عاشوراء في موريتانيا دعوة للبذل والعطاء وتراث من الطقوس الغريبة والطريفة
الثلاثاء, 04 نوفمبر 2014 08:45

عاشوراء عاشوراء  تطل ذكرى العاشر من محرم أو يوم عاشوراء والذي يحتفى به المسلمون بالصيام وغيره من الطاعات وأعمال البر ، وبعد أيام من عاشوراء ستتحل ذكرى أخرى قد تكون أدنى ألقا وأقل حضورا لكنها في المخيال الشعبي يعد الاحتفاء بها عادة متجذرة يحمل الكثير من رموز البذل والعطاء والتكافل الاجتماعي إنه يوم "حلِّ الصرر" أو حلول السرور والذي يوافق 14 من أول شهر ميلادي ..


ولئن جسد "عاشوراء الكثير من مظاهر الوحدة الاسلامية حيث يحتفي به الشيعة والسنة على حد سواء فإن الأمر لا يختلف كثيرا على المستوى الوطني حيث تتفق كل مكونات المجتمع الموريتاني على الاحتفاء بعاشوراء وإفراده بممارسات اجتماعية ضاربة في جذور التاريخ...فما مظاهر الاحتفاء الخاصة بهاتين المناسبتين؟ وما جذورها في المجتمع الموريتاني؟ وتأثيرات الوسط الاجتماعي على تقاليد الاحتفاء؟ وما الاشباعات التي يحققها هذا النوع من الممارسات الاجتماعية؟ أسئلة نسعى للإجابة عليها في المعالجة التالية:



حلول السرور


يصعب التكهن بتحديد بدايات الاحتفال باليوم الرابع عشر من أول شهر في السنة الميلادية وحتى بخلفية العمل بهذا التقويم الزمني لدى الموريتانيين والذي يختلف عن التقويمين الهجري والميلادي، ولا يتردد البعض في إطلاق بدء "سنة المسلمين" على هذا التقويم لكن الأكيد أن الاحتفاء بهذا اليوم موغل في القدم، وشائع بين القرويين وسكان الريف في مناطق من الداخل، بل إن العادة أخذت طريقها إلى نواكشوط بعدما نقلها السكان معهم ضمن تقاليد وعادات مجتمع البادية التي لا زال البعض يحافظ عليها رغم طول العهد وبعد الشقة.. وحسب مهتم بهذا النوع من الممارسات الاجتماعية فإن اسم "حل الصرر" الذي يطلقه البعض على هذه الممارسة: لفظ ملحون إما من "حل السرور" أي الفرح بحلول هذا اليوم أو :"حل الصرة" أي أن أوعية ومستودعات النفقة تفتح في هذا اليوم وتخرج منها الهبات والصدقات فيما يشبه تبادلا للمنافع وأعمال البر بين الأقارب والجيران الذين عادة ما يقطنون في حي واحد.


عيد "البذل والعطاء"


ورغم تحديد الإطار الزمني لهذه العادة من طلوع فجر الرابع عشر وحتى وقت الظهيرة فليس هناك نصاب معين ولا أصناف محددة يجري تبادلها فمن رزم الحبوب والسكر وحتى الألبان أو النقود..وعلى غرار الأعياد الأخرى فإن أكثر المحتفين بهذه المناسبة هم الأطفال الذين تسند لهم في الغالب مهام جلب وتوزيع المنافع العينية بين منازل القرية أو الحي مقابل ما يظفرون به من هبات وعطايا.

ولا تتعدى مراسيم الاحتفاء تبادل المنافع حيث لا يعطل التدريس في هذا اليوم أسوة بالأعياد ولا يدعي الناس للخروج في ملابس خاصة ولا لممارسة أي مظاهر أخرى للاحتفال من أناشيد وضرب للدفوف..الخ.

والاحتفالية في إطارها الاجتماعي تكافل وتعاون على البر،وفسحة وخروج عن المألوف في مجتمع بدوي عادة ما يكون في حاجة إلى هذا النوع من الممارسات لإظهار الوحدة وفرض الولاء وللتخفيف من حدة التفاوت الطبقي والاجتماعي بين الأفراد.لكن مظاهر التكافل التي يحفل بها هذا النوع من المناسبات قد وجدت طريقها إلى الاختفاء والتلاشي في مجتمع المدينة بسبب استشراء النظرة المادية والنزعة الفردية المتأصلة والحواجز النفسية والمادية المصطنعة بين الأفراد والأسر..حيث لم يعد الكثيرون في المدن الكبرى يمارسون هذه الطقوس  ويكاد تاريخها أن يسقط من أذهان الناس.

عاشوراء:معان ودلالات..

أما عاشوراء فمن الوقفات والمواسم الدينية التي يتم الاحتفاء بها على نطاق واسع باعتباره -كما في الحديث -"اليوم الذي نجى فيه الله نبيه موسى عليه السلام من الغرق بعدما قال له أصحابه إنا لمدركون.." وقد حض الإسلام على صيام يومه، ورغب في الطاعات من بر وإحسان وصدقة وأمر بمعروف وإصلاح بين الناس وإحياء لسنن الفطرة ...الخ.ويحتل عاشوراء في الوجدان الشعبي مكانة خاصة تفصح عن جذور راسخة للتعلق بآل البيت بقدر بما تكشف عن ثراء الثقافة الوطنية وتعدد روافدها.وعن عادات "الولف" في عاشوراء يقول الصحفي مصطفى لو :إن احتفالات عاشوراء تسمى ب"تامخريت" وتقضي بإعداد وجبات خاصة وبارتداء ملابس وأزياء وسط مظاهر فرح عارمة وأناشيد المديح والمواويل.وتستقي عادة "تامخريت" شهرتها من خلال وجبات الكسكس التي يحرص الجميع على التضلع منها تفاؤلا وجلبا لرزق أفضل في باقي أيام السنة، كما أن من مظاهرها المميزة خروج الأطفال إلى الشوارع وهم ينشدون المدائح على وقع كل ما طالته أيديهم من أوان معدنية، لكن احتفالية عاشوراء -والقول لمصطفى لو: "لم تسلم من الاسطورة وبعض رواسب الوثنية وذلك حين يكتحل المحتفون بعاشوراء وينظرون إلى القمر حتى يتمكنوا من رؤية فاطمة الزهراء على صفحته!!في المقابل يفتح الاحتفال بعاشوراء أبوابا واسعة لعمل الطاعات وأعمال البر من زيارة للايتام ومسح على رؤوسهم وعيادة للمرضى وتقليم للأظافر الذي هو من سنن الفطرة"..


وجبة "عاشوراء"


وتتحمل نساء "الولف" مهام مضاعفة في احتفالات"تامخريت" من خلال إعداد وجبة عاشوراء "TIERE" المصنوعة من الكسكس الممزوج بحبات العنب وصلصة الطماطم واللحم حيث يكون تحضير هذه الوجبة في وقت مبكر وبكميات كبيرة حتى توزع على الجيران والمعارف والأصدقاء، ولهذه المائدة طقوس خاصة كأن تتحلق حولها العائلة داخل منزل الأسرة، ويكفأ إناء المائدة ويحرك بشكل خاص جلبا للحظ وطردا للنحس، من الممارسة الغربية كذلك ليلة عاشوراء أن تبيت لقمة من المائدة فوق إناء مكفإ ليفرغ عليها بعض الماء في الصباح وتمزج بخاتم من الفضة وبحجارة سوادء ليدهن كل أفرد الأسرة وجوههم بهذا الخليط المفيد - حسب التقاليد - في الوقاية من الرمد طيلة أيام العام الجديد.أما الأطفال فيخرجون ليلة عاشوراء في أثواب تنكرية يذرعون الشوارع منشدين المدائح ومستجدين "صدقة عاشوراء".
كما يخرج الرجال في زي نساء والنساء في زي رجال مع بعض الألوان الملاحظة على الأوجه مع ترديد أغاني وأناشيد دينية.
ويرى الباحث عبد الله ممدوبا أن الهدف من هذه العادة هو طرد الشيطان الذي يمثله هذا الزي المتنكر فيه مضيفا أن الفكرة تقوم على أساسين طرد الشيطان وإشاعة البذل والخير بين الناس من خلال العطاء عن طيب نفس وربما في بعض الأحايين يكون عن غيرها تبعا لعادة ليلة عاشوراء " ما أخذته لك ".
إن تنقية هذه الاحتفالية من شوائب البدعة والمحظورات الشرعية كالقول بعدم حرمة السرقة ليلة عاشوراء أو تنكر الرجال في ثياب النساء أو العكس كل ذلك يغدو مطلبا ملحا وأمرا ضروريا حتى تكون وقفة عاشوراء فرصة حقيقة لزيادة التكافل وتدعيم علاقات المودة بين الأفراد وتعزيز التواصل الاجتماعي.

وخلاصة القول إن احتفالية عاشوراء كغيرها من وقفات يحتفى بها على مدار العام تحمل معاني عديدة فهي فضاء للتكافل الاجتماعي والتواصل وصلة الأرحام وكسر للرتابة والركود، كما أنها توسع باللهو المباح ومظهر للوحدة والتلاحم بين مختلف مكونات المجتمع لكن كل ذلك شريطة التقييد بتعاليم الشرع وضوابط الأخلاق من مراعاة للاعتدال وإعلان للقطيعة التامة مع كل رواسب الجاهلية ونوازع الأهواء والأنفس.

 

عاشوراء في موريتانيا دعوة للبذل والعطاء وتراث من الطقوس الغريبة  والطريفة

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox