الطاهر بن احميدلِّ..قصة برائحة"المشوي" |
الثلاثاء, 28 سبتمبر 2010 18:47 |
"كان الزبناء الأوائل يسألون عن"المشوي" الجيد ولا يناقشون الثمن، أما اليوم فقد جاء زمن يفضل الناس فيه الثمن القليل على حساب الجودة"..هكذا يقول "الشواي"أو"الشواط"الطاهر بن احميدلي وهو يحكي بداية رحلته مع مهنة"شي اللحم" التي مارسها منذ 45 سنة.. وأصبح أشهر "شواط"على طريق الأمل.. فاسمه يتردد في أطراف مجالس ساسة موريتانيا الأوائل..وفي حكايات قدماء متقاعدي سائقي السيارات..فكل أولئك له مع محل الطاهر قصة غداء أو عشاء لذيذ. "مشوي الطاهر"و"شي الطاهر"و"مطعم الطاهر"..كلمات تسمعها لدى السائقين والراكبين كلما سلكوا طريق الأمل وتذاكروا محطة استراحة ينفضون فيها وعثاء الطريق وسغب السفر الطويل. شهرة قادتنا إليه في مطعمه بمدينة"ألاك"..مطعم عمره 29سنة..فقد أنشأه الطاهر قفوله من نواكشوط "بعد ثلاث سنوات من الانقلاب على الرئيس المختار بن داداه"..هكذا يقول الطاهر فهو يؤرخ بالأحداث لا بالسنوات. حين تسأله عن بعض تفاصيل تلك الرحلة التي اغترب فيها 18سنة دون أن يرجع إلى ملاعب صباه"ألاك"..يغيب عدة ثوان كأنه يبحث في إرشيف كثير غير مرتب..لكنه حين يمسك بخيط الذاكرة تأخذه نشوة ترغمه على استطراد التفاصيل بحنين ممتع. بداية المشوارخرج مغاضبا أهله المقيمين في مدينة ألاك متجها إلى نواكشوط عام 1963 أو"سنة استقلال موريتانيا الثالث" كما يسميها هو، ركب عزمه واستقل شاحنة بأجرة زهيدة لم يعد يتذكر قيمتها بالضبط لكنه يتذكر وعورة الطريق الذي سلكته تلك الشاحنة..كان ذلك قبل إنشاء طريق الأمل. يقول الطاهر عملت بداية مجيئي لانواكشوط في شاحنات نقل التراب والحجارة..حصلت على رأس مال فأصبحت جزارا ثم عملت مع"مبارك الشلحي" في مهنة"شي اللحم"..عرفت خلالها الكثير عن هذه المهنة..حملت عشقها من تلك الأيام. العودة لـ"ألاك"يصمت الطاهر طويلا ثم يقول ببراءة"سبحان الله"..قررت أن أرجع لوالدتي في ألاك بعد ما يقارب عشرين سنة بقرار مفاجئ..كان ذلك ثاني أيام رمضان"بعد سنتين من الانقلاب على ولد داداه"..ما يزال الطاهر يؤرخ بالأحداث..يتابع الطاهر قائلا"خرجت كالعادة لأداء عملي، فجاءني خاطر بالعودة لـ"ألاك"..لوالدتي..رجعت مساء لزوجتي وأخبرتها وقررنا السفر.."..بدأت ببناء عريش في مدخل المدينة جعلته مطعما لبيع"المشوي". سر التميز
مسابقة في الشيسألنا الطاهر هل وجد أمامه في ألاك طهاة آخرين؟ فقال:نعم وجدت هنا طاهيين رحمهما الله هما ديده والمختار بن أنولي..كان لكل منهما "فور"لشي اللحم..استطعت في الأخير أن أفوقهما في الشهرة والخبرة.كانت هناك مسابقة قام بها بعض أعيان المنطقة بيني والمختار بن أنولي رحمه الله..جاء القوم بشاتين..أعطوني واحدة لأشويها وأعطوا المختار الثانية..طلبوا مني أن أشويها على "الكرياج" دون أن أقطعها لأنها مملوءة بالكسكس والتوابل..لم أكن جربت هذه الطريقة من قبل..كنت أعرف الطريقة العادية..أن أقطع اللحم وأشويه إربا... إربا..وافقت وبدأت في العملية..نجحت في طهيها كاملة بنفس الطريقة..كان طهيي أشهى..فأحرزت الشهرة والزبائن. الحرص على الجودةكان الطاهر يكرر أثناء حديثة مفردة(نصح اللحم)..تعني هذه المفردة عند الطاهر الحرص على إتقان المهمة بدءا باختيار الشياه السمينة ومرورا بإنضاج اللحم شيا دون أن تظهر عليه آثار حرق النار ولا رائحة الدخان..لذلك ـ يقول الطاهرـ كنت حينما تقل الغنم وتهزل في فصل الصيف أتبع الرعاة بعيدا لأشتري الغنم السمان. "المشوي" بين عهدينمن الأمور التي تسكن الطاهر عقدتها في رحلته مع"المشوي"..الفوارق بين زبناء الأمس وزبناء اليوم، يقول الطاهر""كان الزبناء الأوائل يسألون عن"المشوي" الجيد ولا يناقشون الثمن، أما اليوم فقد جاء زمن يفضل الناس فيه الثمن القليل على حساب الجودة، وأنا لا أعرف "اتفلفيش" أي عدم الإتقان"، ثم إن خمسة شياه كنت أشويها يوميا في ذلك العهد لا تساوي شاة واحدة أو اثنتين أشويهما اليوم..يتابع الطاهر في حنين جارف للماضي"كانت الغنم رخيصة الثمن والزبناء كراما".. أسعار متباعدة
حنين لا يموتلا يأسف الطاهر لشيء أسفه على ذهاب تلك الأيام الخوالي حين كان قوي البنية..ذائع الصيت..كثير العلاقات مع الساسة ورجال الأعمال الذين يحجونه بحثا عن لحم مشوي بيدي الطاهر البارعتين في طهي اللحم..وأسفه على موت زبنائه الأوائل الذين كانوا لا يسألون عن الثمن وكذا أسفه على هجر أصحاب الشاحنات الكبيرة للمطاعم حيث كانوا يشترون الكثير ويعطون بغير حساب. |