ولد حمديت : مكث حسني ولد ديدي 11 سنة وصبغ التعليم بصبغة اجتماعية
الاثنين, 26 ديسمبر 2011 17:14

مكث حسني ولد ديدي 11 سنة وزيرا للتعليم وصبغ القطاع بمسحة اجتماعية

المدرس الفلسطيني داود أبو رحمه هدد بقتل كل الأساتذة العراقيين في موريتانيا

الأستاذ محمد لكبيد ولد حمديتقال المفتش العام السابق للتعليم في موريتانيا محمد لكبيد ولد حمديت إن ملف التعليم تحول منذ الإطاحة بالمختار ولد داداه إلى ملف أمني يسعى من خلاله العسكر إلى ضبط التلاميذ بدل الانشغال بالمهمة التربوية،وتحدث الأستاذ حمديت في الحلقة الرابعة من مقابلته الشيقة مع السراج عن جوانب مضيئة من مسار التعليم في موريتانيا ورحلته التدريسية والإدارية.

 

 

 

 

السراج : مكثت في مصر ثمان سنوات ..كيف كان مسار الدراسة

 

محمد لكبيد : أكملت دراستي في مصر بشهادة المتريز في الأدب العربي وهي تكافئ شهادة الدراسات العليا في النظام الفرنسي وقد دخلت في سجال قوي مع لجنة معادلة الشهادات من أجل إثبات الفارق.

وعموما فقد كللت هذه الدراسة ببحوث دراسية من بينها بحث مقارنة بين الأدب الموريتاني والموشحات الأندلسية ولاحظت أن أول من كتب الموشحات والأزجال في الأندلس هو محمد بن تافلويت، ونحن نطلق على الشطر في الأدب الحساني اسم "التافلويت" أيضا.

وقد اهتم مشرفي الدكتور عبد العزيز الأهواني وهو وسفير سابق لمصر في إسبانيا بالبحث وكان إعداده

   أيضا بنصيحة منه.

 

السراج : متى عدتم إلى موريتانيا؟

محمد لكبيد : عدت من مصر يوم 13 يونيو 1971 بالشهادة التي حدثتك عنها، وكان التقليد الرئاسي حينها يقضي باستقبال الطلاب العائدين من الخارج وتنظيم حفل عشاء رئاسي لصالحهم في قصر الرئاسة، وكان الطلاب حينئذ ينكتون على الرئيس المختار ولد داداه أنه كان في مصافحته للطلاب يسألهم عن تخصصاتهم، وعندما يقول الطالب إن تخصصه الحقوق يضغط المختار على يده بشكل أخوي ..لأن تخصص المختار رحمه الله كان القانون.

أيضا كان الطلاب العائدون يستلمون من الرئاسة شيكا بمبلغ 45 ألف أوقية لكل واحد منهم، وبين ذلك التعامل وما يعانيه الطلاب اليوم من ضعف اهتمام فرق شاسع وكبير.

أذكر في هذا الصدد أنني عندما ذهبت إلى البنك لاستلام الشيك المذكور وجدت أمامي مدير التعليم الذي طلب مني الانتقال معه مباشرة لأنني موظف في قطاع التعليم، وتم تحويلي أستاذا للغة العربية بعد أن سألني ماذا إذا كنت أرغب في التحويل إلى منطقة معينة قلت له إنني قادم من القاهرة ولن يجد منطقة أبعد منها.

وقد درست حينها عددا كبيرا من النخب اللاحقة من بينها العقيد السابق عينين ولد أييه، والوزير الأول السابق سيدي محمد ولد بوبكر والمفوض محمد ولد ابراهيم ولد السيد، كما درست النحو في المدرسة العليا للأساتذة، ولاحقا طلبني محمد ولد داداه وكان يلقب حينها (محمد كلتير أي محمد الثقافة) لتدريس النحو في مدرسة تكوين المعلمين، ولاحقا سأحول مديرا لثانوية لعيون.

 

السراج : كم كان عدد الطلاب حينها.

 

محمد لكبيد : كان عدد الطلاب يناهز 1400 طالبا ومكثت هنالك سنتين قبل أن أحول إلى ثانوية أطار تبعا لعرف إداري يقضي بأن لا يتولى إدارة الثانويات من لا يحمل شهادة الليصانص، وقبل ذلك أخبرني وزير التعليم أنني معين سلفا أيضا مديرا لثانوية القذافي (الثانوية العربية) وكنت أول مدير لها، ولا زلت أحتفظ بالدراسة المالية والفنية لإنشاء تلك الثانوية.

 

السراج : متى انتقلتم إلى قطاع التفتيش التعليمي؟

 

محمد لكبيد : في 1980 عينت بمرسوم رئاسي مفتشا عاما للتربية الإسلامية والخلقية، وفي 20 أكتوبر 1982 عينت مفتشا عاما للتعليم في موريتانيا، والمفتشية مكلفة بمهام كبيرة – نظريا- فالمفتش مستشار فني للوزير ومكلف بالتكوين المستمر وتقويم سلك المدرسين سواء في الإدارة أو الفصول وتقديم تقرير سنوي عن كل فرد من المدرسين، مع اقتراح القرارات المناسبة تجاهه ترقية أو إعادة إلى التكوين.

 

السراج : ماهي أعلى نقطة أعطيتموها لمدرس؟

محمد لكبيد : شخصيا أكبر نقطة أعطيتها هي 16 من 20 فيما أعطيت البعض 8 أو 7 نقاط، وبالنسبة للمدرسين ضعاف المستوى فكنا نقترح إعادة المدرس الأجنبي إلى بلده، أما الموريتاني فكنا إما أن نقترح إعادته للتكوين أو تحويله إلى وظيفة أخرى.

وللأسف علمت أن إعادة بعض المدرسين العراقيين إلى بلدهم تسببت لهم في إهانات معنوية قاسية.

وقد كنت سنويا أقدم نشرة بتوزعة  الأساتذة في البلد، حسب جنسياتهم ونوعياتهم وقد كان عدد المدرسين الأجانب سنة 1982  يصل إلى 700 مدرس أغلبهم عراقيون وفلسطيون وجزائريون، وقد ظلت هذه النشرة تصدر سنويا منذ 1982 حتى مغادرتي للوظيفة سنة 1995 حيث توقفت بشكل نهائي.

 

السراج : إذا أدرتم المفتشية في فترة مضطربة سياسيا؟

 

محمد لكبيد : دون شك ..وأنا رفضت مرة إدارة إعدادية أطار ردا على طلب وزير التعليم حينها محمذن ولد باباه، وقلت له إنني أرغب في أن أظل مدرسا كما كنت كما أنني لست مستعدا لأن أكون جاسوسا كما تقتضي ذلك وظيفة مدير المدرسة أو  الثانوية أثناء فترات الاضطرابات، حيث إن هؤلاء يتحولون إلى مخبرين بشكل كامل.

 

السراج : في أطار زاركم المختار ولد داداه..هل تذكرون تفاصيل تلك الزيارة؟

 

محمد لكبيد : دون شك ولله الحمد.. زارنا المختار ليشرف على تخرج الدفعة الأولى من المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة، وفي هذا الصدد أذكر أنني من أطلق هذه التسمية، بعدما زارني المرحوم العقيد أحمد سالم ولد سيدي طالبا إعطاءه اسما للمدرسة لكي يطبع على بذلات الجنود وعلى النياشين العسكرية، وكان رحمه الله طريفا مرحا فقال لي : لقد أرسلت إلى نواكشوط لترجمة اسم هذه المدرسة لكن الناس أخبروني أنك أعلم الناس بالعربية فترجم لي اسم المدرسة واكتبه لي في ورقة، فكتبت له الاسم المقترح وسلمه إلى الفريق الفني الذي أعاد خياطة الحروف التي كتبت وطبعته بشكلها المخطوط على ملابس العسكريين ولا تزال كما هي الآن بخطي الكبير المعوج  (يضحك).

وقد كان الإسم المقترح من المترجمين التونسيين هو المدرسة الحربية للأسلحة المختلفة، قلت لأحمد سالم رحمه الله إن عبارة الحربية غير لائقة، والأسلحة المختلفة عبارة قلقة تناقض الوحدة المطلوبة في القوة العسكرية.

وفي هذا الصدد زار المختار ولد داداه مدينة أطار ولم أحضر الاستقبال بناء على عرف تقليدي لدي بأن لا أهتم بالنظام لا سلبا ولا إيجابا، غير أن وزير الشباب حينها التيجاني ولد كريم وبعض الزملاء الآخرين طلبوا مني حضور الأمسية التي أعدت للرئيس.

 

وأذكر أنني كنت في بعض خيام الأمسية حيث طلبني الوالي وقال لي : طلب منك الرئيس الحضور إليه، قلت له لعلك تقصد أحد هؤلاء الأشخاص الآخرين، فقال لي : الرئيس طلبك  اسميا الحضور.

فذهبت إلى الرئيس ونهض الرئيس للسلام علي – رحمه الله – وسألني كيف حالك مع المنطقة ومع التمر ..قلت له : بخير مع أنني من منطقة أهلها لا يعرفون إلا " توكة".

وبعد حديث ودي سألني الرئيس عن الأساتذة العراقيين وكيف تعاملت معهم قلت له : وجدنا لهم حلا مع وزير التعليم من خلال مبادلتهم بالأساتذة المغاربة في لعيون، حيث إن الأساتذة المغاربة كانوا يرغبون في التحويل إلى أطار، أما العراقيون فكانوا يواجهون تهديدا من أحد أساتذة العلوم الفلسطينيين يدعى داوود أبو رحمة، ضمن بعض التجاذبات السياسية نتيجة للحراك القومي وخصوصا الناصري القوي جدا ـ حينهاـ  في مدينة أطار.

وبعد ذلك سألني عن وضعية امتحانات ختم الدروس الإعدادية، وقلت له لقد نظمنا الامتحان الشفهي وسننظم بعد أيام الامتحان الكتابي فضحك وقال لي : تنظمون الشفهي قبل الكتابي قلت له نعم : لأننا نستخدم نظاما تعليميا يختلف عن النظام الفرنسي والمغربي.

وللأسف لاحظت من ملامحه أنه استاء من هذه الإجابة، ولاحقا قال لي  ديدي ولد بونعامة : لقد أسأت الأدب على المختار.

واستمر الحديث بشكل ودي وكان المختار رحمه الله يقطع اللحم لجلسائه، وأذكر أنه نادى مرة على وزير الدفاع حينها محمذن ولد باباه وقال له تعالى اجلس معنا نحن "لمرابط ماه صاحب ايكيو" وكان محمذن يجلس مع مجموعة من الضباط، ومحمذن كان وزيرا للدفاع رغم أن مدرس للغة العربية

لكن من الغرائب التي شاهدت حينها، مخاطبة السفير الفرنسي للرئيس المختار ولد داداه قائلا : سأسافر إلى فرنسا قبل 14 جوييه لكنني سأعطيكم رقم ابني الذي يقضي العطلة رفقة صديقه في نواكشوط، يمكنكم أن تتصلوا به إذا احتجت لشيء، وقد تأكدت حينها أن الرئيس راحل وإلا فإن هذا الأسلوب مستغرب جدا في الأعراف الدبلوماسية.

وعموما كانت المؤشرات تدل على أن الوضع يتجه إلى الاضطراب، وقد كان الشاعر المختار ولد محمدا أحد حضور أمسية الرئيس في أطار قد قال قصيدة يحتفي فيها بإنشاء الطريق الرسمي في نواكشوط، وكان من ضمنها هذا الشطر " لكننا اليوم في ملتقى الطرق"..وقد علق المختار ولد داداه رحمه الله على هذه القصيدة قائلا (" ملتقى الطرق ..ماهي اعل بابها).

ولاحقا حصل الانقلاب على المختار ولد داداه وأخذ العسكر الحكم وتحول التعليم إلى ملف أمني لا أكثر، ولذلك فإن من يستطيع تحقيق الهدف الأمني للتعليم سيحظى بالتقريب الدائم في قطاع التعليم، فعلى سبيل المثال حافظ وزير التعليم حسني ولد ديدي على منصبه 11 سنة كاملة، من أكتوبر 1979 إلى مارس 1991 وقد كان الطلاب يكتبون حينها على الجدران " كل انقلاب وأنتم بخير".

وقد تميزت هذه الفترة بثلاث سمات أساسية

- هي انكماش الوسائل التعليمية بشكل متلاحق من خلال نقص الوسائل واعتماد سياسة التقشف في التعليم وإلغاء البرامج التطويرية من أقسام داخلية ومعسكرات صيفية والمباريات الرياضية وملتقيات وبرامج تطويرية، وأكثر من ذلك حولت كل الوسائل التي كانت لدى الأقسام الداخلية من أسرة وأفرشة ووسائل طبخ إلى الجيش وهو أمر مؤسف جدا، لأنه أسهم في فقر التعليم وقضى بشكل منهجي على الفرصة الوحيدة التي كانت متاحة حينها للانسجام الاجتماعي بين الطلاب الذين كانوا يسكنون في غرف واحدة وحي تعليمي واحد.

- ترسخت أيضا في هذه الفترة التقاليد الإدارية للتعليم، وصار بإمكان كل مسؤول معرفة تخصصه ونطاق عمله.

- اعتمدت الوزارة سياسة تقشف شديدة، حيث قطعت المنح الداخلية وأغلقت الأقسام الداخلية أيضا، وقد خدم حسني ولد ديدي النظام حينئذ بهذه القرارات والمواقف وخدم نفسه من خلال رضا النظام عنه، وأدار التعليم بحنكة لأنه كان مصحوبا بمجموعة كبيرة من خيرة كوادر التعليم ولم يكن يتدخل حينئذ لأي مسؤول في صلاحيته، لقد اكتتبت 17 مفتشا للتعليم دون أن يتدخل لي في اكتتاب أي واحد منهم وأظن أن فلسفته كانت أن يترك للإداريين صلاحياتهم وللدولة وسائلها ويعمل بين هذين.

السراج : في هذه الفترة كثر الحديث عن تجاوز ومحاصصة  على مستوى المنح؟

محمد لكبيد : دون شك كان بعض المسؤولين يقولون حينها إن نظام المختار ولد داداه كان نظام أهل " الجنوب" وأنهم قد أخذوا حصتهم من الدولة، وأنا أظن أن ما يتهم به المختار ولد داداه في هذا الصدد هو أمر أملته ظروف التاريخ، حيث كانت نواكشوط  ـ وهو يقع في منطقة الجنوب ـ أكثر مناطق موريتانيا حظا من التعليم والثقافة، وأنا قرأت في مجلة فرنسية مرة أن الفائز الأول في الباكلوريا والشهادة الدروس الإعدادية في باريس سنة 1947 كان من مدينة بوتلميت، وفي نفس الصحفة خبر عن افتراس حيوان متوحش لشخصين في بعض ضواحي لعصابة

وأنا أذكر في اجتماع لنقاش بعض قضايا إصلاح التعليم قال الوزير حسني ولد ديدي عندما تحدثنا عن المدراس المخصصة لولاية الترارزة : "إن تلك الولاية قد حصلت على نصيبها من التعليم".

وقد ظهرت تلك المحاصصة بشكل عملي في استفادة أقارب الوزير وعشيرته من المنح الخاصة بالطلاب، وعموما فقد استنفادوا بشكل قوي في عهد حسني ولد ديدي وفي عهد غيره، مثلا أذكر أن  المفتش إسلم ولد الحاج ولد مولود طلب مني في لعيون إعداد شهادات مدرسية (تحديد مستوى) لخمسة عشر طالبا موريتانيا حصلوا على منح للتكوين على أحواض السفن في المجر، وكان ذلك ضمن بعثة تابعة لوزارة الصيد التي كان يقودها حينها زعيم الكادحين عبد الله ولد اسماعيل، وكانت المجموعة كلها من أقارب إسلم ولد مولود.

في عهد حسني ولد ديدي كان  جميع مديري الإعداديات من إعدادية البنين وحتى إعدادية شنقيط  من أقارب الوزير حسني ولد ديدي، وبالتالي صبغ حسني وزارة التعليم بصبغة اجتماعية، وقد سارت حينها نكتة طريفة تقول إن بدويا قدم من تجكجة وركب مع صاحب تاكسي قائلا أريد أن توصلني إلى دار من قبيلة (....) فذهب به صاحب التكسي إلى وزارة التعليم، وقال له : "هذه دارهم الكبيرة".

ومن الطرائف أن القذافي في زيارته الأولى لموريتانيا زار مزرعة امبورية في روصو وكان مديرها حينئذ عبد الله ولد اسماعيل وكان معه مجموعة من الصينيين، فقال القذافي : هؤلاء الملاعين يجب أن يعملوا عملا مضاعفا، فهمس المختار رحمه لله لعبد الله ولد اسماعيل : "عبد الله لا تغضب من كلام القذافي"، لأن عبد الله كان من أتباع التيار الصيني في الكادحين حينها.

 

 ولد حمديت : مكث حسني ولد ديدي 11 سنة وصبغ التعليم بصبغة اجتماعية

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox