موريتانيا والمغرب .هل يعود الدفء بعد سنوات التوتر (تحليل)
الثلاثاء, 28 أكتوبر 2014 13:38

تدخل العلاقات الموريتانية المغربية سنتها الثالثة من التأرجح لاهي استقرت على حال ثابت ولاهي تقدمت نحو الأحسن، كما أنها لم تصل بعد إلى الدرجة الأسوأ وهي تبادل التصريحات العدائية أو قطع العلاقات.

 

حراك جديد..

 

أخذت العلاقات الموريتانية المغربية حراكا سياسيا جديدا، خلال الأسابيع الماضية حيث أدى وفد أمني رفيع بقيادة وزير الداخلية الموريتاني محمد  ولد محمد راراه زيارة إلى المغرب رفقة المدير المساعد للأمن الوطني، كما أدى وفد أيضا من وزارة العدل زيارة مماثلة إلى موريتانيا أعقبتها زيارة وزير الخارجية المغربي إلى نواكشوط، مثيرا بذلك أسئلة كثيرة حول راهن العلاقات الموريتانية المغربية ومستقبلها.

 

 

علاقات بين التاريخ والجغرافيا..

 

تأخذ العلاقات الموريتانية المغربية أبعادا عميقة وتترسخ زمنيا، حيث أن هذه العلاقات بمفهومها السياسي كانت سابقة جدا على ميلاد الدولة، وظل المغرب خلال قرون يستقبل النخبة الموريتانية، كما مثل المغرب منذ قرون طويلة إسنادا مهما للإمارات الناشئة في موريتانيا، فأمير الترارزة اعل شنطورة لم يجد سندا لتثبيث حكمه غير الاستنجاد بالسلطان المغربي الذي ساعده بجيش صخم عرف باسم المحلة، وقد انتشر أبناء ذلك الجيش في النسيج الاجتماعي الموريتاني والسنغالي، كما أن أمير لبراكنة أحمدو ولد سيدي اعل لجأ إلى المغرب بعد دخول الاستعمار الفرنسي.

كما سبق أن أدت وفود قبلية موريتانية كثيرة البيعة للسلاطين المغاربة  خلال بدايات العقد المنصرم.

أما زيارات العلماء الموريتانيين والوجهاء والشعراء وارتباطهم بالعرش المغربي فهي أكبر من أن يمثل عليها بدليل.

لكن العلاقة سرعان ما أخذت بعدا جديدا مع حصول موريتانيا على الاستقلال ووقوف المغرب ضد هذا الاستقلال واعتبارها موريتانيا جزءا من أراضيها، وقد استطاعت المغرب أن تستقطب بعض أعضاء حكومة المختار ولد داداه رحمه الله لصالحها (محمد المختار ولد أباه، الأمير محمد فال ولد عمير، الدي ولد سيدي بابا أول رئيس للبرلمان المغربي)

كما دعم المغرب وسلح جيش التحرير الذي أنشأه السياسي الموريتاني أحمدو ولد حرمة ونفذ عدة عمليات عسكرية في موريتانيا من بينها حادثة اغتيال عمدة أطار (ولد عبيد) سنة 1960، وحادثة اعمارة النعمة سنة 1961.

قبل أن تعود العلاقة من جديد إلى  مستوى إيجابي بعد اعتراف المغرب بموريتانيا بداية السبعينيات، ولاحقا انحياز موريتانيا إلى الموقف المغربي ضد جبهة البوليساريو، الذي كان بداية النهاية لنظام الرئيس المختار ولد داداه.

ومع وصول العسكر إلى السلطة من جديد، عاد التوتر بين موريتانيا والمغرب بشكل كبير، حيث رعت المغرب المحاولة الانقلابية التي نفذها الضباط (عبد القادر كادير، أحمد سالم سيدي، مصطفى انينغ، إضافة إلى جناح مدني من اليسار الموريتاني) سنة 1981، وظلت المغرب تعبر عن عدائها الصريح للرئيس الموريتاني الأسبق محمد خونه ولد هيدالة، وتسعى للإطاحة بنظامه حتى تمكنت من ذلك بالتعاون مع النظام الفرنسي في 12/12/1964.

ويبدو أن العلاقة أيضا بين النظام الموريتاني الجديد والمغرب ساءت من جديد منتصف السبعينيات، وذلك على إثر مستوى من التقارب بين موريتانيا والجزائر، وبموجبه استطاعت الجزائر أن تسهم في كشف محاولة انقلابية زنجية ضد نظام ولد الطايع.

ويتهم ولد الطايع (نقلا عن أحد وزرائه) المغرب بالتسبب في الأزمة الموريتانية السنغالية سنوات (1989-1991) انتقاما من بعض المواقف الإقليمية لولد الطايع.

وظلت العلاقة بين النظامين تشهد مدا وجزرا متبادلا، قبل الانقلاب العسكري في 2005 والذي باركته المغرب على كل حال، قبل أن تكون أهم داعمي الانقلاب العسكري اللاحق في 2008.

وتعززت العلاقة بسرعة بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز والعرش المغربي لأسباب كثيرة من بينها الاجتماعي والسياسي إضافة إلى مصالح العرش المغربي في إزاحة نظام سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي كان " ديقمراطيا ومؤسسيا أكثر من اللازم".

وقد كان الدور المغربي بجانب الدور الفرنسي أهم أساس اعتمد عليه الانقلاب العسكري في فترته الأولى، لكن عجز المغرب عن تحييد الاتحاد الإفريقي أو تليين مواقفه تجاه انقلاب ولد عبد العزيز في 2008 دفعه إلى التوجه إلى الجزائر وليبيا الغريمين التقلديين للمغرب وهو ما كان المسمار الأكثر خشونة في جسم العلاقة بين الطرفين.

التقارب الموريتاني –الجزائري على حساب المغرب..

 

رفضت موريتانيا عرضا من المملكة المغربية بإقامة قنصلية في مدينة لعيون الصحراوية، ورغم أن هذا الرفض متفهم جدا بسبب حساسية المدينة، وباعتباره خروجا قويا على ما تعتبره موريتانيا الحياد الإيجابي من النزاع المغربي الصحراوي إلا أنه قوبل بغضب شديد من المغرب وفي المقابل أيضا وسعت موريتانيا دائرة علاقاتها مع الجزائر بشكل متزايد، وبشكل أعمق من حركة البوليساريو الحاكمة في الصحراء، واستقبل الرئيس محمد ولد عبد العزيز مسؤولين صحراويين عدة مرات، كما تعزز التقارب الموريتاني الصحراوي بتعيين الرئيس السابق لموريتانيا محمد خونه ولد هيداله ذي الأصول الصحراوية والعلاقات الجزائرية الوطيدة مستشارا في القصر الرئاسي.

مؤشرات الأزمة..

 

بدأت مؤشرات التوتر في العلاقة بين البلدين تبرز للعيان، بعد طرد موريتانيا لمراسل وكالة الأنباء المغربية عبد الحفيظ البقالي في ديسمبر في 2011 واتهمت الخارجية الموريتانية البقالي بأنه يمارس أدوارا خارجة عن مهام الإعلامي.

وكانت السلطات الموريتانية قد رصدت لقاءات نظمها البقالي مع عدد من الإعلاميين الموريتانيين وهو ما اعتبرته نواكشوط تهديدا جديا.

ولقد ردت الوكالة المغربية للأنباء بغضب على طرد مراسلها ووعدت بأنه لن يمر بدون متابعة.

وتفاقمت الأزمة لاحقا بين النظامين وبرزت أزمة تسجيل الطلاب الموريتانيين في المغرب ورفض المغرب تسجيل 150 طالبا موريتانيا، عبر الحصة الرسمية مع السماح بتسجيل عشرات آخرين عبر بوابات غير رسمية (مشايخ، وقوى سياسية  العلاقات الثنائية والحزبية).

 

ازداد الموقف حدة مع رفض موريتانيا أيضا علاج الرئيس محمد ولد عبد العزيز إثر إصابته الغامضة على نفقة المملكة المغربية وفي مستشفياتها، ورفضت نواكشوط عرضا من الملك المغربي نقله سفيره في نواكشوط إلى الحكومة الموريتانية (كان شبح علاج داديس كاميرا في المغرب حاضرا في الأذهان، إضافة إلى التوتر بين البلدين.

ينضاف إلى ذلك أيضا أزمة التآشر بين موريتانيا والمغرب وهي أزمة قوية ومتفاقمة، وتعطل أيضا عمل قنصلية المغرب في مدينة نواذيبو.

 

ومن جانب المغرب..

فإن الرباط تعاملت بقسوة مع بعض المقربين من الرئيس محمد ولد عبد العزيز وخصوصا أولئك المتخصصين في نقل الأموال وتهريبها، وتتحدث المصادر عن توقيف نائب موريتاني من أقارب الرئيس ولد عبد العزيز في  المغرب بتهمة الإضرار بالاقتصاد المغربي وذلك من خلال إدخال مبالغ كبيرة من العملة الصعبة بطريقة غير شرعية، وقد ضغطت الحكومة الموريتانية حتى تم الإفراج عن النائب المذكور..

-   أزمة بوعماتو : ينضاف إلى ذلك إيواء المغرب لأشرس وأهم معارضي الرئيس محمد ولد عبد العزيز ويتعلق الأمر برجل الأعمال الثري محمد ولد بوعماتو.

 

لقد أصدر بوعماتو بيانا حاد اللهجة هدد فيه ابن عمه الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعد قيام هذا الأخير بإغلاق بنك خصوصي تابع لولد بوعماتو.

 

وتعززت علاقات بوعماتو بالمغرب حيث نقل إليها عددا من استثماراته التجارية، وكان آخرها تعاقد الخطوط الجوية المغربية مع شركة آكشار المملوكة لولد بوعماتو من أجل تزويد رحلاتها بالماء.

 

 

 

وإلى جانب بوعماتو يستضيف المغرب المعارض الشرس المصطفى ولد الإمام الشافعي أحد أبرز خصوم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ومن المؤكد أن المغرب سيستفيد جدا من علاقات ولد الشافعي مع أطراف الصراع المسلح في مالي إضافة إلى علاقاته الوطيدة مع عدد من الرؤساء وقادة التأثير في إفريقيا.

-   توشيح نقيب المحامين : احتفت المغرب بنقيب المحامين الموريتانيين السابق أحمد سالم ولد بوحبيني المعروف بعدائه الراسخ للرئيس محمد ولد عبد العزيز مثل هو الآخر عنوان أزمة كبيرة بين البلدين.

 

-   المنافسة الموريتانية القوية على مقعد إفريقيا بمجلس الأمن : ورغم أن موريتانيا خسرت المقعد إلا أن المغرب رأت أن الجزائر كانت أبرز داعم لموريتانيا في هذا الصدد وأضاف هذا عامل تعقيد جديد في العلاقات.

 

أما على الصعيد الشعبي والإعلامي فقد عادت إلى الواجهة الهجومات المتكررة للإعلام المغربي على موريتانيا والقول إن موريتانيا جزء من المغرب.

 

وفي ذات السياق تعززت العلاقة بين موريتانيا والجزائر على المستوى الاقتصادي والتعاون السياسي وكثر التبادل والتعاون الأمني (آخرها زيارة مدير الأمن الموريتاني للجزائر قبل شهرين، ووجود بعثة عسكرية للتدريب في الجزائر.

وفي المقابل تعطلت الأشغال بشكل شبه دائم بين اللجان المشتركة، كما تعطلت أشغال اللجنة العليا المشتركة بين البلدين منذ سنتين.

 

أوراق الضغط..

 

يمكن القول إن المغرب لن تفرط في موريتانيا التي تمثل خاصرتها الجنوبية، كما هو أكيد أن موقف موريتانيا سيكون صعبا في التوازن في العلاقات بين جزائر يحكمها العسكر ومغرب أغضبته لحد الآن.

كما أن دور موريتانيا ومكانتها ومستوى القوة السياسية والعسكرية التي تمثلها اليوم سيجعل البلدين مرغمين على استمرار التنافس ولكن التفكير بجدية فيمن يكسب قلب نواكشوط

ويمكن القول إن موريتانيا لا تملك ورقة ضغط كبيرة على المغرب باستثناء ورقة الموقف من الصحراء الغربية، وهي ورقة قوية ومؤثرة، وخصوصا إذا لجأت موريتانيا إلى إعادة اكتشاف الصحراء من جديد وخصوصا في مجالات التنقيب والاستثمار التجاري.

أما المغرب فتملك في موريتانيا أوراق ضغط كبيرة أبرزها

-   العلاقات الاجتماعية الوطيدة جدا مع عدد كبير من مراكز الثقل والنفوذ الاجتماعي بطوائفه المختلفة

 

-   الثقل الروحي الذي تمثله المغرب باعتبارها مركزا للتيجانية ويعتبر ملف التيجانية ملفا رسميا لدى العرش المغربي؟

-   التأثير في دول الجوار : تملك المغرب ملف ضغط قوي على موريتانيا من خلال مواقف السنغال ومالي المجاورتين لها، وهما دولتان ضبطتا منذ سنوات طويلة كثيرا من مواقفها على إيقاع المؤشر المغربي

-         ينضاف إلى ذلك أن أجزاء كبيرة من موريتانيا تعتمد على التبادل التجاري مع المغرب

-   ويبقى المغرب أيضا أهم دولة تستقبل الطلاب الموريتانيين وهو ما يعني أن ولاء أعداد كبيرة من هؤلاء سيظل باقيا للمغرب سياسيا أو ثقافيا

 

 

إلى أين تتجه الأمور

يمكن الجزم بأن العلاقات الموريتانية عصية على التوتر، وتملك من معطيات التاريخ وضرورات الواقع ما يجعلها قادرة على تجاوز أزماتها، كما يمكن الجزم أيضا بأن وجود البلدين ضمن محور دولي كبير،يجعل تلك العلاقة قابلة لمزيد من التحسن مستقبلا، وتبقى ملف الجزائر والصحراء أهم نقطة ضعف ستؤثر بشكل سلبي على العلاقة بين جاري الشمال

 

 

  موريتانيا والمغرب .هل يعود الدفء بعد سنوات التوتر (تحليل)

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox