بليز..يوم أخفق الوسيط في ترتيب بيته الداخلي(السراج) |
الجمعة, 31 أكتوبر 2014 13:21 |
كان بليز كومباوري يعتبر لوقت قريب عميد زعماء منطقة غرب إفريقيا (ربع قرن من الزمن في السلطة)و امتلك الرجل على مدار الأعوام الأخيرة رصيدا كبيرا في إدارة الأزمات بالمنطقة أهله أن يقود تسوية ملفات صعبة و حساسة. فقد كان الرجل هو من أطفأ الأزمة بساحل العاج بعد سنوات من القلاقل الأمنية و السياسية بهذا البلد الغرب أفريقي، كما ساهم في احتواء الأزمة الغينية التي نشبت بعد محالة اغتيال الزعيم الانقلابي السابق النقيب موسي دادايس كمارا سنة 2009، و وفر مخرج للأخير و أواه في بلده. و أمسك الرجل بالكثير من تفاصيل خيوط اللعبة الأمنية بغرب إفريقيا من خلال ما يُشاع عن علاقاته الوثيقة بالحركات الانفصالية و المتمردة و قوي زرع القلاقل. لكن نقطة ضعف الرجل الرئيسية تكمن في كونه لم يوظف و لو لمرة قدراته في "فن التصالح و الوساطة" مع شعبه، فقد ظل بليز(63 عام)- الذي لعب دورا بارزا في تحرير العديد من الرهائن الغربيين الذين اختطفتهم قاعدة المغرب الإسلامي، و الذي كان يُحظي بتقدير كبير من قبل زعامات الطوارق السياسية- يتجاهل مطالب التغيير التي لم تقتصر على نداءات الشعب و القوى السياسية المعارضة في السنوات الأخيرة بل طالت المؤسسة العسكرية التي شهدت حركات تمرد كان جزء منها في قلب الحرس الرئاسي.
و بعيدا عن الاستجابة لمطالب التغيير و دعوات الإصلاح، عمد الرجل إلى تثبيت أركانه و تعزيز نفوذه مدفوعا بالمكابرة و الغرور من خلال خلق أزمة دستورية بالبلاد تضاف إلى مسلسل الأزمات الذي تترنح فيه البلاد المأزومة سياسيا و المنهكة اقتصاديا، و ذلك من أجل فرض نفسه "قائدا أوحد و زعيما مخلدا". كان بليز يرى أن أوراق اللعبة قد حسمت لصالحه من خلال إعادة ترتيب المؤسسة العسكرية على نمطه و مقاسه و وضع رجالاته الخُلص في المواقع الحساسة، كما كان يراهن على أن قوميته "موسيي"التي تعتبر القومية الأكثر ديمغرافيا بالبلاد لن تسلمه و لن تخذله إن هو همٌ ببناء مجد مخلد لها.
لم يكن الرجل يدرك أن موجة غضب الشعوب المستكينة إذا أزفت كفيلة بوضع نهاية أحلام و طموحات المستبدين، يومان اثنان فقط عاشتها البلاد أيقن ابليز أن وقع في فوهة بركان حمم الغضب الشعبي، حيث خرجت مئات الآلاف من المواطنين في جموع البلاد رفضا لتعديل المادة 37 من الدستور التي ترفض بقاء بليز حاكما مؤبدا.
المفارقة في نهاية بليز هي كونها جاءت على أيدي رفاق وَثق بهم الرجل على مدار الأعوام الأخيرة، و هو الشيء ذاته الذي فعله ابليز مع رفيقه الثائر توماس سانكري الذي تخلص منه قتلا ليستولي على السلطة من بعده، لكن المفارقة الأهم في سقوط ابليز هي أنه تأتي فقط بعد 15 يوم من تخليد البركينابيين للذكري 27 لرحيل سانكري، و كأن هذه الذكرى- التي مر تخليدها كالعادة بشكل باهت في البلاد- نفثت نفسا سحريا ثوريا في نفوس البركينابيين لم تتمكن قرون استشعار أجهزة المخابرات من رصده، حتى تُوفر على الرجل عناء اللتلفظ بأول عبارة ينبس بها بعد إعلان الجيش السيطرة على البلاد "لقد سمعت الرسالة، لقد فهمتها و أخذت الإجراء الملائم للتطلعات القوية للتغيير". |