القر داغي للسراج : الثورات السلمية مناصحة وليست خروجا على الحكام |
الثلاثاء, 14 يونيو 2011 10:07 |
يعتبر الأستاذ الدكتور على محي الدين القرداغي الأمين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأحد أهم الشخصيات الفقهية في العالم الإسلامي حيث تولى عبر عشرات الدراسات الفقهية جسر الهوة السحيقة ما بين الفقه الإسلامي القديم والإشكاليات المعاصرة سواء تعلقت بالمال والاقتصاد أم تعلقت بالطب وغيره من الإشكاليات الفقهية والقانونية المعاصرة. وعندما تجلس بين يدي الشيخ القرداغي مستشكلا أو متعلما تدرك بسهولة كبيرة النزعة الاجتهادية والتجديدية لدى الشيخ خصوصا وأنه صاحب تنقيب فقهي واسع ونظر سديد في المعضلات يسبرغور المسائل المختلفة بحثا واستدلالا على مختلف المذاهب الفقهية بما يكشف عن استيعابه العميق لفقه الخلاف العالي إضافة لمعرفة دقيقة بالنظريات الكلية للعلوم الإنسانية المعاصرة. السراج زارته على هامش أحد أنشطته الفكرية خلال زيارته الأولى لموريتانيا فكان الحوار التالي: السراج : كيف تقيمون مسار الثورات العربية حاليا ألا ترون أنها انزلقت لمسار العنف الذي طالما رفض واعتبر بغيا وخروجا مؤديا لخسارة الأمة.الشيخ على محي الدين القرداغي: بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه أيها الإخوة والأخوات أحيكم بتحية الإسلام فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ونسأل الله للإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات أن يكتب الله لهم الخير والصواب والحسنة في الدنيا والآخرة. بالنسبة لهذه الثورات لابد أن نعلم أن هذه الثورات لم تنشأ إلا بسبب الظلم والاستبداد والطغيان وبسبب ما أصاب هذه الأمة من فقر و جهل و تخلف بالإضافة إلى ما أصابها من ذل مع الأسف الشديد ومن احتلال الصهيوني لأقدس وأبرك أراضينا القدس الشريف والأرض المباركة من حوله. وبالتأكيد سئم الناس و وصل مواطنو هذه البلاد إلى مرحلة اليأس من سياسات الإصلاح وهم مع ذلك يطالبون في هذه الثورات والتحركات بالإصلاحات ولكن الحكام هم الذين يرفضون الاستجابة لمطالب الشعب وهؤلاء الحكام هم الذين بدئوا بالعنف وانأ أقول بكل تقدير ولا زالت هذه الثورات الشعبية في حقيقتها وجوهرها ثورات سلمية وما فيها من عنف ربما اقتصر على الحالة اللبيبة فقط وهو جزء من رد الفعل لأنهم اضطروا إلى ذلك أما الثورة التونسية فكانت ثورة سلمية إبداعية مباركة وأما الثورة المصرية فكانت مدرسة حقيقية لتلقين الثورات الأخرى الأخلاق والقيم وعلى سبيل المثال هذه الملايين والآلاف المؤلفة يبقون أسابيع في ميدان التحرير دون أن يسجل تحرش أو سرقات فهذه في الحقيقة مدرسة غيرت نفسية الشعب المصري نحو الأحسن بشكل طيب ونجحت الثورة بفضل الله سبحانه وتعالى وكان أيضا بالإضافة إلى ما ذكرت أن هؤلاء الحكام يقفون مع الأعداء وانظر ما ذا فعل حسني مبارك مع إخواننا في فلسطين حاصرهم حصارا شديدا وأراد أن يبني ما يسمى بالجدار الفولاذي ويحا صرهم كما حصل من كفار قريش مع الرسول عند بزوغ فجر الدعوة الإسلامية وفي الحقيقة هذه الثورات عقاب لهؤلاء الحكام على خياناتهم فالله سبحانه وتعالى يُمهِل ولا يُهمِل وهؤلاء الحكام طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب. ومن جهة أخرى فإن هذه الثورات ليست خروجا وإنما هذه الثورات في هي بدايتها مناصحة وتدخل في النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتغيير ثم بعد ذلك إذا كان هؤلاء الحكام بدئوا حكمهم برضى الناس وسكوتهم ثم قامت هذه الثورات ووصلت إلى أن أيدتها أغلبية الشعب فإن الشعوب من الناحية الشرعية تضم من يسمى بأهل الحل والعقد وكما لهم الحق في عقد البيعة لهم كذلك الحق في فسخ البيعة فليست هذه الثورات خروجا وإنما الخروج هو الخروج المسلح لفئة معينة وليس لكل الشعب. والجميع يلاحظ الآن أن الشعب المصري ملايين والشعب اليمني أكثر من 90%بالمائة منهم قاموا فأين الخروج على الحاكم وأين الحاكم من هذا. ومن جانب آخر فإن مقاصد الشريعة في الحكام أن يكونوا أمناء ومصلحين أن يتصرفوا وفق المصلحة والمنفعة لشعوبهم أما إذا تحول الأمير أو الرئيس أو الملك من مصلح إلى مفسد للأمة ومن نافع إلى ضار فإن مقاصد الشريعة في البيعة قد انتهت وانقلب الأمر هذا ما علمنا الفقه الإسلامي وما علمتنا الشريعة. السراج : قام الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بدور مفتي الثورات ومزكيها هل سيؤثر هذا الدور على مصداقيته كمرجع للفتوى عند المسلمين بكل طوائفهم وتوجهاتهم.الشيخ على محي الدين القرداغي : نحن والحمد لله رب العالمين في الإتحاد العالمي لعلماء المسلين برئاسة شيخنا العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله نقف مع الشعوب المظلومة وهذا هو الواجب في العالم أن يكون دائما وقافا عند الحق وأن يكون ناصحا دائما أنا أقول في كل كلماتي لإخواننا في الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين إنه يجب على العلماء أن يكونوا بمثابة القلب النابض ينصح الأمراء والحكام ومنهم بمثابة الرأس في الأمة وينصح ويربي المجتمع وهذا هو دورنا نحن حقيقة لم نرفع السلاح أبدا وأينما وقفنا مع الشعوب المظلومة حين ما نادت بحقها ولن نقف أبدا مع الظلم والفساد وهذا هو المطلوب ومصداقيتنا في هذه الوقفات المشرفة مع الشعوب المظلومة سواء في تونس أو مصر أو سوريا أو ليبيا أو اليمن أو غيرها فأي شعب مظلوم يثور نحن معه في المطالبة بحقوقه المشروعة مع الحفاظ على الأمن والاستقرار وهذا هو المطلوب. ونحن طالبنا أول ما طلبنا النظام السوري - وقد أصدرنا أربع بيانات- بأن يستجيب لمطالب الشعب لأننا نحن في الإتحاد حريصون على سوريا لأنها تقف في مواجهة العدو ولكن مواجهتها للعدو لا تعني أن يقوم حاكمها بذبح الشعب كما حدث في درعا وكما حدث في حماة وكما حدث في بنياس وكما حدث في جسر الشغور كما يقولون فمصداقيتنا بالعكس ستزداد إن شاء الله حينما نقف مع شعوبنا. السراج : شاركتم في مؤتمر علماء المسلمين في السنغال في أي سياق يأتي هذا المؤتمر وما هو الدور المنتظر من شعوب وعلماء منطقة الغرب الإفريقي في هذه الظرفية.
الشيخ على محي الدين القرداغي: هذا مؤتمر طيب وتجمع للعلماء وهو تجمع مبارك واستفدنا من لقائنا بهؤلاء العلماء وتدارسوا فيما بينهم ثم صدر بيان حول المسائل العامة وإن شاء الله كل تجمع للعلماء إن شاء الله لا يخلو من خير. السراج: تعتبر كتاباتكم في الاقتصاد الإسلامي أحد المشاريع الفكرية التي نهضت بهذا الجانب وجسرت الهوة التي كانت قائمة ما بين الفقه الإسلامي القديم والمعاملات المالية المعاصرة والسؤال بشكل محدد ما الدور المنتظر للفقه الإسلامي خصوصا في النهضة بالجانب الاقتصادي؟الشيخ على محي الدين القرداغي : في الحقيقة نحن عندنا في قضية الاقتصاد الإسلامي فعلا مشكلة كبيرة وهي أن هناك اقتصاديين وضعيين وكتبوا عن الاقتصاد الإسلامي وهناك فقهاء أيضا كتبوا عن الاقتصاد الإسلامي ولكن التعمق في الاقتصاد الإسلامي بالإضافة إلى التعمق الكبير في الفقه الإسلامي والجمع بينهما هذا هو الأساس وأنا بدوري حاولت في الحقيقة من خلال دراسة الدكتوراه في البداية منذ عقود وكذلك من خلال ممارستي العملية مع البنوك الإسلامية مع بنك دبي ومع البنوك القطرية كذلك بفضل الله سبحانه وتعالى. حاولت - إذا- أن أبذل جهدا في أن اجعل الفقه الإسلامي أساسا عظيما في هذا ولكن أن ننطلق من الفقه إلى الاقتصاد بمنهجية الاقتصاد الإسلامي مع المقارنة فعلا مع الاقتصاد الوضعي وأنا اعتقد بهذه المنهجية إن شاء الله - مثل ما أنت أشرت - ستزال الهوة بين الفقه الإسلامي المعاصر وكذلك الاقتصاد ولكن هناك في الحقيقة بعض الاختلافات من حيث المنهجية بين الفقه ودراسة الفقه ومنهجية الاقتصاد من حيث التحليل من حيث العلة من حيث النظريات فكذلك العالم الذي يريد أن يبحث عن الاقتصاد لابد أن يكون مطلعا إطلاعا كاملا وملما إلماما شاملا بالاقتصاد الوضعي سواء كان اقتصادا اشتراكيا أو اقتصادا رأسماليا وبالأخص نظريات علم الاقتصاد الرأسمالي والنظريات الرأسمالية بالإضافة وهو الأساس للفقه الإسلامي وما يترتب على ذلك من الأصول والأسس الاقتصادية الإسلامية. السراج: ما هي قراءتك لمستقبل النهضة في العالم الإسلامي خصوصا في ظل الثورات الحالية؟الشيخ علي محي الدين القر داغي: أنا في اعتقادي أن من أهم الشروط للإيصال النهضة إلى نتائجها الأساسية إصلاح النظام السياسي وإصلاح النظام التعليمي وإصلاح النظام الاجتماعي وبقية الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية و الأسرية بالإضافة إلى علميات التجديد وهي أن يكون هناك تجديد وتطوير في أفكارنا وإعادة النظر في تراثنا الإسلامي العظيم والاستفادة منه ولكن ننطلق من هذا التراث إلى ما هو الأبعد من ذلك من الاستفادة من التجارب ولذلك من وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم كما يقول القرآن (ويعلمهم الكتاب والحكمة) فالكتاب هو الوحي والحكمة هي تجارب الآخرين أن يعلمهم سنن الله وسنن الذين من قبلكم. السراج: الآن وقد زرت موريتانيا ما هي انطباعاتك عن الجمهورية الإسلامية الموريتانية؟الشيخ علي محي الدين القر داغي: أنا أزور موريتانيا الآن صحبة وفد من الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين يتكون من فضيلة الشيخ كاظم النعيمي وكذلك أخي جاسر العودة وفي الحقيقة نحن أساسا جئنا بشوق كبير وحب فياض لهذا البلد العظيم الذي نحبه قبل أن نأتي وكما يقال: وما حب الديار شغفن قلبي *** ولكن حب من سكن الديارا ولكن نحن نحب الديار وأهل الديار فهذه الديار ديار الشعراء والكرماء والعلماء وهي أيضا ديار اللغة العربية فكم سعدت هذه الأيام بما سمعته من الشعر ومن اللغة العربية ومن النثر العظيم بارك الله في موريتانيا شعبا وحكومة وعلماء ومؤسسات وإخوة أحبة. بارك الله فيكم جميعا وجعل هذا البلد إن شاء الله منطلقا لنهضتنا العربية والإسلامية بإذن الله تعالى. السراج : شكرا جزيلا لشيخنا الكريم. |