ولد الأمين : المطالبون بإسقاط الحكومة راغبون في دخولها |
الخميس, 24 مارس 2011 11:16 |
وأشار إلى أن حزبه والأغلبية عموما لم ولن يغيروا من قناعتهم بأن الحوار الوطني الهادئ والمفتوح، هو أفضل وسيلة لتجاوز الإشكالات، وأنه عندما تقرر أطراف المعارضة المختلفة، يوما ما، تقديم المصلحة الوطنية على الاعتبارات الأخرى، والتخلص من تأثير الأجندات الخارجية، "فإنها ستجدنا على أتم الاستعداد، كما كنا دائما، للجلوس على طاولة الحوار الوطني الجدي" حسب تعبيره. نص المقابلة: "السفير": تشهد الدول العربية عموما، ودول الشمال الإفريقي تحديدا، موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات الشعبية العنيفة، أطاحت بأنظمة عاتية، وقلبت عدة عروش، وهي تهز اليوم العديد من الكراسي؛ ما هي في نظركم التدابير المستعجلة التي تجعلنا في مأمن من عدوى تلك الاضطرابات؟ محمد محمود: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد النبي الأمين، أشكركم على إتاحة هذه الفرصة، وعلى اهتمامكم بالشأن الوطني العام. وبخصوص سؤالكم فإن عوامل وأسباب ما يجري من حولنا تنحصر في أمرين اثنين: أولهما غياب الديمقراطية، حيث عاش معظم تلك البلدان، ولعقود متتالية، تحت أنظمة شمولية فاسدة متشبثة بالسلطة حتى الموت، تحت حالة طوارئ دائمة، حولت فيها المباحث الأمنية البلاد إلى سجون ومعتقلات. أما الأمر الثاني فهو الفشل الذريع لعقود من سياسات الفساد والرشوة والمحسوبية، كان حصادها المر تراجعا في وتيرة النمو، وبطالة غير مسبوقة وأغلبية تقبع تحت خط الفقر، وانعدام أمل في الأفق. إذا كانت تلك هي العوامل فيما حدث ويحدث من حولنا، فنحن في مأمن منه، حيث أننا في مقابل العامل الأول نعيش في ظل نظام ديمقراطي منتخب، يقوده رئيس شاب نال تزكية الشعب في الدور الأول من انتخابات شهد العالم بشفافيتها، وهو لم يكمل بعد عامه الثاني في السلطة التي يراقب عملها بضعة وستون حزبا سياسيا، وآلاف من منظمات المجتمع المدني، ومئات الصحف المستقلة والمواقع الألكترونية، وعشرات الفدراليات النقابية والاتحادات والروابط المهنية.. مما جعل العديد من المراقبين ينظرون إلينا كنموذج للديمقراطية في المنطقة. وفي مقابل العامل الثاني فإن السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد انتبه مبكرا إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش، بسبب عقود من الفساد، فتوجهه فورا -وبشكل عملي- إلى الطبقات المحرومة في نهجه واهتماماته وبرنامجه الإصلاحي، وشن حربا لا هوادة فيها على الفساد والمفسدين؛ الشيء الذي أكسبه ثقة أغلبية الشعب الموريتاني. وهكذا كان السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز سباقا إلى فهم ما يريده الشعب من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وإلى الاستجابة لتلك الإرادة المشروعة بصفة عملية وسريعة، قبل أن تنفجر المطالب بها في دول الجوار. نحن لا ندعي الحصانة بالمطلق، ولا نتنصل من التزاماتنا الوطنية بمثل تلك الدعاوى؛ ولكننا على يقين من أن أكثر ما يحتاجه بلدنا اليوم هو ما تعكف عليه الحكومة من تسريع وتيرة العمل على تحويل بقية وعود برنامج التغيير البناء، إلى حقائق ملموسة، يتفيأ المواطن ظلالها، وتتحقق بها التنمية الشاملة، وهي لا تتحقق إلا في ظل وضع مستقر تتكاتف فيه كل الجهود الوطنية لإرساء قواعد تنموية حقيقية؛ ومن المؤكد أن ذلك لن يكون باختلاق الأزمات، أو بإسقاط أحوال مغايرة لبعض البلدان على واقع وطني مختلف. على أن من الضروري فهم الطفرات العميقة التي يشهدها العالم؛ خصوصا على مستوى وسائل التأثير والتواصل والتعبئة على الآراء المختلفة، في مواقع التفاعل المفتوحة على العالم، فضلا عن الفضائيات والهواتف النقالة؛ وهناك بالتأكيد -من شركائنا في الوطن- من يروق له ما لا يروق لنا، وهناك من لا يريد أن يخرج البلد من مشكلة من مشكلات التخلف، إلا ليدخل في أخرى، لتظل التنمية المستديمة وعدا معلقا، تنشغل عنه النخب السياسية بالصراع على السلطة. وللأسف الشديد فإن هذا ما يسعى بعض أطراف المعارضة إلى استمراره، وهو بطبيعة الحال أمر غير قابل للاستمرار. متمسكون بالحوار "السفير": فسر البعض استقبال الوزير الأول لعدد من قادة أحزاب المعارضة، منذ أيام، بأنه تمهيد لإطلاق الحوار الذي طال انتظاره مع الفرقاء السياسيين، أين حزبكم من مسعى الحوار هذا، وما موقعه في إدارة حوار محتمل؟ محمد محمود: موضوع الحوار بين أطراف الطيف السياسي الوطني، يحظى بأهمية خاصة لدى السيد رئيس الجمهورية، منذ تسلمه مقاليد السلطة بعد انتخابات 18 يوليو 2009، وقد ظلت الدعوة إلى الحوار حاضرة بقوة في لقاءاته المتكررة لزعماء المعارضة، وفي خطابه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الخمسين للاستقلال الوطني، يوم 28 من نوفمبر 2010، دعا رئيس الجمهورية الأحزاب إلى الانخراط في حوار وطني جاد، وبأجندة وطنية موريتانية، بعيدا عن أية اشتراطات تستغل أوضاعا غائبة، أو تتوقف عند اتفاقات الظروف المخصوصة، أو المناسبات المحددة؛ لكن المعارضة أعرضت عن دعوة حوار ينطلق من المثل والقواعد الديمقراطية، ويحترم الخصوصيات والمرجعيات والأولويات، ويؤكد حق كل من الأغلبية والمعارضة في القيام بالدور المنوط به في دولة القانون. ومن المهم الإشارة إلى أن كون هذا النداء الحميم لم يجد استجابة من طرف المعارضة، لم ولن يغير من قناعتنا في الأغلبية بأن الحوار الوطني الهادئ والمفتوح، هو أفضل وسيلة لتجاوز الإشكالات، وعندما تقرر أطراف المعارضة المختلفة، يوما ما، تقديم المصلحة الوطنية على الاعتبارات الأخرى، والتخلص من تأثير الأجندات الخارجية، فإنها ستجدنا على أتم الاستعداد، كما كنا دائما، للجلوس على طاولة الحوار الوطني الجدي. أما بشأن من يدير الحوار، عندما تكتمل شروطه الموضوعية، فإن الحكومة جزء من الأغلبية، وسواء أتمت إدارة الحوار بشكل مباشر من طرف الحزب وشركائه، أم بواسطة الحكومة، فإن النتيجة واحدة، والمهم هو الخروج بما يعزز الوحدة الوطنية ويرسي السلم الاجتماعي، ويحقق التنمية المستديمة. لا حاجة لتسويق برنامج الرئيس "السفير": البعض يتهم الأغلبية الرئاسية بالسلبية في تسويق برنامج رئيس الجمهورية، وبالعجز عن تلميع منجزات الحكومة؛ بينما نسمع، من حين لآخر، دعوات إصلاح تنطلق من داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.. كيف تتلقى قيادة الاتحاد تلك التهم، وبأي أذن تستمع إلى تلك الدعوات؟ محمد محمود: أريد أن يكون من الواضح المتفق عليه ابتداء، أن أحزاب الأغلبية إنما التقت على الدعم الكامل لبرنامج رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، باعتباره مشروعا مجتمعيا رائدا، وبرنامجا تنمويا واعدا، يهدف إلى الإصلاح والتغيير البناء، على مختلف الأصعدة؛ ثم على شعار هذا البرنامج أسست أحزابنا كل أنشطتها وبرامجها، وهي تدرك جيدا دورها في دعم وتوجيه البرامج الحكومية المطبقة لتعهدات وبرنامج السيد الرئيس، حيث تعتبره أحزاب الأغلبية الخيار الأمثل للشعب الموريتاني. فكان لزاما على الجميع احترام خيار أغلبية هذا الشعب. وبخصوص التسويق والتلميع، ومع أنها ألفاظ تحيل إلى مفاهيم غير محببة لدى حزب الاتحاد وحلفائه، فإن برنامج السيد الرئيس ليس بحاجة إلى من يسوقه، فقد تلقاه الشعب الموريتاني بالقبول، ومنح صاحبه الثقة بناء على قناعته بأنه البرنامج الذي يلبي الضرورات والحاجات الأساسية للمواطن الموريتاني مهما كان، مع تحقيق التمييز الإيجابي للفئات الأكثر هشاشة وتهميشا وحرمانا من ثروة الوطن منذ الاستقلال، والشيء نفسه يصدق على برامج الحكومة؛ فهي تتحدث عن نفسها في ميادين الأمن والصحة والخدمات والإمدادات والبنى التحتية والإسكان والتشغيل وتخفيض تكاليف المعيشة وكفالة المحتاجين. ومع ذلك فإن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، ومعه حلفاؤه في الأغلبية، قد استطاع بجدارة حيازة قصب السبق في الحضور السياسي والإعلامي على مدى الوقت، فلا مصداقية مطلقا للقول بسلبية الأغلبية أو عجزها. أما بخصوص الأصوات الداعية إلى الإصلاح من داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فهي محل ترحيب وعناية خاصة؛ لأن الإصلاح هو غايتنا الكبرى. والعمل البشري -مهما اقترب من الكمال- يظل مع ذلك محل نقصان وأخذ ورد وخطأ وصواب، ولا أحد أجل من أن يخطئ، كما لا أحد أقل من أن يصيب؛ ونحن حزب ديمقراطي منفتح على كل الآراء والانتقادات، من داخل الحزب جاءت أم من خارجه، فممارستنا للديمقراطية داخل حزبنا هي بقدر ما ندعو الآخرين إلى ممارستها واحترام نتائجها. مع ذلك فإن قيادة الحزب لم يمض على انتخابها سوى ثمانية (8) أشهر فقط، وعلى الرغم من محدودية إمكانياتها، واتساع مجال عملها، فإنها متفائلة جدا، بالنظر إلى ما تم تحقيقه، وفي تقديرها أن عمل الحزب يسير بوتيرة تصاعدية متسارعة. ونحن نستمع بقلوب مفتوحة إلى كل الأصوات والانتقادات، ونرجو أن يكون هدفها الوحيد هو الإصلاح، بعيدا عن الأغراض الشخصية، ومحاولات انتهاز الفرص لتحقيق أهداف ضيقة، وأن لا تكون حنينا إلى الممارسات البالية التي ما قام الحزب إلا لمحاربتها. هذا منهجنا "السفير": يتجه حزبكم إلى خوض معركة التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ منفردا، وسط مطالب من شركائه في الأغلبية بالتحالف معه، ويتهمكم بعض حلفائكم في الأغلبية بأن الخلافات المحلية أرغمتكم على إعادة ترشيح الوجوه ذاتها، في معظم المقاطعات؛ وهو ما يسقط -في نظرهم- مبدأ تجديد الطبقة السياسية. ما ردكم على تلك الاتهامات؟ محمد محمود: ما نحن بصدده اليوم هو إحدى حلقات المسلسل الرتيب للتجديد الجزئي لمجلس الشيوخ، والناخبون في هذه الحالة فئة قليلة، طبقا للقانون؛ إذ تنحصر في أعضاء المجالس المحلية في المقاطعات المعنية بالتجديد، ولحزب الاتحاد منهجه الخاص في اختيار مرشحيه في مختلف الاستحقاقات؛ وهو منهج يعتمد الشورى ورأي الهيئات القاعدية، وفق معايير موضوعية متفق عليها. وهذا المنهج يجعل رأي قيادة الحزب رهنا لرأي القواعد، وخاصة رأي الناخبين؛ وهم في هذه الحالة المستشارون البلديون. وهكذا، فمن الطبيعي أن تأتي هذه الترشيحات وفقا للنهج نفسه؛ وهو ما حدث. وككل الأحزاب ذات الامتداد الأفقي العريض، يواجه حزبنا أحيانا بعض الصعوبات العابرة العائدة إلى صراع المصالح والزحام على المواقع القيادية بين الفرقاء المحليين؛ لكن منهج حزبنا يوفر الآليات الكفيلة بتذليل تلك الصعوبات، دون أن تكون لها تداعيات سياسية واجتماعية؛ وإن من تلك الآليات الفعالة أن لا يكره الناخب على بذل صوته لمرشح خارج الحزب، مهما كان حليفا. وهكذا ففيما يخص التحالف مع بعض أحزاب الأغلبية الراغبة في ذلك، فإنه بالنظر إلى قلة المقاعد المتنافس عليها، ومحدودية الهيئة الناخبة، كان على حزبنا أن يدخل الحلبة منفردا هذه المرة في مواجهة ديمقراطية شفافة، لكل حزب فيها ما كسب، وعليه ما اكتسب. ونحن في الاتحاد لا نرى تناقضا بالضرورة بين التزام هذه الخيارات والآليات الديمقراطية المرعية، وبين مطلب تجديد الطبقة السياسية الذي هو اختراعنا وخيارنا وأحد أهداف حزبنا على المدى المتوسط، والأمر يخضع لوحدة -أو عدم وحدة- الإطار المرجعي فيما يخص مفهوم كل من التجديد والطبقة، ولا ضير في الخلاف في المفاهيم والمدلولات ومعاني المصطلحات.
"السفير": يطالب البعض بإقالة الحكومة، ويتهمها بالعجز عن التصدي بنجاعة لشواغل المواطنين.. هل يستشار الحزب الحاكم في التشكيلات والتعديلات الوزارية؟ محمد محمود: إذا كانت شواغل المواطنين هي خفض كلفة الحياة بضبط الأسعار، فإن الإجراءات المتخذة في برنامج التضامن 2011 قد حققت تلك المهمة، على الرغم من أن الظاهرة عالمية؛ وإذا كانت شواغل المواطنين تعني البطالة، فإن برنامجا وطنيا لتوفير ما يزيد على سبعة عشر (17) ألف وظيفة، يجري إنجازه لأول مرة في بلادنا، في أفق العام الحالي (2011) وإذا كانت شواغل المواطن تتمثل في الزراعة والاكتفاء الذاتي من الحبوب، فإن الإنتاج تضاعف ثلاث مرات هذا الموسم، ويعد بالمزيد؛ أم أنها في البنى التحتية الخدمية، حيث نجد العديد من الشوارع والطرق والمستشفيات والمرافق العمومية التي تم إنجازها في ظرف قياسي؛ أم هي السكن اللائق والخدمات.. حيث يجري القضاء على أحياء الصفيح، ويتم تنفيذ برنامج توزيع مائة ألف (100.000) قطعة أرضية مجهزة بالماء والكهرباء؛ أم أنها تتعلق بمحاربة الفساد حيث تجاوزت عائداتها على الخزينة العامة عشرات المليارات؛ أم هي في إشاعة الحريات العامة في ظرف زمني أقل من سنتين. فعن أية شواغل يتحدث من يطالب بإقالة الحكومة، ومن ذا الذي يطالب بإقالتها غير الساعين إلى دخولها من أي باب أو نافذة؟ وإذا كان حزب الاتحاد من أجل الجمهورية والأغلبية -الجهاز السياسي الداعم لبرنامج السيد رئيس الجمهورية- فإن الحكومة هي الجهاز التنفيذي المكلف بإنجازه وتجسيده على أرض الواقع؛ ومع أننا نطالبها بالمزيد، فإننا نعترف أن ما قامت به حتى الآن هو عمل كبير؛ ولكن -لكي تقوم الحكومة بدورها على أكمل وجه- فإن على السياسيين (أغلبية ومعارضة) أن يوفروا لها الجو الملائم لذلك؛ فبلدنا اليوم أحوج ما يكون إلى وضع مستقر تتجه كل الجهود فيه إلى تحقيق التنمية الشاملة، ودور المعارضة الطبيعي هو المساعدة في ذلك؛ خلافا لما تعودته من استغلال الفرص لافتعال الأزمات. ونحن في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، نرى -وباعتبارات موضوعية- أن أوضاع البلد شهدت تحسنا ملموسا في الفترة الماضية، تجسد في أكثر من مجال، وعلى أكثر من صعيد؛ سواء أتعلق الأمر بالمجال الاقتصادي أم السياسي أم الأمني والدبلوماسي، وأن المسار واعد بالمزيد من الإنجازات التي بدأت ورشاتها بالفعل. أما التشكيلات والتعديلات الحكومية فهي في نظام ديمقراطي رئاسي -كما هو الحال عندنا- مسؤولية وصلاحية دستورية منوطة بالرئيس تحديدا؛ فلا دخل فيها لغير ثقته ومسؤوليته. |