تحليل: انتخابات موريتانيا من يريدها ومن لا يريدها؟
الاثنين, 23 يناير 2012 11:45

altaltيدور في الحلقات الضيقة لصنع القرار السياسي في البلد اليوم حديث هامس عن الانتخابات الرئاسية، وتشير بعض المعطيات المتسربة إلى خلافات عميقة على الموعد الذي سيتقرر أن تجري فيه انتخابات تأجلت وسط جدل لا ينقطع.

الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مقتنع بضرورة إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن قبل أن تتمكن سنة الجفاف الحالية من ليِّ أعناق الموريتانيين في الداخل باتجاه سماع الخطاب المعارض للرئيس، وقبل أن تتمكن الثورات العربية من حصد مزيد من الرؤوس، وتصل مقاصلها إلى مرشحين لا يبدو أن لائحتهم ستضيق دون اسم رئيس الفقراء، ورسمه، وقبل أن تتقوى بعض الأطراف الداخلية بحلفائها الفائزين في شبه المنطقة.

ويجد ولد عبد العزيز دعما في هذا من بعض شركاء موريتانيا المهمين في الاتحاد الأوروبي الذين ينظرون إلى الاستقرار كضامن وحيد لاستمرار المصالح، وهو ما يعني انزياح شيء من عبء التمويل الذي سينوء به كاهل الميزانية المرهقة بالديون، والعجز والأزمات.

وتسرب دوائر قريبة من رئيس البرلمان الحليف الأقوى لولد عبد العزيز في المشهد اليوم أن ولد بلخير يرفض أي انتخابات قبل نوفمبر القادم، مدعوما باستشارة فنية وضعت نتائجها على مكتب وزير الداخلية الموريتاني قبل أيام وملخصها أن تكوين اللجنة الانتخابية ومراجعتها للائحة الانتخابية، إضافة إلى إصدار بطاقة التعريف غير القابلة للتزوير أمور لا يمكن أن تتم قبل التاريخ الذي يريده ولد بلخير.
 
الكل يريد الانتخابات

يتشوف الفاعلون السياسيون في موريتانيا، باختلاف مشاربهم، إلى الانتخابات القادمة باعتبارها محطة فاصلة في التاريخ السياسي الموريتاني المعاصر؛ فهي تأتي على وقع انتصارات الشعوب في الربيع العربي، وفي ظل أزمة سياسية خانقة في موريتانيا يتجاوز عمرها الحقيقي الحراك الحالي لتكون بدايتها الحقيقية منذ ثلاث سنوات تقريبا، أي منذ الإطاحة بالرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، من قبل مجموعة عسكرية يتقدمها قيادة ورئاسة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز.

ينظر الرئيس وأغلبيته، علنا على الأقل، إلى الانتخابات القادمة باعتبارها محطة فاصلة في الصراع مع المعارضة الحالية، خصوصا الرافضة منها للحوار، ستكرس هيمنة الحزب الحاكم، وهوامشه الجديدة (الحراك الشبابي، قدماء الإسلاميين) على الساحة الوطنية فاعلا مركزيا ووحيدا، وبالتالي تصدق على طروحات الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتزكية ثانية تنضاف إلى التزكية السابقة التي حصل عليها الرئيس في يوليو 2009.

ودوام الحال على ما هو عليه الآن، أي عدم إجراء الانتخابات يعني مواصلة طريق الفراغ الدستوري، وبالتالي استمرار نزيف جرح عدم الشرعية الذي يشكل عقدة مزمنة لنظام جاء بانقلاب عسكري، وترسخ وجوده بما رآه البعض "انقلابا انتخابيا"، وهو أمر غير قابل للاستمرار في ظل "تصدع النواة الصلبة" لمجموعة السادس من أغسطس. 

وتتعدد عيون المعارضة الموريتانية إلى الانتخابات بتعدد أطيافها وسقوفها وطموحاتها،  فالمعارضة المشاركة في الحوار ترى فيها فرصة لتسويق نفسها كمعارضة داعمة للاستقرار السياسي، قادت حوارا مع الأغلبية الرئاسية أفضى إلى نتائج ملموسة على المستوى السياسي، ومنح الشارع الموريتاني فرصة لتجنب مآزق الثورات التي اجتاحت دول المنطقة.

مع تحفظ واضح الأسباب على الموعد القريب من لدن الفاعل الأبرز في هذا التيار من المعارضة رئيس البرلمان الحالي. مؤدى تحفظ ولد بلخير عائد إلى عدم ضمانه لمقعده كرئيس للبرلمان، وهو ما يعني خسارة تسيير ميزانية بمآت الملايين من الأوقية، ومكانة بحجم موقع رئيس المؤسسة التشريعية في البلد.

وتنقسم أطراف المعارضة الأخرى بشأن الانتخابات، فيرى الإسلاميون ممثلين في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" أنها فرصة لتحقيق نتائج لصالح الحزب مشابهة لما حصدته الأحزاب الإسلامية في الدول التي شهدت انتخابات بلون الربيع العربي، ويصر الإسلاميون على أن استثمار رصيدهم في الأداء البرلماني والبلدي، إضافة إلى أجواء المنطقة، كفيل بإعطائهم الأسبقية كأول قوة سياسية في البلد.

ويرى اتحاد قوى التقدم أن الانتخابات القادمة ستكون فرصته هو الآخر لحصد نتائج الأداء البرلماني لواحد من ألمع الفرق البرلمانية في المأمورية المنصرمة، وتاريخا من الوقوف في وجه النظام لم تتخلله انحناءة واحدة، باستثناء إماءة داكار التي قادها الإجماع الوطني.

أما الرئيس أحمد ولد داداه ومن خلفه حزب تكتل القوى الديمقراطية، بأكبر فريق برلماني معارض وأكبر نسبة في الأصوات خلف الرئيس المنتخب في انتخابات 2007 الرئاسية، فينظر إلى الانتخابات القادمة على أنها سلاح ذو حدين، فهي من جهة ستمنح الحزب فرصة لتجديد فريقه البرلماني، وتعطيه فرصة أخرى لتعزيز موقعه كواحد من أهم الفاعلين السياسيين في البلد، خصوصا بعد الإقرار المنتظر لمنع الترحال السياسي الذي شكل نزيفا لقوة الحزب البرلمانية بعد انتخابات 2006.

إلا أنها مع ذلك ستعني بقاء ولد عبد العزيز رئيسا للبلاد إلى حين انتهاء مأموريته منتصف العام 2014، وهو ما لا يريده رئيس الحزب بالتأكيد، ولا النواة الصلبة في الحزب، على أغلب التقديرات.

ولا أحد يريدها

الرئيس محمد ولد عبد العزيز  في افتتاح ملتقى الوسطية  (ami)الرئيس محمد ولد عبد العزيز في افتتاح ملتقى الوسطية (ami)تشير الصورة أعلاه إلى أن القوى السياسية الموريتانية، إلا أقلها تريد الانتخابات اليوم أوغدا على أبعد تأخير، لكن الفحص في جوانب أخرى من أجسام المتصارعين تظهر كدمات وخدوشا يصعب معها النزول إلى الحلبة في لياقة كاملة.

فالرئيس وأغلبيته يخافون أن تلجئهم الظروف الصعبة إلى فشل في تنظيم الانتخابات، يسقط ما تبقى من هيبة الدولة، ويلغي إلى غير رجعة صُبابة شرعية الإنجاز التي وضعها الزمن أمام امتحانات عسيرة ستخرج منها على ما يبدو بتقييم مخيب لآمال الأصدقاء، مثير لشفقة الأعداء.

وإذا تم تجاوز عقبة التنظيم الكأداء بتضافر جهود قوى دولية مع التجربة المحلية، فإن أي "تصرف" في نتائج الانتخابات، قد يلجؤ إليه الظرف العصيب سياسيا، كفيل بأن يتحول إلى ضربة قاضية تطوح بالنظام من أساسه بثورة شعبية أو انقلاب يعيد حسابات الجميع إلى الصفر وحسابات قادة النظام إلى ما دون ذلك، ولن تغني عندئذ تجريمات الدستور التي أعدت على عجل، فليس يرد المنقلب شيء، ولن يعدم من يعفو عن الجريمة الدستورية، خصوصا إذا تذكرنا الظروف التي أجيزت فيها التعديلات الدستورية، من دون حضور أغلب القوى المعارضة.

وتبدو شواهد الضعف في جبهة الرئيس ماثلة للعيان صارخة بأن "النصر الكاسح" خارج خيارات الصناديق التي صممت على النسبية، ويطارد المصوتين الكبار فيها شبح المجاعة في سنة شهباء لم تنجز فيها حكومة معالي الوزير الأول إلا وعودا بـ"أمل" قمح من دونه جيوب كثيرة فارغة، ولجان يشوب تسييرها لـ"لتضامن" الكثير من الدخن.

وما جبهة المؤسسة العسكرية بأكثر صمودا فبضعة الجنرالات الذين قاد بهم عزيز انقلابه، وسير بهم الأمن والسياسة والجيش يتحسسون مواقعهم اليوم وهم يرون الربان يصادم بسفينتهم هوج الرياح، فيتقلب في التحالفات الصعبة، ويحل عشير الدم محل عشير المهنة، فولد الهادي الآن مطالب بترتيب الملفات وتصفيفها للعرض على شاب مدني قادم من وزارة  التعليم، ويعد افليكس نكري نفسه للسفر إلى بلاط جنرالات الجزائر في منفى جبلي تناوشه أيدي فتية القاعدة وكهولها، وهي تعد عدتها للتمركز في إفريقيا بعد أن ضاقت بها جبال خراسان، وأعالي بلاد سبأ، التي أذابت ثورات العرب جليدها.   

وفي حال صحت التسريبات الصحفية فسيكون الضابط اللسن في تجريم ولد الشيخ عبد الله مسغارو ولد اغويزي مطالبا بأن يشرف على جهاز لا تتعدى قدراته تأمين بوابين للموظفين المدنيين في الوزارات، في حين يتولى مفوض شرطة خرج أمس من وظيفته مهمة الدوران على المقعد  الوثير في مقر قيادة الجهاز الجديدة ذي الصلاحيات الكبيرة والميزانية الضخمة، والمهمات الغامضة (أمن الطرق ومكافحة الهجرة...).

وتعني إعادة الثقة في جيل المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، ممثلا بمدير الأمن الجديد أحمد ولد بكرن فاتحة لا يريد ولد الغزواني ولا ولد محمد ازناكي أن تقرأ في أذنيهما، وهما الآتيان إلى صدارة المؤسسة العسكرية قفزا.

وقوى المعارضة المقاطعة للحوار تسلك اليوم مسارا تصعيديا  تتمنى لو تنهيه وهي تتعامل مع ساكن جديد للقصر بإمكانه القبول بشروطها بشأن الانتخابات النزيهة وحياد الإدارة، ويتحقق حلمها بإقامة نظام مدني يصنع على أعينها، وهي لا تريد أن ترى نفسها تنازل الرئيس محمد ولد عبد العزيز وعُقَدُ الهزائم أمام "وسائل الدولة" و"إرادة الدولة" و"قوة الدولة" تلاحقها.

وتغريها بمواصلة طريق التصعيد حتى نهايته المأمولة استقبالات قطاع عريض من الموريتانيين في ولايات الداخل لوفد المنسقية الذي يجوب اليوم مناطق البلاد الشرقية.

أما مسعود ولد بلخير ورفاقه فهم في غنى عن انتخابات سريعة غير معلومة النتائج، والراجح أنها ستسلب ولد بلخير موقعه كرئيس للبرلمان، أيا يكن الفائز فيها؛ فالمعارضة مصدومة من هجوم ولد بلخير عليها بعدما يمم شطر الحوار، ولن تكون سلَّمَه إلى قمة الجمعية الوطنية لو حصلت على أغلبية في المقاعد، وعزيز سيتردد كثيرا قبل منح رجل قُلًّبٍ لا تؤمن بوائقه مركزا بحجم رئيس البرلمان، وهو الذي خَبَرَ مِراسَه المُرَّ أيام الانقلاب والانتخابات وما تلاهما إلى أيام الحوار.

على الراجح

سيتجه عزيز في ظل معطيات فنية وسياسية غير مشجعة على إجراء الانتخابات قبل الربع الأخير من العام 2012، وفي ظل معطيات سياسية وأمنية واقتصادية لن تمنحه السبق في انتخابات تتنظر ذلك التاريخ، وربما لن تُنْظِر عزيزا الظروف إذا قرر انتظار الفرصة السانحة، وسيخرج من ثقب تعطيل المؤسسات الدستورية، والفساد، وسوء والأوضاع المعيشية، كما برر هو إخراج غيره في ظرف مختلف.

سيتجه، إلى حل وسط يرضي الظروف الفنية وبعض الحلفاء ويتحايل على الأوضاع الاقتصادية والسياسية، ويباغت بعض الخصوم، وينزل إلى الصندوق منتصف العام الحالي، متيمنا بـ "ستة ستة" أو 19 يوليو، متناسيا أن ذلك كان عام 2009 وأننا اليوم في 2012.

 

تحليل: انتخابات موريتانيا من يريدها ومن لا يريدها؟

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox