتها  في إضراب 2008 هي :   لصلاح ال سيل لبطاح @ كبلل ابط اخظر لمراح @ كبلل ابط الا عاد ارياح @ خرصل من ش ارفدن @ كون اكرن صفر اكبار اصحاح @ بلفال احن هون احدن @ كمن فيه انبط لسراح @ حمين فيه ابردن @ الارين من كبظ اراح @ الانلل مارين بدن @   مطالبن عادت قاب @ قوسين من أوأدن @ اباش ارتبن فالنقاب @ واتكتلن باش انزدن

السراج:" لكطاعات" جانب مهم جدا من الأدب الشعبي لأنه اختار القريحة، حبذا لو اخترتم لنا نموذجين من" الاقطاعات" التي ترضون عنها؟

أحمد سالم ولد الشيخ الحسن: صحيح إن لــ"لاكطاعات" دورا كبيرا في اختبار القريحة الحسانية وترويضها ، ولدي منها نماذج متعددة سأختار لكم منها النموذج التالي بيني وبين أخي وصديقي محمدن ولد امبيريك الملقب بـ (بدن ) بتشديد الباء والدال ، في نهاية العطلة الصيفية 1994 في حاضرة اكرم كان أخي بدن قد ودع  أهله خارج  الدلالات الشرعية لأنهم ذاهبون إلى البادية (لعزيب ) مع بعض الأقارب ، بينما سينطلق هو في اليوم الموالي إلى نواكشوط استعدادا للذهاب إلى مكان عمله كمعلم ، بينما كنت أستعد للذهاب إلى البادية في مهمة من مهام الأسرة كنت وقتها طالبا ، صباح اليوم الموالي كانت هناك سيارة تحمل بعض الأسر الذاهبة إلى البادية ( لنكيت ) ركبت فيها وفاجأني أن صديقي المتجه إلى نواكشوط سابقا بداخل السيارة ، يبدو أنه غير رأيه ، المهم أتينا ( لعزيب ) بعد الظهر ولم تنته اجراءات الضيافة إلا قبيل المغرب ، لا حظت أن بعض الموجودين هناك يتدارسون الطريقة المناسبة لمقام الأسرة الجديدة ، بين من يقترح التنازل لهم عن خيمة ومن يقترح وضع كفاء على أعمدة ( بركينه )

، التفت إليه قائلا : نبغ كبل اتسوحل يحظيك @ وكتن فركين واهنين @ تدخل بركين مزين @ يبدن تدخل بركين

قال : ما كط ادخلن فل فات @ بركين واسو فركين @  وافنكر البركين لمبات @ ماه حت ماكن  فين

       قلت : عاد حد ادارك ش زين @ افوقت لعوايد زين @ وابن بركين توف امبين @ اصلوح هي واكين

قال :  خبرالبركين   وقت فات @ وفوه احن كاع        افين @ راء هذ خيم نعرات @ نعراتن خيم زين  

قلت : ما جيت ابنيت لستقرار @ فلخيم دبشك لحصين @ لحصير والطفل والكار @ والشنط وانت وافين

السراج- لو أردتم منح جائزة أمير الشعر الحساني قديما لمن تمنحونه ومن الأجدر بها الآن؟

أحمد سالم ولد الشيخ الحسن:الحمدلله أن السؤال مقدم بــ لو ، فاختيار مستحق تلك الجائزة قديما يطرح أكثر من مشكل لصعوبة الاختيار ، بين محمد ول ابن ول احميده  ومحمد ولدهدار ومحمد ولد احمديوره و محمد ولد آدب وول الكصر وابراهيم ول ابراهيم وغيرهم . وتزداد الإشكالية إذا تعلقت الجائزة بشعراء الحسانية اليوم فهم كثر والحمد لله ، أقترح توزيعها بينهم  .

السراج : خاتمة شعرية.

- من مرثيتي لمحمدسالم ولد عدود:            

 ودّع الفجر وابك جرح السجود  @ فالليالي تجيد خلف الوعود

إن أطلت بوصلها لحظات @ فترقّب قطع الصروم الصدود

أين من عاش في ربى الأرض ممن  @ ظللتهم سماء هذا الوجود ؟      

 سائل الضاد كيف أضحت رباها      @ بعد شيخ المقصور والممدود ؟

سائل الفقه بعده عن حواش     @ وشروح لمفردات العقود

واسأل الوقف والقراءة عنه     @ حين تبكي المدود ملء المدود

ولتسل عنه نبتة العلم كلا  @ ووفودا أتته بعد الوفود

واسأل الخمس يوم حر وقر @      أين حامي الحمى وراعي العهود ؟

كان قيدا لشاردات المعاني وحراكا على سكون الجمود

كان فهما ومنهجا وسطيا  @ يحسن الفصل في التباس الحدود

صهر الأصل والحداثة صهرا  @ كأساس للمنهج العدودي .