الحوار...غير المجدى! (قصة قصيرة) |
الاثنين, 07 نوفمبر 2011 14:48 |
مؤخرا، تم تعيين الدكتور "موالى" فى إجتماع لمجلس الوزراء، بعد أن كان ينشط بحماس فى أحزاب المولاة. وللمباركة له، يجتمع فى بيته ثلة من أصدقائه ممن جمعته وإياهم مقاعد الدراسة، وفرقتهم التوجهات و الأحزاب السياسية. إلى يساره يجلس صديقة الحميم الأستاذ "معارض" وهو عضو فاعل فى منسقية أحزاب المعارضة. فى غمرة الأحداث اللتى يشهدها العالم، يبحثون عن مؤشر الأخبار على أي اتجاه يركز، ينتقون الأنباء الأعلى أسهما فى بورصة المستجدات، يقتـفون أثرها، ويبدؤون فى التحليل بعمق، والمقارنة بتمرَس، والتأريخ بمنهجية. فى حلقتهم المفرغة كل يدلى بدلوه فى الموضوع، مستعرضا مهاراته فى الحوار. وحدها ، أصوات التلفاز، وحاسوب أحدهم الشخصى، وصرير الشاي، وكلام المعلقين تملأ المكان. يدخل فجأة ضيف جديد ـ وقد أتاه صوتهم من بعيد ـ يخلع نعليه بالوادى غير المقدس، يطرح عمامته ، ويطرح معها ـ ببيداغوجية تامة ـ هذا السؤال: " الأخبار الليلة اثرْها اشطارى فيها؟!". يأتيه صوت الآستاذ " معارض" بسرعة البرق وهو يجيب: "يلاَلى مكثرو"!! "أنتَ أثرك أشْ عاكب لك"؟ ـ "يلاُلى مكثرو"، يجيب الضيف بإختصارٍ "ديمانىٍّ" غير مخل. يسكت هنيهة، ثم ينشرُ ما لفَّه فى جوابه السابق : قضيت طول اليوم فى البحث عن قطعتى الأرضية الجديدة، كنت أجرى خلف رجل يحمل معه مخططا جاهزا، ينادى علينا بالأرقام، و يحد للذى ينادى برقمه منا أربعة زوايا، لا يحيد عنها ـ برغمه ـ قيد أنملة! بعد ذلك ذهبت إلى عملى فى السوق، وأنا عائد الآن من هناك. ـ مساكين "أهل الكزرة" ليسوا من هذا العالم ، علق آخر ساخرا، وهو يرفع كُمّ فضفاضته الفخمة ويخفضه. فرِحٌ بما أوتيت ـ يواصل الضيف ـ نبّهنى أحدهم أنه لابد من البناء فى قطعتى الأرضية هذه، فبذلك فقط سأحَصِّلُ ملكيتها بشكل نهائى. وصراحة فقد قطع ذلك عليّ فرحتى، فأنا لا أكاد أجد ما أطعم به عيالى من جوع، وليست الأرض جبلية حتى أنحت فيها من الجبال بيتا، أفيطلب منى إعمار الخلاء بما لا أملك!. ـ صَهٍ، لا أبالك ـ صاح فى وجهه " د. موالى" متابعا: غريب أمر هؤلاء المواطنين، دائما يتذمرون، و يعضون اليد اللتى تمد إليهم بالخير، إن الدولة بذلت ما فى وسعها من أجل إسكانكم، وإنهاء تشردكم، وأنزلتكم منازلكم! فلا تلومها فى قلة حيلتكم إذا لم تجدوا مالا يساعدكم فى بناء ما تسكنون!! مدّ الضيف يده ليستلم كأسا من الشاي الساخن، احتسى منه بتوئدة، كأنه يستغل الفرصة ليكسب قليلا من الوقت للراحة..فالمعلقون متحمسون للغاية، ومع أن هوايتهم هى الإطلاع و ترصد " الخبر الساخن" فإنهم لم يسمعوا قط عن "حديث الساعة" للدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله. أما الضيف ـ المسكين ـ فليس لديه من الوقت، والثقافة ـ ربما ـ ما يكفى لمجارات محاوريه، فقد أخذ منه التعب، بعد أن أمضى طول نهاره، وجزءا غير يسير من ليله فى مطاردة الأشباح، ما بين " أهل التخطيط" وسوق العاصمة، حيث يعمل بائعا متجولا. أستأنف حديثه ـ بعد أن أستعاد شيئا من راحته ـ قائلا: أنا لست ضد الدولة، بل معها، رغم أنى لا أعرف أحدا من أهلها بالإسم، ولا رغبة لديّ فى ذلك، ولم أحصل على نصيب من العلم والثقافة ما يجعلنى أفقه كثيرا فى مثل هذه الأمور. لكن أي إنسان عاقل يدرك ببداهة أنى، وآلاف المواطنين من الفقراء أمثالى، ليس بإمكاننا بناء منازل لائقة لأنفسنا أولا، و بهذه السرعة ثانيا، فليست الأرض وحدها هي ما كان ينقصنا للبناء عليها، وليست هي مشكلتنا الوحيدة ، هيهات ! ـ وما هي مشاكلكم هذه؟ يستفسر أحدهم ـ لا تحصى، ولعل من أبرزها، العمل، والنقل، و الصحة، و التعليم، والعدالة ، ومن واجب الدولة توفير كل ذلك لنا كمواطنين ندفع لها الضرائب من جيبوبنا رغم فقرنا المدقع، كما أنه من حقنا أن نرى أثر نعم الصيد البحرى، والنفط، ومناجم الذهب والحديد والفوسفات علينا وعلى وطننا! لا نريد أن يظل خيرنا لغيرنا، بل نريد شفافيية فى تسييرشؤون البلاد ومواردها الإقتصادية، نشعر من خلالها بتحسن مستوانا المعيشى والإقتصادى والصحى و التعليمى، والإجتماعى، نريد إنهاء الفساد و المحسوبية... نريد نريد ـ يمسك "د. موالى" بيده، يريده أن ينصت بتركيز لما سيقول: إن بلادنا ليست مثل البلاد الآخرى، نحن دولة فقيرة، ورغم ذلك فالسلطات لا تدخر جهدا من أجل حل كل المشاكل العالقة، لكن الوقت ما يزال مبكرا..ومع ذلك فقد بنيت المستشفيات، وأنجزت الطرقات، ووزعت الآراضى، وأجريت المسابقات، والأهم من ذلك كله فقد قضى على الفساد، و....يقطع رنينُ الهاتفِ ـ فجأة ـ عليه حديثَه، إنه قريب له يتصل من الخارج. ـ السلام عليكم ـ وعليكم السلام، "انتوم اشحالكم" ـ بخير الحمد لله، "شمّاسى" مع الغربة ـ الحمد لله، يعنى، أريد فقط أن أطمئن على الوضع عندكم، فقد علمت مؤخرا أن الدول تشدد الرقابة على العاملين لديها. ـ آه، نعم، ولكن لا تقلق أنتَ، فصديقى "المفتش" يعلم بأمرك، وراتبك لم يتأخر قط، فهو يسجل حضوركَ بإستمرار، فليس إذن من ضرورةٍ للعودة، حتى تُـكمل مهمتكَ على راحتك. لا تكن فى عجلة من أمرك. أنا أتابع الموضوع. ـ طيب شكرا، بارك الله فيكم، جزاكم الله خيرا!!، سأعود فى الخريف إن شاء الله!. ينقطع الإتصال بعد أن غلب الطبع على التطبع، لكن الأمر يمرٌّ بسلام، فلا أحد من"المدعويين" ـ بمن فيهم السيد معارض ـ يريد أن " يحرج "مضيفه" فهم فى النهاية شركاء، وإن تشاكسوا أحيانا. بل أكثر من ذلك، فمثل هذه المواضيع لا تفسد للود قضية، فهي بالنسبة لهم من المسائل الثانوية جدا. ذلك أن غالبية المواطنين البسطاء أيضا لا تلقى لها بالا، لأسباب وجهية منها الجهل و الانغماس فى مشاكل الحياة اليومية، والبعد عن مؤسسات الدولة، وغياب الوعى عموما... توشك السهرة على الإنقضاء، ويتخذ الحضور مواقعهم للنوم، بعد طول جدال، بينما ينهمك الشيطان فى تحضير عُقده، وهو يكرِّر ـ على الجميع ـ جذلا: عليكم ليل طويل فارقدوا. محمد بن أحمد غرناطة ـ اسبانيا
|