الشيخ محمد الحافظ : دال الثقافة في اللغة العربية يحمل شحنة مسؤولية والتزام
السبت, 09 أكتوبر 2010 14:52

 

الدكتور محمد الحافظ ولد أكاهالدكتور محمد الحافظ ولد أكاهفضيلة الشيخ الدكتور محمد الحافظ ولد أكاه،علم من أعلام الثقافة والدعوة في موريتانيا،يجمع عمق الفقيه المتمكن إلى وجدان الأديب الشاعر،إلى ربانية القارئ والمربي المخبت، هو ابن الثقافة الإسلامية الأصيلة بأصولها ووسائلها،وابن ثقافة العصر بفكره ولغته ومعارفه،وهو فوق ذلك أحد الشخصيات البارزة في مسيرة الثقافة والعمل الإسلامي في موريتاني فقيه مفسر ونحوي ولغوي متمكن، وشاعر وناقد وداعية مؤثر يتحدث للسراج عن الحركة الإسلامية في موريتانيا مسار النشأة وحصيلة التجربة والأداء، كل ذلك في حديث واسع عن الأدب والفقه والفكر وعن الجمال حقيقة ومعنى،وعن الشخصية في التصور الإسلامي

 

 

 

نص المقابلة/الحلقة الأولى.

 

السراج : هنالك سؤال تقليدي عن البطاقة الشخصية للضيف؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم،اسمي محمد الحافظ ولد أكاه أخدم في التعليم العالي،ولدت حسب الأوراق الرسمية سنة 1959 في مقاطعة المذرذرة،ودراستي هي دراسة عادية جدا،تكاد تكون نسخا مكررة من حيوات أبناء الجيل والمجتمع الذي عشت فيه،وهي تتعلق أساسا بالقرآن الكريم وبعض مبادئ الفقه إلى بعض المجالات الأخرى اللصيقة بالثقافة الإسلامية والفقهية بشكل خاص.

 

السراج : ولدتم في منطقة المذرذرة،وهي بيئة أنتجت ثقافة عالمة،أي تأثير لتلك الثقافة في تكوينكم؟

 

محمد الحافظ ولد أكاه : الانتماء الإداري شيء يقع من خلال السجلات،ومعايشة البيئة وممارستها والتفاعل معها شيء آخر قد لا يتطابق الأمران،وحديثي لك عن المذرذرة،هو حديث يحمله أي فرد آخر عن هذه المنطقة.

 

وفي اعتقادي أنها بيئة متكاملة بالنسبة للثقافة الموريتانية،فهي ثقافة عربية إسلامية،وهي فضلا عن ذلك ليست بيئة تعلم وأخذ فقط،وإنما هي بيئة عطاء في المجالات المختلفة،ففيها عباقرة أنتجوا في الأدب والفقه والمنطق ومختلف فنون الثقافة العربية والإسلامية،وهي تزيد على ذلك برسوخ قدمها في الثقافة غير العالمة، مثل ’’لغن ’’ الذي يضاهي في عمقه ووفرته الشعر العربي الفصيح،فتجد العالم الجليل المنعوت بالصلاح والاحتساب لله تعالى،تجده’’ امغني’’ جدا كما هو شاعر كما هو مؤلف وقاض ومدرس،ولهذا تتسع دائرة شخصية ’’ الفتى’’ لتتكامل بها عناصر متعددة من الثقافة النقلية والعقلية.

 

وأعتقد أن هذا التكامل يؤسس للثقافة الموريتانية التي تقوم على ركنين أساسيين هما التشبع التام بالثقافة الإسلامية والعربية وآلاتها الفكرية والمنطقية والبيانية والبلاغية وحتى دراسات الرياضيات والفلك والطب،فضلا عن دراسة الفن الشعبي ومقاماته ’’أزوان’’.

 

السراج : من وجهة نظر إسلامية هل ترون أن هذه الشخصية قريبة من التصور الإسلامي،خصوصا أن بعض الإسلاميين ينفرون من الركن الجمالي أدبا وفنا؟

 

محمد الحافظ : الكمال لله،هي شخصية مسلمة على كل حال،والذي أراه أن الإسلام يسعى إلى بناء الفرد بناء متكاملا بإعداده وتزويده بكثير من المعاني التربوية والسلوكية،والشخصية المتكاملة في نظر الإسلام شيء،والشخصية المقبولة عند المجتمع شيء آخر وقد لاتتطابقان والنسبة بينهما نسبة عموم وخصوص كما يقال.

 

فترى أن هذا عالم مشارك مثقف ثقافة البيئة مشارك في نمط الحياة،ونمط الحياة فهذا هامش يقترب أو يبتعد من نقطة المركز – إذا اعتبرناها الرؤية الإسلامية للشخصية – دون أن يخرج من الدائرة العامة،وأعتقد أن المجتمع – أي مجتمع – يقبل فيه كثير فيه تسامح وتجوز.

 

وأنا أدعو إلى إدخال مصطلح الثقافة العاملة،مضافا إلى مصطلحي الثقافة العالمة والثقافة غير العالمة،وأعتقد أن هذا المصطلح الثالث مقصود إسلاميا فالإسلام سمى هذه المعارف المشار إليه آنفا علما وأما الثقافة فلم ترد فيه بهذا المعنى

 

وهذا المصطلح أي الثقافة العاملة هو اٌلقالب الذي ينبغي أن يصرف فيه العلم ويوجه إليه،ولذلك فإن مادة (ث ق ف) تدل على أصل هو التقويم،فتقويم الرمح والقناة،إزالة مابه من الاعوجاج وأعتقد أن اللغة العربية عندما رشحت هذا الدال ليحمل كل هذا المعاني تريد لصاحب هذا المعاني أن يصطبغ بصفة الثقافة أو الثقفانية،بمعني أن يكون مستقيما وملتزما ومسؤولا وأن يصرف ثقافته وعلمه هذا المصرف،وهنا يكون شخصية إسلامية متكاملة باعتبار أن معارفه سليمة وصحيحة،وباعتبار أنه يصرفها مصرفا صحيحا

 

وأرى أن دال التعريف للثقافة في بعض اللغات الأجنبية يختلف عنه في اللغة العربية فحينما نجد في الدال العربي شحنة التزام ومسؤولية ففي الفرنسية الجذر La culture   يتقاطع الدال الفرنسي مع دال آخر يحمل نفس التركبة اللفظية وهو دال الزراعة،ولعل هذا الدال نظر إلى الجانب الكمي فقط.

 

السراج : للوالدين دور أساسي في التنشئة الخاصة للفرد،كيف تنظر إلى ذلك الأثر في شخصيتكم،خصوصا أنكم سليل أسرة عالمة.

 

محمد الحافظ : رحم الله والدي كما ربياني صغيرا ،وجزاهما الله عني كل خير،والمفترض أن لوالدي علي تأثيرا،وأنا أستحي من قول ذلك،لأنني وبكل صراحة ألمس كثيرا من البعد عن سلوكهما في سلوكي.

 

وبالنسبة لوالدي رحمه الله فقد ميزه الله تعالى بأن جعل هواه تبعا لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم،وهذه شهادتي أمام الله،وقد كان مميزا فقد نشأت وأنا صبي أجد أن الشباب يضحكون منه ويخافون أيضا،باعتباره من يمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والموعظة.

 

وأعتقد أن الأستاذ سيدنا عمر بن العتيق وفق في رثاء الوالد في قوله

 

ألهم الرشد وهو في غرة العمر

 

فلم يعمل غير محض الصواب.

 

وكان حريصا على العمل والتعلم،وكان ذا سمت خاص كثير القيام،سريعا إلى خدمة الناس بكل الوسائل،وينتظر أن يكون لتوجيهاته أثر في شخصيتي وأنا أتعجب من بعد البون بين سلوكي وسلوكه،يقال إنني أشبهه شكلا – وهذا صحيح – وأذكر أنني كنت ضمن الأشقاء معه في مجلس في أيامه الأخيرة،فقالوا له ادع الله لنا  فدعا للمسلمين بإجمال،فقالوا له : خصنا بدعوة،فقال : ماذا تريدون بخير لا يشارككم فيه المسلمون’’.

 

وحدثني الشيخ محمد الحسن ولد الددو أنه التقاه أول مرة ولم يكن يعرفه قبل ذلك لكنه عرفه بالقافة والسمت الذي بيننا فجاءه وسلم عليه وقال الشيخ كنت أريد أن يدعو الله للمسلمين ولم أخبره بذلك،فإذا هو يدعو لهم،كما لو كنت سألته ذلك.

 

السراج : انتقلتم إلى منطقة كيفة حيث درستم القرآن هل كان هذا الانتقال طبيعيا؟

 

محمد الحافظ : لم يكن طبيعيا – ونحن كنا في تلك الفترة في منطقة لبرا كنه – كان للوالد تلاميذ  في منطقة كيفة وهو يسميهم،الأهل والإخوان وتركني عند شيخ فاضل من أبناء عمومتنا في تلك المنطقة وهو الشيخ محمدو بمب ولد باب وقد استفدت منه ومن الطلبة الكبار الذين يدرسون هنالك،ولأن شيخي لا يحمل الإجازة وهو قد درس علوم القرآن.

 

وشاء الله أنني أتممت الرسم قبل إتمام القرآن،وأن  أقوم بما يسمى ’’ السلكة’’ وهي أن الولد إذا أتم القرآن وحفظه عن ظهر قلب يكتبه من جديد في اللوح وتنقح كتابته من الناحية الرسمية والضبطية هل هي سليمة وهذا ما يسمى ’’بالشكارة’’،ومن الله علي أن قمت بهذا العمل وأنا في ’’ الذهابة’’ أي قبل إكمال القرآن وأن أكتب وفق الرسم والضبط،وأخذت الإجازة بعد ذلك على الشيخ محمد الأمين ولد عبدي أحد تلاميذة خاله العلامة أباه ولد محمد الأمين.

 

وفي تلك المحظرة أخذت مبادئ من الفقه وأشياء من هذا القبيل،من بينها التآليف الصغيرة كالأخضري الذي قرأته بشرح الشيخ حماه الله على نظمه له وابن عاشر والرسالة،وحضرت تدريس كثير من أبواب الشيخ خليل،السفر تقريبا وكثيرا من أبواب الباب،قبل أن أعود إلى الأهل في نواكشوط،وأشارك في مسابقة معهد أبي تلميت الإسلامي سنة 1973 وقد اجتزت تلك المسابقة بالرتبة الثانية بحمد الله تعالى،وهنالك مكثت سنة في المعهد.

 

السراج : ماذا تتذكر من حياة المعهد في تلك الفترة؟

 

محمد الحافظ : كانت الجدية السمة الغالبة في المعهد،وتميز أيضا بأساتذته المتميزين،وأذكر منهم أستاذنا الكبير إسحاق بن محمد بن باب ولد الشيخ سيديا رحمه الله تعالى ومحمد بن أحمد بن باب ولد الشيخ سيديا والعلامة الورع الحيي أحمد بن مولود بن داداه،وقد كان رجلا بالغ الحياء والوقار وكان إذا أراد  الكتابة على السبورة لف دراعته على ذراعه وزنده رحمه الله.

 

كان من بين الطلاب نابهون وشخصيات توزعتها بعد ذلك مجالات الحياة المتعددة،ومن بينهم الدكتور البحاثة يحي ولد البراء والشاعر الكبير محمد الحافظ ولد أحمدو وآخرين ,,

 

السراج : ربما تذكرون بعض طرائف الحياة مع الطلاب حينئذ؟

 

محمد الحافظ : طبيعي جدا أن تكثر الطرائف في حياة الطلاب وبالأخص طلاب المعاهد ذات السكن الداخلي،وأذكر ذات مرة وكان يدرسنا الأدب رجل فاضل رحمه الله،وأجرى لنا اختبارا كتابيا،وجاءني أحد الزملاء وقال لي ’’ لابد أن تساعدني وإلا رسبت فلم أنجز عملا معتبرا في اختبار الأدب،فذهبت معه إلى الأستاذ في منزله واستقبلنا وبادرنا بالسؤال ماذا فعلتم مع الاختبار فأجبته : إذا كان ما حدثني به فلان ..أعني زميلي صحيحا فيعني أنه سيحصل على عشرين درجة، فقال لي هل أنت متأكد قلت نعم.

 

وفي صباح اليوم الموالي أعاد الأستاذ نتائج الامتحان ومنح درجة 20 لطالبين فقط أنا وزميلي المذكور، لكن زميلي انفجر ضاحكا من الموقف وكان الأمر محرجا للأستاذ.

 

السراج : هل أكملت الدراسة في المعهد؟

 

محمد الحافظ : مكثت في المعهد سنة واحدة،وشاركت في مسابقة شهادة ختم الدروس الإعدادية ونجحت متفوقا ودخلت الثانوية الوطنية وبعد ذلك بعد حصولي على الباكلوريا حصلت على منحة لدراسة الأدب والنقد في المغرب، أعتقد سنوات 1978-1980.

 

السراج : هل من رؤية تقييمية لمنهج المحظرة في التدريس؟

 

محمد الحافظ : أنا أسمع كثيرا عن ضرورة تطوير المحظرة،المهم عندي أن يحصل التعلم وبأي طريقة توصل إلى نتائج تعليمية مقبولة،وأذكر وأنا طالب في المغرب يدرسنا الدكتور أمجد الطرابلسي وهو وزير سابق للتربية والتعليم في حكومة الوحدة بين مصر وسوريا ولما وقع الانقلاب العسكري على الوحدة،كان وقتها في زيارة للمغرب فمكث فيها أستاذا للنقد في جامعاتها،وكان قد حصل على الدكتوراه سنة 1945 بإشراف الفرنسي ريجيس بلاشير وكان يدرسنا النقد وقرر علينا كتاب فن الشعر لأرسطو وكان يدرسنا عبر نسختين عربية وأخرى فرنسية رصينة جدا ويملي علينا مقاطع منها،ثم يطلب منا أن نقرأ مقطعا من المقاطع،ثم يعود إلى كل كلمة منه ويشرحها شرحا مفصلا يستوعب كل مضامينه الدلالية،فكنت أقول حينئذ إن أستاذنا الطرابلسي ’’يدرسنا كما لو كان شيخا من شيوخ المحاظر في موريتانيا يجلس على ’’إلويش’’.

 

وأمجد خاطبنا مرة قائلا ’’ بعد بحث طويل ومران مع كل مناهج التدريس تبين لنا أن هذا المنهج الذي نستخدمه هو الأقوم والأسلم والأقدر على تدريس هذه المعارف’’ فكانت هذه شهادة للمحظرة من رجل درس في الغرب دراسة التخصص والتعمق.

 

يتواصل

 

الشيخ محمد الحافظ : دال الثقافة في اللغة العربية يحمل شحنة مسؤولية والتزام

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox