التقي ولد الشيخ : الأدب الساخر أكثر جدية من الأدب الجاد نفسه.. لأنه دمعة في ابتسامة |
الثلاثاء, 21 سبتمبر 2010 11:37 |
عرف من بين الشعراء الموريتانيين بسرعة البديهة وقوة السبك زايادة على إيداع الطرافة داخل النص الأدبي الجاد، الشاعر التقي ولد الشيخ شكل نسيجا وحده في توجهه الأدبي وفي خطه السياسي وفي نضاله إلى جانب المستضعفين والمظلومين وإلى جانب قضايا الإنسانية يصف نفسه بأنه شاعر الرفض للظلم والتطبيع عن ذلك يعبر قائلا وقفت في زمن التطبيع أحمله هما وتحمل أشعاري به ضجرا إن لم يكن حجرا شعري فإن به مايجعل الناس طرا تحمل الحجرا
اليوم اختار التقي ولد الشيخ أن يدشن رفقة مجموعة من الأدباء الشعبيين أول تجربة إعلامية تسعى إلى رفد هذه الأدب الشعبي وتقديمه في لبوس جديد،وفي رؤية جديدة كما أنها تسعى إلى حمايته والدفاع عنه وتنميته. يعرف عن ولد الشيخ قدرته الفائقة على اقتناص جماهير الشعر عبر مقطوعاته الرنانة الراقصة التي جعلت الكثيرين يلقبونه بأحمد مطر موريتانيا نص المقابلة • تكتبون باحتراف مشهود به النص الشعري الفصيح والنص الشعبي... إلى أي مجالي الإبداع هذين تجد نفسك أقرب وكيف يتعايش لديكم النصان؟ التقي ولد الشيخ: أنا أعتقد أن الشعر الفصيح والشعر الشعبي الذي نسميه "لـغْـنَ" يخرجان من مشكاة واحدة وأنهما وجهان لعملة واحدة هي التعبير عن أحاسيس الشاعر وأنا أكتب بالفعل هذين الأدبين وأعبر بهما عما يختلج في نفسي من أفكار وأحاسيس ولكني أعتقد أن الشعر الفصيح ينتمي إلى الثقافة العالمة ولذا عندما أريد أن أعبر عن هموم الطبقات العريضة المسحوقة أجد أن "لـغْـنَ" أقدر على الوصول إلى تلك الطبقات. لا لأن الشعر عاجز. كلا، بل لأن تلط الطبقات عاجزة عن استيعاب الشعر وهي أقرب إلى استيعاب الشعر العامي. • صحيفة جديدة تعتني بالأدب الشعبي بمبادرة من نخبة من كتابه أنتم في مقدمتهم... هل يراودكم الشعور بأن الأدب الشعبي مهمش لصالح أخيه الفصيح؟؟ الأدب الشعبي مهمش كالأدب الفصيح وهما "في الهوى سواء" يعانيان تهميشا وإقصاء شديدين وإن كانت هناك بعض الهيئات التي تعنى بالشعر الفصيح. لكن نحن للأسف الشديد في بلاد يروج إعلامها المرئي والمسموع لأشكال غير راقية من الشعر العامي والشعر الفصيح ورغم حضور الأدب الشعبي تحديدا في برامج الإذاعة والتلفزيون فإن ما يقدم منه لا يرقى إلى تطلعات المهتمين بهذا المجال. ولذا جاءت هذه الصحيفة للتعريف بالأدب الشعبي وإشكالياته وتقريبه من المواطنين الذين لم يعهدوا صحيفة تتكلم عن هذا الأدب وقد شارك في تحرير هذه الصحيفة أناس معروفون بكفاءتهم في الأدب الشعبي مع أن لهم كذلك قدما في الأدب الفصيح. وهنا أريد أن أدفع تهمة يروجها بعض المثقفين مؤداها أن الأدب الشعبي نافذة لقتل اللغة العربية وأن الذين يهتمون بهذا المجال إنما يريدون سد الباب أمام الفصحى. وأنا أقول إذا لم تجد الفصحى ممن يوجه لها سهما سوى القائمين على هذه الصحيفة فمعناه أنه لن تسدد سهام إلى الفصحى. • هل لنا أن نتوقع إنشاء رابطة للأدباء الشعبيين أو نوادي وجمعيات متمحضة لهذا المجال؟ شخصيا لا أفكر في إنشاء رابطة أوجمعية مختصة للأدب الشعبي لكني سأثمن هذا الأمر إن وقع. وهنا أثمن الخطوة التي قام بها اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين في الفترة الأخيرة من استحداثه هيئة تعنى بشؤون الأدب الشعبي. • يشهد الشعر العامي في بعض البلدان العربية -في المشرق تحديدا- رواجا كبيرا. كيف ينظر الأديب الموريتاني إلى هذه المسابقات وهل يرى أن رياحها قد تصل يوما إلى سواحله؟ المشكلة هنا هي مشكلة المتلقي، فأنا أعتقد أنه لو شارك أديب شعبي في إحدى هذه المسابقات وألقى شعرا حسانيا أمام هذه الفئات العريضة التي أكثرها مشارقة لا يفهمون الشعر الحساني فما سيصل إليه من نتيجة هو محاباة. وهذه المسابقات بصورة عامة أنا لا أنظر إليها نظرة مكتملة الإيجابية تجاه الأدب. صحيح أنها تحييه وتعطيه زخما إعلاميا وتربط الناس به لفترة لكنها لها معوقاتها التي لا تجعلها تصل إلى ما نريده جميعا من خدمة الأدب والأدباء. • لقد تحدثتم في مقال لكم نشر حديثا عن "ذبح الشعر على نصب الـSMS" ومن الواضح أن لكم رأيا في المسابقات التلفزيونية... لكن لا مناص من الاعتراف بأنها أعطت للشعر زخما ما كان له أن يجده بدونها؟ أنا كتبت مقالا تحت عنوان "الشعر يذبح على نصب الـSMS" وأبديت فيه ملاحظات على مسابقة أمير الشعراء وعلى أدوار من مسابقة القناة المستقلة التي يطلقون عليها اسم "شاعر العرب". وهنا أسجل شكري لدولة الإمارات على اهتمامها بالشعر العربي وبالشعر النبطي ولكني لا أرى أن هذه المسابقات تنصف الأدباء فالجمهور الذي يتلقى الشعر ويصوت عليه بالـأس.أم.أس في أغلبه جمهور غير عالم بالشعر. فلو سألته عن ا مرئ القيس وهو أول شاعر لما عرفه ولو سألته عن نزار قباني وهو آخر شاعر لما عرفه فهو إذن ليس جمهور شاعرا ولذلك فنحن نعرض مواهب الشعراء للتلاعب ونضعها بين يدي جمهور لا يفهم الشعر. كذلك يجب أن تكون هذه اللجان التي تشرف على هذه المسابقات أرقى مستوى مما هي عليه الآن: ففي مسابقة أمير الشعراء شاهدنا لجنة لا تتعاطى العربية الفصحى نطقا ولا تتعاطى مع اللغة العربية دراية فتلحن الشاعر فيما لم يلحن فيه وتجيزه في أمر ما كان له أن يجاز بها. ولذا فمصداقيتها -بالنسبة لي مهزوزة. وأريد أن أقول شيئا: إن أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر العرب محمد مهدي الجواهري نالا ألقابهما في وقت لم تكن فيه الـأس.أم.أس موجودة لكن الشعر بقدرته كان قادرا على الانطلاق والنفاذ والوصول إلى فجاج بعيدة في المعمورة او في الوطن العربي على الأقل ولذا نالا لقبيهما بجدارة دون أن يصوت لهما أحد. لا أعارض إقامة مسابقة للشعر ولكني أتمنى أن يوكل إلى الجمهور منها نسبة 20 أو 30% مثلا. وهذا ما كتبته عندما استدعتني قناة "المستقلة" للمشاركة في مسابقتها ضمن شعراء موريتانيين فكتبت إليهم إني أعترض على نظام المسابقة الذي يكل إلى الجمهور نسبة 50 بالمائة من التصويت وقد رأينا شعراء نالوا المرتبة الثانية ولما جاء التصويت صاروا في مؤخرة الركب كالشاعر الموريتاني الدي ولد آدبه. ورأينا شعراء ليسوا على المستوى كالشاعر السوري أصلان الذي يكسر اللغة العربية ويأتي بمنكر من الألفاظ ولا يحترم قواعد العروض ومع ذلك قذف به الجمهور إلى المراحل الأولى. وأنا اعتدت على الصراحة ولذلك أقول مثل هذه الأمور. يجب إذن أن نشرك الجمهور لكن يجب أيضا أن نشرك النخب أكثر. وللأسف الشديد أسجل هنا ملاحظة تحز في نفسي وهي أن النخب في مسابقة أمير الشعراء قد انحازت إلى أعلامها وكان يجب أن تنحاز إلى الإبداع. وكثيرا ما رأينا شخصيات معروفة في هذه الدول وهي تحشد التأييد للمرشح كذا ... لأنه من بلدهم وكان الأولى إن أردنا حقا أمير للشعراء أن ننحاز إلى الإبداع وأن لا نخادع أنفسنا ونعامل الشعر كما لو انه كرة القدم. • التقي ولد الشيخ... الشاعر المعارض الذي يلبس الرفض والممانعة ثوب الطرافة والنكتة مما استقى هذه الينابيع لإنتاج مثل هذا الأدب الساخر؟ هل هناك ميكانزمات خاصة بإنتاج أدب ساخر؟ كنت - ربما بحكم المحيط الذي نشأت فيه والذي يتعاطى النكتة والطرفة والأدب بشقيه الشعبي والفصيح- كنت أعتقد دوما أن الأدب الساخر أكثر جدية من الأدب الجاد نفسه لأنه أعلق بأذهان الناس ولأنه ينطوي على فكرة مريرة لأنه "دمعة في ابتسامة" إن صح التعبير. أعتقد أنه لإنتاج أدب ساخر لا بد من أن تكون هناك قدرة واطلاع على الموروث الثقافي وعلى التراث الشعبي والتراث العالمي فكل هذه الأمور تساعد على إنتاج الأدب الساخر الذي أعتقد أنه يحدث ما لا يحدثه الأدب الفصيح، ويمكن دائما القول إن الأدب الساخر ينجح في صناعة جمهور كبير أكبر من ذلك الذي تصنعه القصيدة الجزلة المحكمة، نظرا لأنه شعر الجماهير الذي ينطلق إليها وهو محمل بصوتها،برفضها،بـآمالها وآلامها، نبرة الانتقاد والسخرية التي تحملها الكلمة الشاعرة تصنع لنفسها دائما جمهورا واسعا. هل يمكن أن تستعيدوا نماذج من شعركم الساخر الموجه للحكام؟ التقي ولد الشيخ : عندما أشيع أن بلادنا ستكون أرضا من أراضي النفط بدأ الكثيرون يصنعون أحلاما على حلم النفط وبالتالي كنت ممن استجاب لإكراهات هذا القادم الجديد. إن الذي في بطنه رمى مناجم الحديد وصاح في شراهة ونهم هل من مزيد والتقم "الحوت" ولم يعطف على الشعب الشريد وصاح في شراهة ونهم هل من مزيد هو الذي يا سادتي سيشرب النفط الجديد ثم يصيح في نهم قائلا: هل من مزيد
النفس الساخر والإيقاع الرشيق للوزن الشعري يجعل من القصيدة عابرة للزمان وللإطار الجماهيري المفترض يمكن مثلا أن تقرأ هذا النص.
إياك أن تتكلما إياك أن تتبرما
ماذا عليك إذا جرى وتفجر "الأقصى" دما
إن الذين وجدتهم لعضال دائك بلسما
حظروا الكلام على الورى أيجوز في حق الدمى؟
إن مزقوا أحشاءنا أو فرقوا أشلاءنا
أو شردوا أبناءنا وغدا الظلام مخيما
كن كيف شئت مدجنا ومخدرا ومنوما
في ليلة حمراء في خد تورد في لمى
واجعل لعينك أعينا تغتال أبناء الحمى
إن عبّروا وتظاهروا وشكوا إلى رب السما
إن الجلاوزة الذيـ ـن حبوك عيشا أنعما
فرشوا الطريق نيازكا ملئوا المقابر أعظما
فإلى السماء اجعل جما جمنا المهيضة سلّما
لكن حذارِ بشهبها يا سيدي أن ترجما
• أنتم عضو في المجلس الأعلى لرابطة الأدباء والكتاب الموريتانيين. كيف ترون مستقبل هذه الرابطة وكيف تقيمون مجمل أدائها؟ بالنسبة للشق الثاني من السؤال وهو تقييم أداء الرابطة فهذه الرابطة -ككل الروابط- انسحب عليها ما ينسحب على الواقع الموريتاني في الفترات القديمة. أما عن عطائها المستقبلي فأتمنى له أن تعطي وأن تحلق في سماء الإبداع، وأن تأخذ بأيدي الناشئة والشباب وخاصة أن هناك رجالا من أهل الثقافة ومن أهل الأدب والشعر ينضوون تحت لواء هذه الرابطة فعليهم ان يكونوا معلمين وأن يأخذوا بيد النشء والجيل الشاب إلى عالم جديد وأن يبذلوا الوسع لكي يساعدوا في استحداث دور للنشر وطباعة دواوين تعرف بهذا الشعر المغمور والجيد. • وجهتْ انتقادات عديدة للمسابقة الأخيرة المنظمة من قبل وزارة الثقافة. كيف نظرتم إلى هذه المسابقة؟؟ هذه المسابقة الأخيرة التي أقامتها وزارة الثقافة مشكورة شهدت تلاعبا كبيرا وأنا عبرت عن ذلك في حينه. وأعتقد أنه يجب علينا التفكير بجدية في إيجاد إطار جديد للمسابقات التي يخوض غمارها الشعراء وأن نختار دائما الأقدر والأكفأ من أجل الحكم دون أن يتأثر بالأمور التي نعرفها جميعا والتي تفرغ المسابقة من محتواها وتضع نتائجها أمام الجميع حتى قبل أن توضع النصوص التي ستتنافس. • أخيرا... كيف ترون مستقبل الساحة الثقافية والأدبية في البلاد؟ الساحة الثقافية والأدبية في البلاد ساحة راكدة. ولكن من حين لآخر يلقى حجر في يمها فتتحرك قليلا ويكون هنالك أخذ ورد وأهمية الثقافة لا يمكن لأحد أن يتحدث عنها في مثل هذه المقابلة. لكن على القائمين بالأمر أن يعرفوا أن هذه الثقافة هي صمام الأمان بالنسبة لثوابتنا وحضارتنا وتاريخنا وعليهم أن يعوا ذلك وأن يعوا ما يتطلبه وعي ذلك. • شكرا لكم.
|