الداه ولد حامدين.. عندما تحمل ريشة الفن هموم الأمة |
السبت, 05 مارس 2011 16:23 |
بريشته الفارهة استطاع أن ينقل خلجات صدره ورؤيته للعالم من حوله.. كانت الطبيعة وإيحاءاتها والألوان ورمزيتها مصدر الإلهام لموهبته الفطرية التي بدأت تتقد في سن مبكرة من عمره، حلم يوما بتنظيم معرض للوحاته الفنية، وها هو الآن يعيش نشوة اللحظات الأولى للحلم، بعد سنوات من العطاء والإبداع..حين تتجول في صفحته على الفيسبوك( dah errassam) لا تخظئ العين معلقا يشيد بموهبته وزائرا يسجل إعجابه.
بالرغم من ميوله الفني بمختلف أنواعه ( الرسم، المسرح، السينوغرافيا...) لا يعدم الرجل ذائقة مميزة في الأدب.. له محاولات أدبية نثرية وشعرية.. يحمل في جعبته شهادة في الرسم والصباغة والسنغرافيا والخزف من معهد رواق الفن المعاصر في المغرب وشهادة الماستر في القانون.. شارك في العديد من المعارض الفنية في مدينة ازويرات. محمد الأمين الملقب الداه ولد حامدين فنان تشكيلي من العيار الثقيل.. ترددت عند التفكير في الكتابة عنه، خشية أن لا أفي بحق موهبته وإبداعه، لكن " ظلم " الإعلام له شدني إلى مواجهة جدار الصمت المطبق على موهبته الفريدة ونفض الغبار عن "ظاهرة تشكيلية" قلما توجد. الجذوة الأولى..ذات صباح هادئ في مدينة ازويرات وفي لحظة مفعمة بعبثية وبراءة الطفولة سحرت حصيات رملية الطفل الوديع فاندس فيها بأنامله وبدا يخط خطوطا دائرية عشوائية سرعان ما تخيل أنها تشبه وجه الإنسان وربما لم يعلم الطفل البريء حينها أن هذا الخيال سيكون الشعلة الأولى التي ستمتد أشعتها لتشكل لوحات فنية تغطي جدران الثانوية العتيقة في المدينة، قبل أن تزدان بها أنشطة الأندية الثقافية وصفحات الفيسبوك. في المدرسة..
بعد دخول المدرسة بدأت الموهبة تشق طريقها بهدوء نحو الطفل وبدأ يحس باحتراق جذوتها الأولى داخله وأبدي تفوقا ملحوظا في الرسم بين أقرانه، نال إعجاب معلميه، لكنها سرعان ما تحطمت على صخرة مقولة متداولة في الأوساط المدرسية مفادها " أن التلميذ الرسام، غالبا ما يكون ضعيف المستوى في المواد الأخرى" كادت أن تقتل روح الموهبة لديه في مهدها، وأصبح يمارس موهبته بصفة خجولة وفي الخفاء في كثير من الأحيان، بعيدا عن أعين الرفاق، لكن التشجيع والدعم المادي والمعنوي الذي ظل يحظى به من قبل والده والاهتمام الذي يبديه لكل رسوماته شد من أزره وجعل اهتمامه ينصب حول هدم تلك المسلمة القائمة وبات يعيش صراعا داخليا ليثبت لرفاقه أن الرسام ليس دائما " حمار"، فكان تلميذا رساما ومتفوقا في الآن ذاته. حينها بلغت الموهبة سن الفطام ولم تكن بحاجة لرضاع لبان الأم المدرسة.. شكل انتسابه وترؤسه لبعض الأندية الثقافية التابعة لثانوية المدينة بداية لنضوج الموهبة واتضاح ملامح مسيرته الفنية, رسم العديد من اللوحات الفنية والرسومات الكاريكاتورية التي تواكب تطورات الحياة السياسية والاجتماعية، كانت الحرب على الشيشان وما يتعرض له المسلمون من المحتل الروسي مصدر إلهام لريشته فكانت معاناة مسلمى الشيشان والظواهر السلبية داخل الأوساط المدرسية تجد صداها على لوحاته الفنية التي نشر الكثير منها على صفحات نشريات الأندية الثقافية التي كان يتولى رئاسة تحريرها في الكثير من الأحيان. وتعرض في هذه المرحلة للكثير من المضايقات بسبب لوحاته النقدية اللاذعة كادت أن تتسبب في طرده من الثانوية، وأدت بعض لوحاته الأخرى عن الواقع المزري لطلاب جامعة نواكشوط إلى مقاطعة بعض المسؤولين في الجامعة لنشاط كان يحضره، في تأكيد واضح على أن المجتمع لم يتصالح بعد مع الفن ولم يفهم رسائله يقول ولد حامدينو.
بلغت الموهبة أشدها واستوت على سوقها، حينما كان حنين الغربة يشعل في الفنان هموم الأمة والتفاعل مع قضاياها، فرسم بريشته معاناة الفلسطينيين، واستهوته وجوه كثيرة تحمل قيمة معنوية أو خصوصية موريتانية، حسب ولد حامدينو، فرسم الشيخ الددوو والعديد من الرؤساء والسياسيين والكثير من أساتذته وبعض الصحفيين ورفاق الدرب، الذين امتلآت صفحته على الفيسبوك بوجوههم، و"لكل صورة لديه حكاية والحياة حكايات" كما يقول بلد المليون رسام..
يصر ولد حامدينو على أن الرسم لا يقل أهمية عن الشعر، بله أقدر منه على التعبير وتوصيل الأفكار، لأنه يختزل عشرات الجمل والمعاني في صورة صغيرة الحجم يقرأها الأمي وغير الأمي، ويؤكد أنهما في النهاية وجهان لعملة واحدة، فالرسم شعر صامت والشعر رسم ناطق. يرى ولد حامدينو أن موريتانيا لم تكن بلد مليون شاعر وحسب وإنما بلد مليون رسام أيضا لو تم اكتشافهم، ملقيا باللائمة على الجهات الوصية المتمثلة في وزارة الثقافة وعدم فهم المجتمع للرسالة النبيلة والأدوار التي يمكن ان يضطلع بها الفن التشكيلي في خدمة المجتمع، التي يعتبر أقلها شأنا حفظ ذاكرة الأمة التي ضاع الكثير منها بسبب إهمال الرسم.
الفن في مواجهة الإرهاب..
مقاربة بسيطة لدى ولد حامدينو وغير مكلفة وتغني عن كافة الخطط والاستيراتجات التي قامت بها الدولة في محاربة ظاهرة التطرف لدى الشباب والتسرب المدرسي.. الوصفة التي يقدمها رسامنا هي الاهتمام بالفن وتشجيع مواهب الصغار في المرحلة المدرسية، وخلق فضاءات بديلة للشباب عن طريق الفن للتعبير عن أفكارهم بطريقة حضارية مؤكدا أن الكثير من أسباب الانحراف يرجع إلى عدم اكتشاف الأطفال لذواتهم في المدرسة بسبب إهمال مواهبهم وقتلها في المهد، وهو ما يؤدي بهم في النهاية إلى التعبير بطريقة درامية، غالبا ما تكون بالتفجير أو الانتحار. يقضي الآن أغلب أوقاته في التحضير لأول معرض للوحاته الفنية، ويسير بخطى حثيثة بجهوده الذاتية إلى النجومية، رغم كل التحديات والعقبات التي واجهته، ويبدي انشغالا كبيرا لجمع شتات الفنانين التشكيليين الموريتانيين، للعمل سويا على إيصال رسالة لا زالت في نظره تحاط بالكثير من الريبة في نظر المجتمع.
|