"امْبود"..وحوار المدن الغريقة
الأربعاء, 16 يوليو 2014 10:41

الشاعر والأديب ادي ولد آدبالشاعر والأديب ادي ولد آدبالسراج - نواكشوط.

"امْبود"..وحوار المدن الغريقة

أدي ولد آدب

امْبُود.. تصْرخُ مُسْتَغِيثَةً:"إنِّي أتَنَفَّسُ تَحْتَ المَاءْ..
إنِّي أغْرَقْ..أغْرَقْ..."
فَتُجِيبُها الطَّيْنْطَان:
إنْ تَغْرَقِي فَقَدْ غَرقَتْ أخْتٌ لَكِ منْ قَبْلُ.
فتَتَنَفَّسُ أنْواكشوط "أمُّ القُرَى" الصّعَدَاءَ، قائلةً:

حَتَّى أنا (العاصمة) لا جَبَلَ آوِي إلَيْهِ، فيَعْصِمُنِي منَ المَاءِ، فأنَا أيْضًا: أتَنَفَّسُ-طِيلَةَ عُمْرِي- فوْقَ المَاءِ، الذِي أسِّسَتْ عَلْيْهِ، وَإزَاءَ المَاءِ الذِي يُتَرَبَّصُ بِي لابْتِلاعِي، مَتَى ضَرَبَ اتْسُونَامِي شَواطِئَ هذا المُحيط الأطلسي، الذِي أجْثُو فِي مُنْخَفَضٍ خَطِيرٍ عَلى سَاحِلِه، وأتَنَفَّسُ تَحْتَ المَاءِ، كلَّ خَريفٍ فِيهِ"يُغَاثُ" النَّاسُ، وفيهِ "يعْصرون"، فأنَا التي أغْرَق – حَقًّا- أغْرَق..أغْرَق...
فتَرُدُّ المُدُنُ الغَريقةُ: "إذَا ضُرِبَ الإمَامُ، خافَ المُؤذِّنُ"،وأيْنَ الحُكْمُ الرَّشِيدُ؟
فتتدَخَّلُ الحُكُومَةُ: نحْنُ مُتَأكِّدُونَ أنَّ الأصْواتَ التِي تَجْأرُ بالشَّكْوَى منَ الغَرَقِ هي أصْواتُ المُعَارَضَةِ المُغْرِضَةِ، بدَليلِ أنَّ مَنْطِقَ الأشْيَاءِ يُثْبِتُ أنَّ مَنْ"ألْجَمَهُ الغَرَقُ" لا يَنْظِقُ،حَسَبَ "قَانُونِ الضَّفَادِعُ":
قَالتِ الضِّفْدَعُ قَوْلاً
صَدَّقَـتْـهُ الحُكَمَا:
فِي فَمِي مَاءٌ.. وهَلْ يَنْـ
طِقُ مَنْ فِي فِيهِ مَا؟َ!
ثُمَّ إنَّ هذه المُدُنَ الغَريقَةَ يَنْبَغِي أنْ تَفْهَمَ أنَّ "السَّحَابَ لا تُفْسِدُ إلاَّ مَا أصْلَحَتْ"،كمَا تقولُ حِكْمَةُ "أهْلِ المُزْنِ" منَ البَدْوِ، فكَمْ منْ مِحْنَةٍ فِي طَيِّهَا مِنْحَةٌ، ونَحْنُ-لِسعَةِ اطِّلاَعِنَا عَلَى الحَضَاراتِ العَالِمية- نُدْركُ أنَّ هذه المُدُنَ الغريقةَ أصْبَحَتْ أخَوَاتٍ لِمَدينةِ "البُنْدُقِيةِ" الإيطاليةِ العَائِمَةِ السِّياحِيَّةِ الجَذَّابَة،فنحْنُ الآن نُفَكِّرُ فِي "برْنامجٍ اسْتِعْجَالِي"، لِتَزْويدِ كُلِّ مَدينةٍ تَغْرَقُ-بَدَلَ الغِذَاءِ والغِطَاءِ والوِطَاءِ والدَّوَاءِ- بِزَوارِقَ نَقْلٍ دَاخِلي، تتَجَوَّلُ بالمُواطنينَ، عبْرَ شوارعِها المُغْرَقَةِ، وَلرُبَّمَا تُصْبِحُ "مَصَائِدَ لِلسَّمَكِ"، ولو "سَمَك إبْريل"، وإلا فستكونُ-بِدون شَكِّ- مَواقعَ ذاتَ جَذْبٍ سِياسِي، أكثر منْه سِياحي،"للصَّيْدِ في المِيَّاهِ العَكِرَةِ".
وأخيرًا، تتدَخَّلُ المُعَارَضَةُ- المُقَاطِعَةُ- للمُشاركَةِ في هذا الحِوَارِ، نَافِيةً عنْ نَفْسِهَا الشُّبَهَ التِي رَمَتْهَا بها الحُكُومَةُ، حَوْلَ غَرَقِ هذه المُدُنِ:
لا تَبْتَئِسِي أيُّهَا المُدُنُ، فالوَطَنُ كُلُّهُ مُغْرَقٌ، لا يُوجَدُ فيه "صَرْفٌ"، ولاَ"عَدْلٌ"، ومَاحَالُهُ -مع مُغْرِقِه- إلاَّ كَمَنْ:
ألْقَاهُ فِي الْيَمِّ مَكْتُوفًا وقَالَ لَهُ:
إيَّاكَ..إيَّاكَ..أنْ تَبْتَلَّ بالمَاءِ
وكأنَّنَا بهِ يَقُولُ –رَغْمَ أنَّ فِي فَمِهِ مَاءً-:
"أنَا الغَريقُ..فمَا خَوْفِي مِنَ البَلَلِ؟!"
فيا ترَى مَنْ يُنْجِينِي وَلوْبِبَدَنِي؟!

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox