لقد مات أبونا قبل هذه المرة (قصة قصيرة) |
السبت, 28 يونيو 2014 13:08 |
السراج - نواكشوط. أخذ الفارس محمد بلجام فرسه {لغزالة} المميزة والمعروفة بتناسق الحركات وتناغم العدو،اعتلى صهوتها وانتشى طربا ؛واسترخى لما داعبه النسيم الخريفي؛في أكثر المناطق الموريتانية خصوبة "ولدينج" انطلقت لغزالة وخطاها ترسم الإبداع الحركي على الثرى المبلل ؛ بماضي مطر حديث عهد بالمنطقة؛استمر فارسنا في رحلة بحثه والانتشاء يغمره؛تتالت خطا لغزالة وزادت النشوة في نفس فارس الفرسان وفتى الفتيان،وفي أسرع من انطلاقة الأرنب الذي انطلق من أمامه مذعورا؛قرر فارسنا تغيير مساره من البحث عن البقرة وصغيرها إلى رحلة سياحية مسائية لا يكون لها سابق نظير فقرر التوجه إلى قرية"اندملي" التي تبعد عنه عشر كيلومترات ؛حيث الكثبان الرملية الذهبية تعانق هضبة لعصابة؛ تحديدا"عدلت السماء"وحيث النسيم العليل واللوحة الطبيعية البديعة؛ذات الجداول المنسابة والخضرة الطاغية،انطلق فارسنا إلى وجهته الجديدة؛وكله حماس ونشوة وفخر واعتزاز؛يحدث نفسه تارة؛بالأحاديث التي يتوقع أن تدور بينه وبين مسامريه؛ويفترض ثم يتصور طبيعة الحوار؛ ثم يضحكه ذلك وهو لازال في الخلاء.. وفي لحظة شرود رفع بصره فإذا ببياض .. آه إنها خيام في الطريق .. إنهم أهل الإبل "النجامة" تسارعت إليه هذه العبارات فأسرع في اتجاه الخيام عله يلهو بسمرهم الرائع ويغنيه عن سمره الذي كان ينشده في "اندملي" والذي لم يقطع إليه نصف المسافة بعد..اقترب ناحية الخيام ونفسه تحدثه ؛بلبن الإبل وفتيات يتقن صناعة الشاي ويجدن الحديث السمري ويحفظن رصيدا وافرا من الأشعار الشعبية ؛ التي تجعل الليل في أبهي حلة...اقترب ثم اقترب ووصل ثم ألقى السلام وبعد رد السلام نزل من فوق فرسه وتقدم فإذا بجماعة من النسوة يغمرنه بالترحيب ...جلس وأرخى عضلاته واستلقى جيدا بعدما رمى ببصره في كل الاتجاهات ولم يشاهد مع النسوة رجل ... جلس وهو يردد في نفسه ؛إذن هم يبحثون عن أنيس يطرد عنهم وحشة الليل في هذا المكان الجميل الهادئ ؛ القليل النزلاء ، انطلقت رحلة الشاي بعد ما أطلق صاحبنا العنان لنفسه في شرب لبن الإبل ؛ الذي قدم له في قدح خشبي "كدحة من يطة" توالت الكؤوس مسرعة على غير رغبة صاحبنا ؛ الذي لا يريد للشاي أن ينتهي ولا يريد لليل أن ينجلي ؛ ولا يريد لهذه الوجوه المشرقة من أمامه أن تختفي ؛ أراد فارسنا أن يبدي رأيه حول طبيعة السهرة المفترضة واقترح مواصلة الشاي ؛ وتلمس منهن بعض الأشعار أو ما يدفع إلى قول ذلك؛ وبدأ طرق الباب بوصفه شاعر وأديب {أمغن ؤ جابرموجب}.. لكن الذي لم يكن في حسبان صاحبنا؛ والذي لم يكن يتمناه في هذه الليلة بالذات حصل عندما عاجلته النسوة بصوت شبه موحد؛ عندنا ميت "جنازة بونا " في تلك الخيمة التي تقابلنا ونريدك أن تبيت معه حتى الصباح علنا نجد جماعة من المسلمين ؛ لتغسيله وتكفينه ودفنه..
|