"الحسانية ألسنيا وأدبيا" كتاب جديد للباحث محمدُّ سالم ابن جدُّ
الخميس, 07 يوليو 2011 11:09

 

عنوان الكتاب عنوان الكتاب ازدانت المكتبة الموريتانية مؤخرا، بكتاب جديد للباحث والمؤلف المعروف محمدُّ سالم ابن جدُّ، تحت عنوان "الحسانية ألْسُنِيًّا وأدبيا"، يلقي الضوء على أسئلة نشأة وأصول وروافد اللهجة الحسانية.

الكتاب، الواقع في حوالي ستين صفحة، لم يرد له صاحبه أن يكون طويلا مملا؛ بل رام أن يقدم لنا المعلومات الدسمة والجديدة علينا أيضا، حول تقعيد لهجتنا في ورقات، نكمل قراءتها في لحظات، ونهتف مطالبين بالمزيد.

الفصل الأول من فصول الكتاب كان حول الحسانية، التي يرجح باحثنا أنها ولدت خارج حيزها الجغرافي الحالي، بدليل وشائج القربى التي تربطها بشقائقها في أقصى المنطقة العربية، ليس في المفردات المشتقة من أصل عربي، بل في تلك التي لا نجد لها أصلا في اللغة العربية.

ثم نصل إلى حديث جديد علينا، كسابقه عن  الروافد الألسنية للهجة الحسانية، التي قسمها الباحث إلى أربعة روافد: رافد عربي منه ما هو صميم، بمعنى أن التحريف والتحوير لم يجد طريقه إليه؛ وهو ما يعبر عنه المؤلف بـ"كلمات تستعمل في الفصحى وفي الحسانية سواء بسواء، إلا أن أمثلة هذا الصنف في الحسانية مبنية على غير العادة في الفصحى، أو مختلسة المد".

ومنه ما انسحب من الاستخدام الفصيح، وغاب عن مجالات التخاطب والتأليف والأدب، بل وعن أغلب المعاجم المعاصرة، و"ما زال حيا يرزق في الحسانية" على حد تعبير المؤلف، ومن هذا القبيل عبارة "نتك" بكاف معقودة، ذات الأصل القرآني (وإذ نتقنا الجبل فوقهم) وعبارة "مغسول" لعدم الجاذبية.. وأمثلة أخرى عديدة.

ثم يفرد حديثا للرافد البربري والإفريقي واللاتيني في الحسانية.

الفصل الثاني من الكتاب يخصصه الباحث محمدُّ سالم ابن جدُّ لعروض الأدب الحساني، تصدرته مقدمة عن تضارب آراء باحثي ونقدة الأدب الشعبي حول عدد بحوره (ابتوته) إلا أن المؤلف يفترض –مؤقتا- انقسامه إلى واحد وعشرين بتا، منها البسيط والمركب ومنها ما لا يدخله "لحراش" وما يدخله.

الباحث، يؤكد لنا في هذا الفصل، تطبيقيا (ولسان الحال أبلغ من لسان المقال) أنه يضع النظريات والافتراضات التي اعتبرها سابقوه مسلمات لا يرقى إليها الشك مطلقا، ليمسح الطاولة، وينطلق بنا في حديث وددنا لو طال عن طور النشأة والجذور في الأدب الحساني.

بعد تلك المقدمة، التي لابد منها، على الأقل، يصل باحثنا إلى "نسف آخر للمقاربات التقليدية" التي تعتبر الحركات معيار عروض "لغن" الوحيد؛ حيث يعترف للحركات بدورها، لكنه يثبت أن دور السواكن أهم وأشد حساسية، حتى في "لبتوته" الخالية من "لحراش" وبعدها يستعرض البحور مقدما لها الأمثلة واحدا تلو الآخر.

وفي ختام الفصل يقدم لنا جردا للاستنتاجات المستخلصة، فيقرر من باب التقعيد والتقسيم، أننا عندما نحترم التقسيم السائد فإن "لغن" ينقسم إلى سبعة "بحور" بسيطة تحوي "لحراش" وثمانية بسيطة لا تحويه، وثلاثة مركبة تحويه، ومثلها من نوعها خالية من لحراش.

أما إذا اتبعنا طريقة الخليل بن أحمد، فإننا سنعتبر "لبير"  بمثابة بت ذي ثلاث أعاريض، "وتيڮادرين" بتا ذا أربعة أعاريض، ومن بت واحد إلى "لبتيت التام" بتا ذا أعاريض ثمانية، أما "المشكَّل"، فإنه -طبقا لقانون الخليل- خال من مقومات البت المستقل.. بموجب هذا التقسيم سنحصل فقط على ستة بحور هي البت الكبير وبوعمران وامريميده ولبير وتيڮادرين ولبتيت.

وأهمل الباحث بحورا من بينها الرسم واتڮسري ولمعرڮب "لمحدودية انتشارها، حيث اقتصرت على أشخاص واضعيها" مما أفقدها التداول المطلوب، وعليه فقد شبهها المؤلف ببحر المستطيل الذي اخترعه أبو العتاهية، نكاية بأهل العروض ولم يستخدمه غيره.

ثم يفرد الباحث بابين للحديث عن مَواطن الاختلاف والاتفاق بين الشعرين الفصيح والشعبي، قبل أن يقدم إيضاحات حول تشكيل الحسانية، وهلامية حركاتها في كثير من الأحيان، وأمور أخرى.

الفصل الرابع من الكتاب خصص لتناول الصور البلاغية في "لغن" من تشريع وتورية واستخدام واطِّراد وطباق واستطراد وإرصاد وتقسيم واقتباس ومبالغة وإغياء وتأكيد للمدح بما يشبه الذم وحسن تعليل وتكرار للقوافي وتجريد ومشاكلة.. وغيرها؛ ممثلا بأمثلة مقارنة بين الأدبين، قبل أن يفرد فصلا للأمثال.

الكتاب، الذي أعد في الأصل دراسة أذيعت مفرقة في إذاعة موريتانيا بداية التسعينات، قبل أن ينشر في الصحافة الوطنية على فترات كانت أخرها منتصف العقد الماضي، جاء إضافة رصينة للمكتبة الموريتانية في ميدان هي في أمس الحاجة إلى مزيد بحث فيه، رغم أن آخرين أغاروا عليه بعد ما نشر مجزأً في الصحف، ونسبوا عمل المؤلف فيه إلى أنفسهم.

ولعل أصدق تعليق على الكتاب، هو ما سطره الكاتب الكبير محمد فال ولد عبد اللطيف في تقديمه له، حيث قال: "لقد تعرض الكاتب لمواضيع تسور عليها قبله كرام كاتبون، فلم يشفو الغليل؛ وكان في نزعهم ضعف –والله يغفر لهم- أما هو فقد أشبعها بحثا فاستحالت غربا سيضرب منها الواردون الباحثون بعطن.

والطريف في هذه الورقات أن صرامة البحث العلمي وجفافه لم يمنعاها من أن تكون طريفة ظريفة ممتعة، يمر عليها القارئ دون توقف، كأنما يلتهم مطعوما لذيذا أو يستمع نغما موسيقيا بديعا، حتى يأتي إلى آخرها ثم يحل مرتحلا إلى أولها علا بعد نـهل.

والكتاب -على طرافته ونفعه- قد لا يخلو من مواضع فيها للبحث والأخذ والرد مجال؛ ولكنها بقع يسيرة لا يترك لها الروض الخصيب، وهي في الحقيقة عوذة ترد عنه عين العائن. وعذر أستاذنا أن هذا الموضوع ما زال في مرحلة التأسيس..

ولعل الأستاذ -بكتابته لهذه الورقات- قد بَقَرَ هذا العلم وسهله لمن يأتي بعده؛ فيكون بذلك قد أسدى يدا بيضاء.. لا إلى أهل أمة الأدب فحسبُ؛ بل إلى الأمة جمعاء.

فدونكم -يا أهل الأدب- مأدبة تدعون إليها الجفلى وتستفيدون منها النقرى".

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox