ولد بوحبيني: ودادية القضاة إطار لا يليق بقضاة يحترمون أنفسهم"نص المقابلة"
الأربعاء, 19 سبتمبر 2012 13:59

نقيب المحامين أحمد سالم ولد بوحبينينقيب المحامين أحمد سالم ولد بوحبينيفي مقابلة له مع "السراج" قال أحمد سالم ولد بوحبيني نقيب الهيئة الوطنية للمحامين، إن العدالة في موريتانيا تعاني الكثير من المشاكل والصعوبات تحول دون القيام بالمهام الموكلة إليها، وعزا ذلك إلى إرادة سياسية تسعى وتهدف لأن تجعل من العدالة مرفقا من مرافقها تسيره وفق هواها، وذكر بأن هذه الوضعية تجعل منها مسألة عديمة الجدوائية.

وهذا نص المقابلة:

 

السراج: السيد نقيب المحامين نشركم في البداية على إتاحة هذه الفرصة.

في البداية ذكرتم في أكثر من تصريح أن القضاء الموريتاني يعاني الكثير من المشاكل والصعوبات على أكثر من مستوى.

فما هو تقييمكم للوضعية الراهنة للقضاء الموريتاني؟ وما الصعوبات التي تقف حجر عثرة أمام النهوض بمؤسسة العدالة في موريتانيا؟

أحمد سالم ولد بوحبيني:بسم الله الرحمن الرحيم، الوضعية الراهنة للقضاء هي الوضعية التي يتخبط فيها منذ فترة، وهي عدم وجود قضاء مستقل، وعدم وجود قضاة يثقون في استقلاليتهم؛ وعدم وجود قضاة يثقون بمركزهم؛ المركز الذي يتميز بخضوعهم للقانون والقانون وحده، حيث لا يخضعون إلا للقانون، هذا المركز إلى حد الساعة قضاتنا ـ للأسف الشديد ـ غير قادرين على تبني هذه الوضعية التي يعطيها لهم القانون، ولدي العديد من الأمثلة؛ ومنها ما هو حديث قبل أيام فقط؛ وهو زيارة وزير العدل للقضاء ولقاءه في قصر العدالة برئيس محكمة الاستئناف والقضاة الجالسين، أي علاقة بين وزير العدل والقضاة الجالسين؟؟!

فهذا دليل إضافي على احتقار السلطة التنفيذية للقضاة وعلى قبول القضاة لهذا الاحتقار من طرف السلطة التنفيذية، فقد زار الوزير قصر العدالة وكان القضاة ضمن موكبه وتابعوه في أروقة العدالة إلى مكتب رئيس محكمة الاستئناف، حيث جرى اللقاء، وحيث جرت التوجيهات؛ وهذا عيب وعار في العالم الآخر؛ فوجود وزير العدل في مكتب رئيس محكمة الاستئناف مع القضاة الجالسين دليل واضح على عدم وجود فصل بين السلطات، وعلى عدم وجود استقلالية للقضاء وعلى عدم وجود قضاة مقتنعين بمكانتهم وبدورهم وباستقلاليتهم وبسلطتهم؛ لأنها سلطة موازية للسلطة التنفيذية. نحن للأسف الشديد في هذه الوضعية وقضاتنا في هذه الوضعية.

  المشاكل التي يعاني منها القضاء ـ الجزء الثاني من سؤالكم ـ هي أنه أريد له أن يكون جزء بسيطا من السلطة التنفيذية؛ وأن يكون مصلحة من مصالح وزارة العدل، وبطبيعة الحال هذا غير مقبول فالقضاء قضاء مستقل، ويجب أن يكون سلطة مستقلة. إذاََ الإرادة السياسية هذا هو توجهها؛ والأمثلة كثيرة على ذلك، والقضاة لم يتيحوا لنا الفرصة لاحترام موقفهم، الذي يكون بهذا السلوك موقفا غير جدير بالاحترام، وقد قلت ذلك أكثر من مرة؛ فيجب على المحامي احترام القضاء، باعتبار احترام القاضي للقانون، أما إذا لم يحترم القانون فإن القاضي ليس جديرا بالاحترام وخاصة إذا كان لا يتبنى مركزا يليق بوظيفته السامية، ولا يتبنى ما يترتب عليها من استقلالية؛ ففي اعتقادي أن القاضي غير جدير بالاحترام، وبالتالي عدم احترام القاضي يصبح مسألة طبيعية. أنا لا أحترم القضاة الذين  لا يتمتعون بما يسمح لهم به القانون من استقلالية ومن عدم الخضوع للسلطة التنفيذية. وهناك آخر مثال بسيط وهو أن ودادية القضاة بدل أن يترك لها المجال في الدفاع عن مصالحهم تم إنشاء جمعية من طرف وزير العدل وفرض عليهم الانضمام لهذه الجمعية، وهذا لا يليق بالقضاء ولا بقضاة يحترمون أنفسهم.

   السراج:  موضوع آخر لا يختلف كثيرا عن وضعية القضاء يتعلق بالسجون ونزلائها. كيف تقيمون الوضعية الراهنة للسجون ونزلائها؟

أحمد سالم ولد بوحبيني: كي أتحدث في الموضوع من زاوية تختلف عن حديثي عنه مؤخرا؛ وخلاصتها أن هناك وضعية مزرية للسجون، وهناك منذ فترة حبس احتياطي مطول في بعض الأحيان يزيد على ست أو سبع سنوات، في حين أن القانون صريح هناك آجالا قصيرة لا يجوز أن يتجاوزها في حق من لم تتح لهم الفرصة للمحاكمة.

 بعيدا عن هذا أود أن أشير إلى مسألة تتعلق بالمساعدة القضائية، اليوم في السجون يوجد أشخاص في الغالب ضعفاء ومن ذوي الدخل المحدود، وفي بعض الأحيان منقطعون عن ذويهم، وفي بعض الأحيان أجانب، وليس لهم الوسائل للولوج للعدالة، وليس لهم من وسائل للدفاع عن حقوقهم أمام العدالة وليس لديهم وسائل لأخذ محام، والإجراءات التي تصاحب التقاضي والدفاع عنهم أمام المحاكم، فكثيرا ما يكون نزلاء السجون في هذه الوضعية، وقد طلبنا من الوزارة أن تضع ما يسمى بـ "المساعدة القضائية" وأن يستفيد هؤلاء النزلاء من المساعدة القضائية؛ وهي وسائل متاحة من طرف الوزارة تسمح لهؤلاء بالاستفادة من المحامين والاستفادة من المصاريف التي يتطلبها مسارهم القضائي، فامتنعت الوزارة من وضع "المساعدة القضائية" فأخذت الهيئة الوطنية للمحامين على عاتقها المهمة مع شركائها؛ واليوم لدينا الوسائل المادية الكفيلة بجعل عدد معتبر من المحامين تحت تصرف هؤلاء المواطنين؛ لكن وزارة العدل تمنعنا؛ فبدل أن توفر المساعدة القضائية تقف دون توفيرها من طرف الهيئة الوطنية للمحامين، فلدينا الوسائل المادية ولدينا المحامون المستعدون لكن وزارة العدل تمنع الهيئة الوطنية للمحامين من هذه المهمة النبيلة التي ترجع بالأساس للدول وبدل أن تقوم بها تعرقل جهود من يحاول أن يحل محلها في هذا العمل الجبار.

السراج: حديثكم هذا يقودنا للسؤال عن أهم الصعوبات والمشاكل التي تواجه نقابتكم؟ ثم طبيعية علاقتكم بالنظام؛ خصوصا أن البعض يحسبكم على المعارضة مما قد يكون له أثر ما على طبية تعامل النظام معكم؟

أحمد سالم ولد بوحبيني:  لقد حاولنا في أكثر من مرة أن نفسر للجميع؛ وخاصة للسلطات أن دورنا غير سياسي وبالتالي لا علينا أن نكون مع النظام ولا ضد النظام، فنحن مع أو ضد النظام، عندنا مهمة تتعلق بالدفاع عن الحريات وعن حقوق الإنسان، والدفاع عن الأشخاص أمام العدالة، وحتى الدفاع عن استقلالية القضاء وفصل السلطات، سنقوم بهذه المهمة. وبطبيعة الحال نقيضنا في هذا المسار هو السلطة التنفيذية؛ من الطبيعي أن نصطدم به لأنه إذا كانت هناك أي خرقات هو الذي يقوم بها، وإذا كان هناك خرق للقانون فيما يخص هذه الأمور فهو الذي يقوم به؛ وبالتالي فالسلطة كثيرا ما تعتبر أننا خضم لها بمجرد وجودنا كمدافعين عن هذه المسائل. إذاََ هذا خطأ ويجب على السلطة التنفيذية أن تصححه؛ فنحن لسنا معها ولسنا ضدها، نحن نقف ضد أي مساس بهذه الأمور السالفة الذكر، وللأسف الشديد في الواقع أن الدولة هي أول و أكثر من يمس بهذه المبادئ (استقلالية القضاء، فصل السلطات ...) وبالتالي نقف لها بالمرصاد، وتعتبر ذلك معارضة؛ نحن لا نعتبره معارضة، وإذا كان لعب هيئة المحامين لدورها يعتبر معارضة فالمعارضة حينها تكون واجبنا.

السراج: نخرج قليلا عن هذا السياق ونتحدث عن قضية السنوسي الذي تم تسليمه الأسبوع الماضي للسلطات الليبية؛ حيث يطرح هذا التسليم أكثر من إشكال على الساحة الحقوقية والقانونية.

ما هي الآثار المترتبة على هذه القضية؟ وماذا عن موقف نقابتكم منها؟

أحمد سالم ولد بوحبيني:  لقد اعتبرنا بأنه كان من المفروض أن يكون الموضوع قضائيا، وأن  يكون القرار والإجراءات قضائية، إلا أنه للأسف تم تغييب القضاء في هذه المسطرة. وهنا أتوقف عند هذا الخرق الأولي والمبدئي والأساسي؛ السلطة التنفيذية تحل محل  القضاء، وتعبر مرة أخرى عن اختراقها للقضاء. إذا كان يجب أن تكون مسطرة قضائية، وللأسف كان قرارا سياسيا ونفذ على مستوى السلطة التنفيذية دون أن يكون للقضاء دور فيها. النقطة الثانية هي أن الاتفاقية المناهضة للتعذيب التي وقعت عليها موريتانيا وصادقت عليها أصبحت ملزمة لنا؛ لأنها أصبحت من المنظومة القانونية الداخلية لموريتانيا تمنع تسليم أي شخص طالما أن هناك أبسط احتمال أن يتعرض للتعذيب في الدولة المسلم لها، وبطبيعة الحال نحن مقتنعون بأن السنوسي في ليبيا الحالية سيتعرض للتعذيب، وكان على الدولة الموريتانية أن تلتزم بما تنص عليه هذه الاتفاقية؛ احتراما لها واحتراما للقانون الموريتاني؛ لأن هذه الاتفاقية أصبحت جزءا من القانون الموريتاني.

 وبخصوص موقفنا من هذه القضية فإننا نعبر عن استيائنا التام لتغييب القضاء في مسطرة يجب أن تكون مسطرة قضائية، والثاني هو عدم احترام الدولة الموريتانية لمضمون ما نصت عليه اتفاقية مناهضة التعذيب، الذي كان يجب أن يكون من ضمن الأمور التي تمنع تسليم السنوسي لليبيا.

السراج: تم إطلاق سراح بيرام الأسبوع الماضي بحرية مؤقتة؟ كيف تنظرون لهذه الخطوة؟ ثم ما توقعاتكم بخصوص مسار قضيته مستقبلا؟

أحمد سالم ولد بوحبيني: فيما يخص بيرام لاحظت مع جميع المواطنين مقاله رئيس الجمهورية في لقاء الشعب بأطار بأن المسطرة القضائية بحق بيرام  تسير سيرا اعتياديا حيث قال رئيس الجمهورية بأطار بأن المحكمة الجنائية أمرت بإجراء بحث تكميلي يجري حاليا؛ وحينها كانت ردة الفعل بالنسبة لي شخصيا واضحة، وهو أن ما قاله رئيس الجمهورية في لقاء الشعب بأطار بخصوص قضية بيرام  لا أساس له من الصحة، فالمحكمة الجنائية لم تأمر إطلاقا بإجراء بحث تكميلي بخلاف مضمون ما قاله رئيس الجمهورية، فرئيس الجمهورية ليست له أية دراية بما جرى في العدالة بخصوص بيرام وعبر عنها بصورة واضحة عندما قال أشياء لا صلة لها بالواقع ولم تحدث أبدا.

تم إطلاق سراح بيرام بحرية مؤقتة؛ وهذه هي الطريقة التي أصبح يلجأ إليها القضاء مؤخرا، فقد لا حظنا أن الأشخاص يتم القبض عليهم وتوقيفهم خارج القضاء ويتم إطلاقهم خارج القضاء، ويطلب من القضاء عادة أن يصحح الإجراءات إذا كان هناك قرار سياسي بإطلاق سراح أحد المعتقلين، فيتم التوجه للقاضي ويطلب منه أن يحرر أمرا بالإفراج أو أمرا بالحرية المؤقتة كي يكون لأمر شكل يشبه شكل القانون، وهذا ما حدث بخصوص قضية بيرام، وهي نقطة خطيرة حينما يكون القضاء مجرد وسيلة لتصحيح الإجراءات، ومجرد وسيلة لتمرير قرارات السلطة التنفيذية مع إعطائها طابعا أو شكلا شبه قانوني؛ وهذا جرى مع كل الأشخاص الذين تم إطلاق سراحهم مؤقتا بقرار سياسي، كرجال الأعمال والسياسيين وأصحاب الخطوط الجوية الموريتانية، فكل القرارات كانت في البداية قرارات سياسية وكانت في النهاية كذلك، وأصبح دور القاضي هو أخذ قرار بالحرية المؤقتة تنفيذا لآمر السلطة التنفيذية. 

وبخصوص المسار المستقبلي لقضيته فما لوحظ مؤخرا أن الحرية المؤقتة في موريتانيا تساوي الحرية التامة والنهائية، وهذا ما سيحدث مع بيرام؛ لأن من أمر باعتقاله هو من أمر بإطلاق سراحه. وهذا حدث في ملف الطلاب الزنوج مؤخرا؛ حيث تم اتهامهم باتهامات  خطيرة للغاية تصل عقوبتها للإعدام حسب المتابعة التي تقدمت بها النيابة التي وضعتهم في السجن بقرار إيداع و أحالت القضية للمحكمة الجنائية، وبعد ذلك بأيام فإذا بنفس النيابة تتقدم بطلب حرية مؤقتة وتطلق سراحهم، وكانت مبادرة متابعتهم من النيابة كما مبادرة إطلاق سراحهم، وهذا ليس له أي معنى، والحال ذاتها تنطبق على بيرام؛ لأن النيابة هي التي تابعته وبأسلوب غير قانوني وهي التي أطلقت سراحه.

السراح: هل من كلمة أخيرة؟

أحمد سالم ولد بوحبيني: أود أن أقول بأن قطاع العدالة هو قطاع جوهري، وقطاع أساسي ومركزي فيما يتعلق بدولة القانون، ولا يمكن لأية دولة أيا كانت أن تنمو مهما كانت مواردها طالما أن هذا القطاع لم يحصل على ما يستحق من اعتبار، وفي الواقع هذا الاعتبار منعدم اليوم تماما للأسباب التالية:

الأول: هو إرادة سياسية حالية هدفها الواضح هو جعل قطاع العدالة مصلحة من مصالح السلطة التنفيذية.

الثاني: شبه غياب قضاة محترمين يدافعون عن مركزهم ومقتنعين بحريتهم وباستقلاليتهم وبدورهم المركزي وبخضوعهم لسلطة القانون ولا شيء غير سلطة القانون، وفي غياب هذا الجانب نجد أنفسنا أمام قضاة ينسجمون مع ما تمليه السلطة التنفيذية، وبالتالي هم غير جديرين بالاحترام، وشكرا.

السراج: السيد أحمد سالم ولد بوحبيني نقيب الهيئة الوطنية للمحامين شكرا جزيلا لكم.       

ولد بوحبيني: ودادية القضاة إطار لا يليق بقضاة يحترمون أنفسهم

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox