انتصار أم هزيمة ...عماذا سينقشع غبار معركة ’’رأس الماء’
الاثنين, 20 سبتمبر 2010 18:16

أخيرا وضعت معركة الجمعة أوزارها ..وسينسحب طرفا الصراع كل إلى مواقعه القديمة،لن تفكر القاعدة في مغادرة الأراضي المالية حيث لا ملجأ لهم غير’’ صحراء الإسلام’’ كما يسمونها، كما لن يقبل قادة الجيش الموريتاني أن يتسلل الشك إلى نفوس جنودهم، عندما يتساءلون لماذا نقاتل كل مرة داخل الأراضي المالية.غبار معركة الجمعة لا يزال يحجب كثيرا من الحقائق التي وقعت على الأرض والتي لايخدم الإعلان عنها الاستيراتجية العسكرية لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولكن مؤشرات كثيرة تؤكد أن ’’جراح المعركة’’ كانت غائرة جدا وأن الرواية الرسمية لما وقع ربما لا تكون القول الفصل في حرب مفتوحة يخوضها جيش موريتاني لا يعتبر الأقوى بنية ولا تجهيزا بين جيوش المنطقة.

وبحسب رواية أخرى من جهات مطلعة فإن الجيش الموريتاني الذي دخل الأراضي المالية منذ الساعات الأولى لصباح الخميس المنصرم،اعتقل مواطنا ماليا يشتبه في علاقته بتنظيم القاعدة،أخضعه لتحقيق قاس من أجل الحصول على معلومات من الرجل الأزوادي، قبل أن يطلق سراحه ليبدأ الاتصال بمسلحي القاعدة الذين وجدوا الفرصة سانحة لمهاجمة الجيش الموريتاني في قلب الصحراء ..بعيدا عن قواعده وخطوط تموينه.

وبالرغم من التشكيك الموريتاني في هذه الرواية إلا أن الحقيقة الماثلة على الأرض في مالي وفي الصحراء الأزوادية هي أن العسكري الموريتاني  يواجه صعوبات جمة فى أرض كسبت القاعدة ود أهلها وبات كل مقاتل لهم  عنصرا غير مرغوب، ووجه لاعتداء على سيادة مالي ...تلك السيادة التي انهارت تحت ضربات القاعدة.

يضاف إلى ذلك مخاوف السكان المحليين من انتقام القاعدة، إذا ما اشتبهت في أي تعاون لهم مع الجيش الموريتاني، مما يجعل الوشاية بالعساكر الموريتانيين أو تضليلهم ودفعهم إلى موت زؤام في قلب الصحراء أمرا متوقعا وواردا.

- يكشف طول المعركة والتعزيزات المتواصلة التي انتقلت من مناطق تبعد أكثر من 500 كلم عن ميدان القتال لإسناد الجيش الموريتاني،إضافة إلى الإسناد الجوي/ الفرنسي للمقاتلين الموريتانيين عن صعوبة الوضع الذي عاشه الجنود وهم يواجهون الحرب ضد ’’ الإرهابيين’’

- بدأ جليا أن المعركة استنفدت الكثير من الاهتمام الرسمي في موريتانيا،فحينما كان نائب قائد أركان الجيش العقيد محمد ولد محمد الزناكي يقود المواجهة بنفسه داخل الأراضي المالية،وكان جنرال الاحتياط الرئيس محمد ولد عبد العزيز يدير’’ من بعد’’ المعركة من قيادة أركان الجيش الوطني في نواكشوط،وبين القيادتين على أرض أو من بعد وجدت وزار ة الدفاع صعوبة بالغة في مواجهة الصحفيين بحقيقة الانتصار مكتفية ببيان يؤكد ارتفاع قتلى الجيش إلى 6 جنود معززين بتسعة جرحى،فيما أعلنت مقتل 12 من القاعدة

- يفتح عجز الجيش الموريتاني عن الإمساك بأسرى من مسلحي القاعدة الذين ’’أثخن فيهم القتل’’ والعجز أكثر من ذلك عن الاستيلاء على جثث المقتولين أو الاستيلاء على بعض السيارات العشرين التي طوقها ’’ الجيش الموريتاني’’ باب التشكيك واسعا في الرواية الرسمية للجيش الموريتاني...فعن أي انتصار يمكن الحديث في مواجهة بين جيش قوي وبين مجموعات من ’’ الإرهابيين’’ ينتهي بإعلان مبهم عن انتصار وهزيمة وشهداء وقتلى وخسائر دون أن يتم توثيق أي شيء من ذلك.

- يمكن التساؤل بشكل جدي عن جاهزية الجيش الموريتاني على المستوى اللوجيستي والمعنوي لخوض معركة مفتوحة في صحراء تقتل الأمل في الحياة، ولا أحد يصدق أن الجيش الذي وصفه الرئيس ولد عبد العزيز قبل أقل من سنة بأنه ’’ جيش ضعيف وينخر فيه الفساد’’ سيتحول إلى مقاتل مغوار يحقق انتصارات مباغتة في حروب غير محسوبة،أدت إلى نتائج عكسية لعدد من أنظمة الدول المجاورة والمشاركة في مواجهة الإرهاب.

- يمكن اعتبار معركة الجمعة تحولا بارزا في مسيرة المواجهة بين موريتانيا والقاعدة،حيث سيكشف عن قدرات الطرفين ويفتح المجال أكثر للتساؤل عما إذا كان الجيش الموريتاني سيوصل مطاردة القاعدة والتوغل في الأراضي المالية، حيث تبتلعه الصحراء كل مرة دون أن يحقق انتصارا بحجم الزخم الإعلامي الذي واكب العملية وبحجم ’’ القادة’’ الذين يديرون المعركة من بعد أو على أرض الواقع.

- تعيد العملية العسكرية من جديد سؤال العلاقة مع الجارة مالي إلى الواجهة،فلم تعد مالي دولة مستقلة ذات سيادة، تتأثر من انتهاك سيادتها بجيوش جيرانها ،بقدر ما أصبحت مصدر قلق دائم للجيران وللمنطقة بأكملها،ولئن حصدت مالي نتيجة مهادنتها للقاعدة في تجنيب مراكزها الحساسة تبعات التفجيرات والعمليات الانتحارية إلا أنها في المقابل جرت عليها وبالا سياسيا وأمنيا قد لا تتوقف نتائجه عند الإطاحة بالحكومة المالية،عندما تشعر دول الجوار والآباء الأوربيون أن مالي توماني توري باتت جزء من استيراتجية القاعدة وليست زنادا  لمواجهة التنظيم المسلح.

ويمكن القول إن العلاقات الموريتانية المالية مقدمة على الصعيد السياسي على مستوى كبير من التوتر،إذا واصلت باماكو الوفاء للقاعدة بهدنتها غير المعلنة،كما حدث في العملية الأخيرة عندما امتنعت مالي من تزويد الجيش الموريتاني بالوقود حتى لا تصب الزيت على نار متأججة في طول الصحراء الأزوادية.

نحن إذا لحد الآن أمام إخفاق للجيش الموريتاني قد يختلف الجميع في إعطاء ذلك الإخفاق الوصف المناسب وما إذا كان نصف انتصار ونصف هزيمة.

لكنه من دون شك ستستنفد كثيرا من الرصيد السياسي للرئيس محمد ولد عبد العزيز وربما تدفعه إلى مراجعة سياساته الأمنية خصوصا أن ’’معركة الجمعة’’ ستؤكد أن القاعدة ليست مجرد ’’ثلاثمائة رجل يمكن للموريتانيين القضاء عليهم حينما تمدونهم (فرنسا) بالسلاح’’ كما تقدم الدعاية الرسمية في موريتانيا، وكما يقال إن الرئيس الموريتاني قال مباسطا على هامش حفل عشاء فى الإليزيه أثناء القمة الفرنسية الإفريقية.

الرصيد السياسي لن يكون المتضرر الأكثر في موريتانيا،ففي حرب مفتوحة مع القاعدة سيكون الإنفاق أيضا مفتوحا،وفي حالات مثل هذه فإن الاقتصاد الوطني سيكون المتضرر الأكثر...خصوصا أن طبيعة المعركة تتطلب وضعا مناسبا للجنود والسلاح.

على الصعيد السياسي سيجد الرئيس محمد ولد عبد العزيز نفسه أكثر ضعفا أمام الضغوطات الغربية،وبين العصا الفرنسية التي تدفع إلى مواجهات مفتوحة مع القاعدة،والجزرة الإسبانية التي باتت ممولا أساسيا للتنظيمات المسلحة،يصعب على الرئيس ولد عبد العزيز إدارة معركة متكافئة مع الإرهاب،خصوصا إذا ما اعتمد سياسة ’’ الإدارة عن بعد’’ التي واكبت عملية الجمعة.

وفي الصعيد السياسي أيضا قد تدفع هذه العملية النظام إلى مستوى أكبر من الانغلاق على نفسه خصوصا إذا ما أصر على مواصلة الحرب المفتوحة،وبالتالي ستضيق دائرة المشتركات بينه وبين بعض القوى السياسية والاجتماعية لتؤكد أن الجميع يجب أن يكون صوتا من أصوات المعركة وإلا فإن النظام كفيل بإخراسه.

هي إذا خدعة التضحية الوطنية والاصطفاف خلف الجيش الوطني التي تعني بمفهوم النظام الحاكم أن يسير الجميع يمينا ويسارا خلف استيراتيجية عسكرية مترنحة،وأن تظل أصوات المعارضة والموالاة على نسق واحد صدى لصوت المعركة كما يفرض ذلك الحزب الحاكم...وإلا فموريتانيا الأعماق كفيلة بإسكات الجميع.

انتصار أم هزيمة ...عماذا سينقشع غبار معركة ’’رأس الماء’

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox