أحمد جدو ولد أحمد باهي *
إن كل عمل يقوم به الدعاة والمصلحون أياً كان نوعه يحتاج مستوى كبيرا من الحذر والدقة وتوقي المزالق حتى لا تكون فتنة وحتى يتحقق المطلوب. ففي مجال الفتوى والتعليم علينا أن نحذر القول على الله بغير علم، واستصغار شأن الدين واستسهال التوقيع عن رب العالمين، وذلك بعدة أمور منها:
بذل الجهد في معرفة الحق، والتواضع حيث ندلي بما نعرف، ودفع الناس إلى تصحيح ما نقوله على أهل العلم والتقوى. وفي مجال الدعوة والتوجيه لا بد أن نتجنب مزالق كثيرة وأخطاء شائعة كالغلو والتهويل، وتبسيط شأن الدين واختزاله في جزئيات مهما بلغت من الأهمية لا تمثل الدين كله، هذا فضلا عن جوانب الانحراف والقصور والضعف الأخرى المعروفة المشهورة. وفي مجال السياسية ومقاومة الاستبداد وظلم السلطات وتسلطها، ونهبها وفسادها يحتاج المسلم أيضاً إلى ضوابط مهمة تتحقق بها المصالح، وتختفي بها المضارّ أو تخف، من أهمها الحصول على المعلومات الصحيحة الفاضحة لتصرفات النظام، وتقديمها دون زيادة، وبجرعات تتناسب وحجم الاستياء الشعبي، ومنها حض الجماهير على أن يكون إصرارهم على ترحيل النظام بشتى أنواع الأنشطة لا يوازيه إلا إصرارهم على السلمية وتفويت الفرصة على المستبدين حتى لا يوفروا جواً يبرر لهم العنف والاعتداء. وقد دلت مختلف الأنشطة الكبرى التي قامت بها منسقية المعارضة أو قام بها حزب تواصل على مدى وعي الجماهير، ورقيّ تصرفاتهم، وقدرتهم على الانضباط، مما يجعل النصائح المتتالية التي تقدم من هنا وهناك قد آتت أكلها وتحقق هدفها ما دامت تخشى العنف والدمار فقط، أما تلك النصائح التي لا تعرف التقوى إلا سلبية في وجه الظلم وحاجة الناس، ولا تعرف السلامة إلا انعزالاً عن إنكار المنكر ومجاراة لكل ظالم، ولا تعرف الإيمان بالقدر إلا جبرية تبرر لكل متسلط ظلمه، وتقف في وجه كل طامح مسؤول مصر على التغيير والإصلاح، فيقال لأصحابها كلما تقولون وتحتجون له كلمة حق أريد بها باطل، فإن التحذير من الفتن، والدعوة إلى الحذر والانضباط لا يجوز أن تكون عائقاً دون أداء الشهادة في أعلى تجلياتها: حيث تدار المجتمعات وتُسيّر الأمور العمومية وتصَدّر القرارات. إن التحذير من الفتن لا يجوز أن يكون عائقا وإنما هو ضابط وموجّه، ولا أن يكون ملجأ للظالم وسياساته، وإنما يكون حافزاً للأمة أن لا تسكت على الظلم والقهر حتى لا يتودع منها وحتى لا يلعنها الله كما لعن بني إسرائيل. إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين ذكر حصول كثرة الخلاف والبدع في حديث العرباض ـ رضي الله عنه ـ لم يأمر بالسلبية المحضة وإنما أمر بالسمع والطاعة وهما بنص القرآن والسنة وإجماع العلماء مقيدان بالمعروف، وهما مظهر من مظاهر الإيجابية ما داما في المعروف، ثم حضّ على سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده حتى قال: "عضّوا عليها بالنواجذ"، ومعلوم أنهم لا يسكتون على منكر ولا يولون فاسقا ولا ينهبون مالاً عاماً، ولو منع أحد عقالاً من حقوق المسلمين لقاتلوه عليه، فما بال بعض فقهائنا اليوم لا يرون السمع والطاعة إلا مسايرة للواقع وقعوداً عن كل إصلاح وطموح؟ إن أي تكليف تجاه النظام أو تجاه الشعب أمرا بمعروف أو نهياً عن منكر أو قياماً بإصلاح شامل لوضع حدّ لحُكم الفساد والنهب والمكر والتحايل ينبغي أن تتوفر فيه بعض الشروط نذكر منها ما يلي: 1) التعرف على الهدف المطلوب وأهميته في حياة المسلمين، ولا شك أن هدفنا في حزب تواصل هو الإصلاح الشامل ببرامج شاملة مؤصلة شرعاً، ومنطلقة من الواقع بجهود ومشاركة كفاءات الشعب الموريتاني كلها، بتخطيط شامل ودراسات كافية وشورى وديمقراطية حقيقية، لا بقرارات مرتجَلة وعواطف مخادعة، وديماغوجية متحايلة. 2) التعرف شرعاً على الوسيلة المتخذة هل هي جائزة أم لا؟ ووسائلنا لهذا الإصلاح الشامل لا تتجاوز حزمة من الأنشطة السلمية المتعددة المتنوعة، والوسائل في شريعة الإسلام لا يشترط ورودها في نص، بل يكفي أن تكون محصلة للهدف غير منهي عنها بالشرع. 3) أن نبدأ بالأرفق فالأرفق والأيسر فالأيسر،، ومعلوم أننا في تواصل بدأنا بالاعتراف وبالحوار الهادئ أو النصيحة بشكل مباشر، ثم بوثائق عالية المستوى: سواء تعلق الأمر برؤيتنا لمحاربة الفساد، أو تعلق برؤيتنا للإصلاح السياسي الشامل ولكن من ننصحه ومن نخاطبه يصح فيه قول القائل: أسْمعت لوْ ناديتَ حياً ولكن لا حيــاةَ لمن تنادي أما ما يُخشى من الفتنة فالحذر منه مطلوب ، والتنبيه عليه واجب، ولكن الفتنة إنما تواجَه بالشرع واتباعه، والحرص على تعاليمه وتوجيهاته وعلى تطبيقها، حتى لا يحل مكان ذلك ما يتعلمه وينفذه من لم يعرف عنهم علم بشرع ولا ممارسة لدعوة أو إصلاح. فتركُ أهل الفساد دون نكير ومغالبة هو الفتنة بعينها كما قال أحد خيرة صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما قال له أحد ملوك بني أمية: إياك والخروج عليّ فإنه فتنة، قال ـ رضي الله عنه ـ: والله لا أعلم فتنة أكبر من توليك أمر الناس. فقد أمر الله المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع الظلم، والأخذ على أيدي الظَّلمة، وأن يؤدّوا الأمانة إلى أهلها، ونص الحديث على أن من علامات الساعة أن يوسد الأمر "وهو الحكم وولايات شأن المسلمين" إلى غير أهله، وأمر بالقيام بالعدل ونشر الخير والإصلاح بين الناس، وحفظ المال الذي هو قوام الحياة، وأمر بقول كلمة الحق دون خجل وخوف، ووعد من مات بسبب إنكاره على أهل الجور بأرفع درجات الشهادة، وكل ذلك يحتاج دروساً ومحاضرات، وأنشطة وأعمالاً ومغلبة، وليس أمام المسلم ـ أداءً لهذه الواجبات ـ إلا أن يسدد ويقارب، ويصبر ويصابر، كما قال الطبري فيما نقله عنه صاحب الفتح: (لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أُبطل باطل، ولوجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء) إهـ. هذا في مجال مقاومة الفسَقة بالسلاح الذي يتوقع فيه من الضرر ما اللهُ به عليم، فما بالُنا وكل ما نطلبه اليوم هو رفض شعبي سلمي للتخلف والفقر والجهل والسفه والطيش والنهب ليس فيه أي قتال ولا أي سلاح. * رئيس المجلس الوطني لحزب تواصل
|