ولد حمديت : لجأت إلى المبيت ليلتين في السينما احتماء من باعوض روصو
الثلاثاء, 29 نوفمبر 2011 16:26

محمد لكبيد ولد حمديتفي الحلقة الثانية من مقابلته مع السراج يتحدث الأستاذ محمد لكبيد ولد حمديت عن سياسة فرنسا التعليمية، ومواقفها من المحظرة، ويقول ولد حمديت إن فرنسا استخدمت ثلاثة نماذج تعليمية بدأت بالمحظرة،ثم "الإيكول" وأخيرا المدرسة التي اعتمدت تجربة المدراس العربية في سوريا والجزائر ولبنان.

 

نص المقابلة

 

 

السراج : لنبدأ ملف التعليم، كيف تعامل المجتمع مع المدرسة الجديدة؟

 

 

محمد لكبيد : لقد كان من أهم الأهداف المعلنة للاستعمار الفرنسي لموريتانيا " تمدين" المجتمع البدوي، ولهذا كانت المدرسة إحدى الوسائل الأساسية لتحقيق هذا الهدف المعلن، لكن محاولات نشر التعليم المدرسي الجديد واجهته مقاومة ثقافية قوية جدا وفاعلة، وهو ما جعل الفرنسيين يعتبرون المحاظر أو المدارس العربية، منافسا خطيرا لثقافتهم الجديدة، وقد كتب الفرنسيون أنهم وجدوا في موريتانيا 700 محظرة قائمة،وشهيرة تدرس مقررات موحدة تشمل 800 كتاب في عموم المجال الموريتاني،ولتوجيه الطلاب إلى مدراس الاستعمار استخدمت فرنسا سياسة الترغيب والترهيب، وحاولت فرض توجيه الطلاب إلى المدرسة التي فتحها المستعمر، وأبرزها مدرسة بوغي سنة 1906 وانطلقت ب 25 طالبا لا أكثر، وبعد ذلك سنة 1910 في كيهيدي افتتحوا مدرسة أخرى، تحت اسم (lecoles) ولاحقا سيواجهون صعوبة كبيرة في فتح مدرسة سنة 1914 في بوتلميت ومع ذلك فقد فتحوها، ولاحقا سيزيدون من الضغوط، عندما قرروا منع الطلاب من التوجه إلى المحاظر إلا بإذن مكتوب من السلطات الاستعمارية، بناء على طلب مكتوب من أبوي الطلاب، ولاحقا أيضا قرروا إنشاء مجالس استشارية تضم بعض العلماء والحفاظ وشيوخ المحاظر، وكان هؤلاء يتلقون بعض الإكراميات الشهرية تصل إلى 1300 فرنك شهريا، وفي مرحلة لاحقة سيكتتبون بعض الأساتذة من بينهم محمدو بن عبد الله ولد آل محمد ولد الشيخ سيديا، وعبد الله السالم ولد يحظيه، ومحمد ألفغ وعدد آخر من الأساتذة، وفي فترة لاحقة، أنشأت فرنسا لجنة لدراسة وضعية التعليم في الجزائر ولبنان وسوريا، وهي دول تحت الاستعمار الفرنسي وبناء على تقرير اللجنة المذكورة قررت فرنسا إنشاء مدراس جديدة تحمل اسم (la medrasa)، وبهذا تكون فرنسا قد جربت ثلاثة أنماط تعليمية هي (المحظرة الفرنسية، ثم الإيكول، ثم المدرسة)، وتتميز هذه الأخيرة، بتدريس اللغة العربية بشكل كبير وقد فتحت في بوتلميت سنة 1914، وفي كيفة سنة 1933، وأيضا في أطار وفي تمبدغة، وتدرس هذه المدارس كل المواد التي تدرس في المحظرة بالإضافة إلى  الفرنسية واستثناء التاريخ والسيرة النبوية، وهو ما يظهر أنه كان سعيا إلى منع التأثر بالقيم والأعلام الذين يتعرف عليهم الطالب خلال دراسة هاتين المادتين الأساسيتين، ولعل هذه المدراس كانت أقرب إلى النجاح أكثر من غيرها لسبيين أساسيين :

- أولهما : مكانة اللغة العربية ونسبتها الكبيرة في المدرسة.

- الثاني : الجفاف الشديد الذي ضرب البلاد خلال فترة الحرب العالمية الثانية والذي دفع الكثير من الأسر إلى التوجه نحو الدراسة، وعموما لم يصل الأمر إلى مستوى كبير جدا، فعندما غادر الفرنسيون موريتانيا لم يكن عدد الطلاب يصل إلى 15000 تلميذ في كل البلاد.

 

السراج : متى وصلتم إلى بوتلميت وكيف تصفون لنا حياة الطلاب والمعهد حينها، أين كنتم من بداية الحراك السياسي هنالك.؟

 

محمد لكبيد : لم أكن حينها قد انفتحت على السياسة، صحيح أنني شهدت يوم الاستقلال حينها في بوتلميت، وكان رفع العلم في مقر " الخوبة" في مرتفع رملي في بوتلميت، وقد نظم الشباب والتلاميذ حينها بعض الاحتفالات، ونظم استعراض عسكري بسيط عند أهل الشيخ سيديا، وأظن أن احتفالات عيد الاستقلال لم تكن كبيرة.

 

السراج : بالمناسبة كيف كانت بداية الجيش الوطني في تلك الفترة؟

 

 

محمد لكبيد : على كل حال لا أذكر الكثير، أعرف ما كان يعرف حينها " بقوم نواكشوط" وكانوا 12 شخصا يقودهم محمد ولد حماده، ومن بينهم سيدي محمد الكنتي وأحمد والكوري أبناء اموه، وباب ولد أحمد لعبيد، وسيدي ولد اخنافر، وسيدي محمد ولد عبد الرازق وغيرهم.

 

السراج : كيف واجه هؤلاء تحدي السيل حينها؟

 

محمد لكبيد : لقد استخدمهم الفرنسيون حينها في إرغام القادرين على العمل على المشاركة في عملية إنقاذ السكان من الفيضان، فيما يعرف حينها " باتفرصي" .

 

السراج : وكان الناس يحجمون عن ذلك؟

محمد لكبيد : دون شك ...ولم يكن الناس كثرا حينها، وكان في نواكشوط حينها ثلاثة فرنسيين فقط، وقد خلعوا ملابسهم ونشطوا في عملية الإنقاذ حينها، فيما كان " قوم نواكشوط" يرغمون القادرين على العمل على نقل الأمتعة وحملها إلى منطقة الحي المخصص للإنقاذ.

 

السراج : في بوتلميت ..كم كان عدد "الكوميات" حينها؟

 

محمد لكبيد : كان قليلا جدا، وأذكر أنه قبل الاستقلال بقليل حول إلى بوتلميت رجلان من الدرك الوطني هما سيدي ولد اكليب واعل ولد أماه، وفي تلك الفترة كان بعض الدرك يتقلون تدريبا في فرنسا من بينهم محمد ولد كمبه وآخرون.

 

السراج : ماذا عن الوظيفة الاجتماعية للكومي والمترجم (آملاز) حينها؟

 

محمد لكبيد : كانت مهمة المترجم أساسية جدا، وكان أقرب إلى الحاكم الفعلي، وكما تعلم فإن الرئيس الأسبق المرحوم المختار ولد داداه كان مترجما في آدرار وكانت علاقته طيبة جدا مع السكان هنالك، ورشح هنالك لمنصب نائب في البرلمان، حينما لم يستطع الحصول على ذلك في بوتلميت.

 

وبالجملة فقد كانت مكانة المترجم باعتباره وسيطا بين الحاكم الفرنسي والسكان مهمة جدا، وتزداد أهميته عندما يكون الحاكم ظالما، وهنالك مترجمون كانت لهم قيمة اجتماعية كبيرة، كما هو حال المرحوم محمد ولد ابراهيم ولد الشيخ الحسن في بوتلميت.

 

السراج : الزعامة الدينية والسياسية لأهل الشيخ سيديا لم تكن ترحب بالمختار ولد داداه؟

 

محمد لكبيد : كما أسلفت لك فإن أسرة الشيخ سيديا هي أسرة زعامة كريمة لا أظن أن لها نظيرا في السيادة وحسن العلاقة مع الناس وإكرامهم، لكن لا يمكن إخضاعها أو محاولة التعالي عليها، كما هو العرف الطبيعي بالنسبة لأسر الزعامات.

ونحن نذكر أن العلامة يحظيه ولد عبد الودود في إحدى سنوات الجفاف انتقل إلى بوتلميت، وقد أكرمه باب ولد الشيخ سيديا غاية الإكرام، وأمر أبناءه أن ينتقلوا إليه للدراسة، وبالغ في الاحتفاء به، ومدحه بقصيدة،وكان الأمر حينها قمة في الإكرام نظرا لمكانة باب ولد الشيخ سيديا، ومن تلك القصيدة المشهورة قوله

أحظى الذي جل عن شرك وتشبيه

       بالعلم والأدب المختار يحظيه

 

يرضى به الناس في أيامه خلفا

       من سيبويه مصافيه وشانيه

 

يارب جوهر علم ظل ينفقه

       في آخذين له لم يغمضوا فيه

 

يبدي عويصاته في الدرس بينة

       كأن كل عويص من مباديه

 

لولا هداه بتلك التيه ما خرجت

       فيها الهداة إلى حين من التيه

 

في مجلس نفع الله الأنام به

       سيان عاكفه فيه وباديه

 

دعا إليه أولى الألباب مجتهدا

       لسان حال فلبوا صوت داعيه

 

ما إن تصدر للتمويه صاحبه

       وإن تصدر أقوام بتمويه

 

فبارك الله في أيامه وحمى

       من المكارم من يحويه ناديه

 

أهلا بمقدمه الميمون طائره

       والرحب والبشر والتكريم لاقيه

 

كنا نرجيه مذ حين ونامله

       فالحمد لله معطي ما نرجيه

  وعند سماع يحظيه رحمه الله تعالى للبيت الأخير قال لطلابه : سنرحل فلن أكون كرامة لولي (يضحك).

 

السراج : متى بدأتم مرحلة التدريس؟

 

محمد لكبيد : في 25 مايو 1961 أجري لنا امتحان الكفاءة، وقد نجحت من المتفوقين وكان الأول على دفعتنا الشيخ محمد سالم ولد الشيخ المعلوم وكان من طلاب يحظيه ولد عبد الودود،/وكان عالما كبيرا وهو الآن يقيم في المدينة المنورة وقد نجح حينها 270 طالبا ووظف في البداية منهم 110 وتتابع توظيف المجموعة حتى اكتملت بشكل عادل ، وقد عدت بعد ذلك إلى  المحظرة عند أهل التاه، قبل أن يصلني بلاغ من الأخ الشاعر محمد عبد الرحمن ولد معاوية، بضرورة التوجه إلى نواكشوط حيث سأغادر إلى محل عملي الجديد في " دبانكو" (بوغي) وكانت أول مرة أسمع فيها باسم "دبانكو".

ركبت جملا من عند أهل التاه، وانطلقت باتجاه نواكشوط، والتقيت محمد عبد الرحمن وكان قد سحب لي ورقة التحويل وورقة تعويض تكاليف السفر، وسافرت إلى روصو رفقة معلمين آخرين، هما حمود ولد احبيب ومحمد سالم ولد زين.

وعندما وصلنا إلى روصو اتجهنا إلى الحاكم الذي أخبرنا أن وسيلة السفر الوحيدة بين روصو وبوغي ستكون قارب " ولد ابن المقداد"، ومكثنا ليلتين مرغمين على أن نبيت في السينما خوفا من لسعات البعوض حتى الصباح.

وفي اليوم الثالث وصل القارب، وركبت مع زميلي وعند ركوبي مباشرة كانت في جيبي محفظة نقود صغيرة فيها بعض الصور وبعض الرسائل إضافة إلى 2000 أوقية هي كل ما أملك من مال وسقط الجميع في النهر، واستمرت رحلتنا بين روصو وبوغي يومين كاملين، كان القارب يرسو عند بعض القرى الصغيرة لتنزل بعض النساء أو بعض الخضروات أو الدجاج، كما هو حال ساكنة الضفة حينها، وفي اليوم الثالث وصلنا إلى بوغي في قمة التعب ونحن لا نملك أي وقية، و لا نعرف أي أحد في المدينة، وفور وصولنا إلى المدينة وجدنا أحد زملائنا السابقين في المحظرة وهو محمدو ولد اخيارنا، وكان بين طلاب المحاظر ترابط روحي عجيب، إَضافة إلى حب كبير لأشياخهم وكل من يرتبط بهم بصلة، كما وجدنا حاكما طيبا هو الناجي ولد المصطفى، وطلب منا الانتظار حتى يصل مفتش التعليم حينها وهو الأستاذ با مامادو الحسن رئيس جزب "ابليج" حاليا.

 

ولد حمديت : لجأت إلى المبيت ليلتين في السينما احتماء من باعوض روصو

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox